النواب يناقش تعديل قانون مهنة الصيدلة وتنظيم إصدار الفتوى الشرعية    انطلاق قوافل المراجعة النهائية المجانية لطلاب الشهادة الإعدادية بالأقصر (صور)    السبت المقبل.. 23 ألف طالب يؤدون امتحانات الفصل الدراسي الثاني بجامعة أسوان    البابا تواضروس لرئيس أساقفة براج: التعاون بين الكنائس يعكس المحبة وقبول الآخر    بالأسماء.. 16 مرشحًا يتقدمون لرئاسة جامعة بني سويف    محافظ سوهاج يبحث تطبيق الهوية البصرية على الكوبري الجديد بالكورنيش الغربي    رئيس البريد: نعمل على تعظيم الإيرادات وترشيد النفقات    هيبة: مصر أنفقت 550 مليار دولار على تحسين البنية التحتية خلال 10 سنوات| خاص    مستشار وزيرة التخطيط: 44% من القوى العاملة بحلول 2030 ستكون من الجيل التكنولوجيا الحديثة    إنشاء مدارس ومراكز للشباب وصرف إعانات عاجلة.. تفاصيل لقاء محافظ المنيا والمواطنين اليوم    ترامب: انتخاب بابا للفاتيكان أمريكى للمرة الأولى شرف عظيم    "أوتشا": عنف المستوطنين بالضفة الغربية فى تزايد    بعد قليل.. الأهلي والاتحاد.. نهائي كأس مصر لكرة السلة    إمام عاشور ينقذ الأهلي بهدف التعادل أمام المصري    نفس توقيت نهائي الكأس.. ديسابر يعلن ضم ماييلي لقائمة الكونغو الديمقراطية في يونيو    ضربها بحزام وصورها