قبل نحو خمس سنوات كان المشاهد المصرى والعربى على موعد مع مسلسل «نور» التركى، الذى حقق نجاحا غير عادى، ليفتح بعدها الباب على مصراعيه أمام الدراما التركية التى زحفت على الشاشات العربية مستفيدة من إعجاب المشاهدين تارة، وساحة خالية من الدراما المصرية طيلة 11 شهرا فى السنة تارة أخرى. وبمرور السنوات أخذت مساحة الدراما التركية على الفضائيات فى الاتساع على حساب نظيرتها المصرية بدرجة باتت تهدد وجودها من الأساس، ما دفع نقابة الممثلين إلى الاتجاه نحو تقديم مشروع قانون ينظم عرض الدراما التركية على الفضائيات للحد من غزو الأتراك. الفنان محمد أبو داوود، سكرتير عام نقابة المهن التمثيلية، كشف ل«الشروق» عن وجود اتجاه داخل مجلس النقابة حول الإعداد لمشروع قانون لتنظيم عرض الدراما غير المصرية على القنوات الفضائية، بحيث لا تعمل القنوات الفضائية كما تشاء.
وأضاف أن كل ما يشغل الفضائيات أن تملأ الخريطة البرامجية بأقل تكلفة، لذا يلجأون للدراما التركية الأقل سعرا والأطول وقتا، دون تفكير فيما يسببه ذلك من ضرر على صناعة الدراما، مضيفا أن العملية الإنتاجية فى مصر هى صناعة كبيرة، يعتمد عليها آلاف العاملين.
وأوضح أن مثل هذه الإجراءات لا تهدف إلى الحجر على أحد، لكن مثلما كان هناك تنظيم لوجود الفيلم الأجنبى فى مصر، فنحن نبحث أيضا تنظيم عرض الأعمال التركية فى البلاد، وفى النهاية سوف يكون ذلك فى مصلحة الدراما المصرية.
وتباينت ردود أفعال الفنانين وصناع الدراما حول مشروع النقابة، المنتج جمال العدل أعرب عن أمله فى حدوث أى قانون ينظم وجود أى دراما غير مصرية، لأن وجود مثل تلك الأعمال بهذا الكم يمثل خطرا كبيرا علينا، والدراما فى مصر عبارة عن صناعة كبيرة تضم الآلاف من الفنانين والفنيين فى جميع المجالات.
و«مثل هذه الإجراءات، بالرغم من تأكيد عدم قانونيتها، فإننا نحتاجها فى الفترة الحالية بسبب ظروف البلد التى تمنع إنتاج أعمال بشكل جيد يصلح للمنافسة».
وأضاف: «وفى نفس الوقت نجد أن تلك الأعمال لها مميزات أولها أنها تقوى المنافسة، وهى من الأسباب الرئيسية التى جعلت الصورة أفضل فى الدراما المصرية للوصول لنفس مستوى صورة الدراما التركية، كما أنه تمت الاستعانة بمعدات السينما لتحسين الدراما».
والواقع أن السبب الرئيسى لذلك الانتشار أن الفضائيات تبحث عن مصلحتها فقط، والملاحظ هذه الأيام بسبب وجود الأعمال التركية بمفردها فى السوق المصرية أن سعرها يرتفع شيئا فشيئا إلى أن أصبح يقارب أسعار الدراما المصرية، حيث إن رخص ثمنها كان الدافع الذى يجعل أصحاب القنوات الفضائية يقبلون عليها».
«هناك حلول أخرى لتخفيف مثل هذا الاجتياح وهو الإنتاج المشترك مثل عمل دمج وتبادل للممثلين بين البلدين، ونقوم بصنع دراما مصرية تركية، مثلما حدث من قبل فى السينما عندما قمنا بعمل إنتاج مشترك بيننا وبينهم».
وأوضح الفنان محمد صبحى أنه ليس غريبا أن تتواجد الدراما الأجنبية أيا كانت جنسيتها فى السوق المصرية، ولكن الغريب أن تتوقف الحياة الفنية فى مصر فى الفترة الحالية، ولا يتم بث غير الأعمال التركية».
وأكد أن الدراما المصرية ليست فقيرة بهذا الشكل، فإن كانت هناك ندرة فى الانتاج حاليا، فمن الممكن أن تتم إعادة بث الأعمال القديمة، أو أن نكتفى بعمل واحد يصلح للمنافسة، دون عمل كم من الأعمال تكون رديئة المستوى.
وأشار إلى أنه يرفض تنظيم أو تحجيم أية أعمال، قائلا: «لأنه على سبيل المثال عندما حدثت الهجمة الشرسة على الممثلين السوريين وقفت بجانبهم، لأن مصر يجب أن يتسع صدرها للممثلين من جميع البلدان، أما فيما يخص الأعمال التركية فلا مانع من وجودها، ولكن على مائدة متعددة، وليس بمفردها كما هو موجود حاليا».
«بسبب كثرة استيرادنا فى مصر للدراما التركية، أصبحت مصر مسار سخرية، حيث يقولون عنا فى الخارج إن مصر ينقصها أن تعمل نشرة الأخبار باللغة التركية».
وأوضح صبحى أن المشكلة الكبرى ليست بفرض التنظيم على القنوات الفضائية ولكن الأفضل أن يتم توعيتهم بأنهم بهذه الطريقة يسببون ضررا كبيرا لصناعة الدراما فى مصر، ونكتفى بلفت النظر.
«أية إجراءات للتنظيم أو التحجيم تنم عن الضعف»، هكذا بدأ المخرج محمد فاضل حديثه، مضيفا: «الأسهل هو المنع وإن دل فيدل على الخوف، ولكن الأصعب هو أن تعيد التوازن للدراما المصرية، ولمواجهة مثل هذا الاجتياح للدراما التركية، هو أن نقوم بإنتاج دراما مصرية قوية، وبتنشيط حركة الإنتاج دون التحجج والتماس الأعذار».
وأشار إلى أنه فى عز نكسة 1967 قامت الدراما المصرية بانتاج مسلسل «القاهرة والناس» فى 80 حلقة، ويعتبر من أهم مسلسلات الستينيات، فيجب على صناع الدراما الحاليين ألا يتحججوا بظروف البلد، فمن الممكن أن يتم الإنتاج المشترك لتحقيق التوازن.
وأضاف: «يجب تنشيط قطاعات الإنتاج التابعة للدولة، وهى قطاع الإنتاج بالتليفزيون ومدينة الإنتاج الإعلامى، وصوت القاهرة، وتقوم بالاشتراك مع القطاعات الخاصة بإنتاج أعمال جيدة تجذب الجمهور كما كانت تفعل فيما مضى، مثل ليالى الحلمية ورأفت الهجان».
وردا على أنه كان هناك قانون يقنن وجود الأفلام الأجنبية فى السوق المصرية، أشار فاضل إلى أن السينما تذهب إليها الناس بعكس التليفزيون يسهل الوصول لأى قناة بزر الريموت، فلو تم عمل قانون فسوف يكون قانونا مثقوبا ولن يجدى، حيث إنه لو تم منعها من الفضائيات المصرية فلن تستطيع منعها من الفضائيات الأخرى.
من جانبه أكد السيناريست مصطفى محرم أنه لو تم عمل أى قانون للتقنين أرى أنه سيكون غير شرعى، لأن هذه منافسة والبقاء للأنسب والأقرب للجمهور، ورغم أن الدراما التركية كثرة وجودها يضر الدراما عندنا، ومن المفترض أن نواجهها بالتفوق عليها وعمل مسلسلات جيدة.
وقال: «المشكلة الكبرى فى أصحاب القنوات الفضائية، حيث توجد أكثر من قناة فضائية معظم ما تعرضه من أعمال أغلبها تركية، بسبب رخص ثمنها، كما أن الإعلانات عن الأعمال التركية تكون بشكل كبير، وفى النهاية المتفرج لديه الحرية فى مشاهدة ما يراه مناسبا له لأننا فى سوق مفتوحة والغلبة للأفضل».
كما أكد أن الدراما المصرية محلك سر ولا يوجد بها أى تطور منذ فترة، لا توجد موضوعات جديدة، والتقنية الفنية لم تتطور نهائيا مثلا فى الكتابة تتم كتابة الموضوعات بنفس الطريقة التى بدأت بها فى أوائل التسعينيات، أما الأعمال الشبابية فبها عيب أن مشاهدها طويلة والشخصيات كثيرة لعجزهم على تطوير الحدث، حيث إنه من السهل هذه الأيام أن تعرف نهاية العمل فى منتصفه.
واختتم محرم كلامه: «أعتقد أنه لو تم عمل مثل هذا القانون سوف يضعف الدراما المصرية ولن يقويها، لأن وجود منافس معك سوف يجعلك تصنع أعمالا جيدة، فالمسألة ليست بالكثرة فقد قمنا بإنتاج حوالى 60 عملا فى موسم رمضان العام الماضى وقليل فقط هم من نجحوا».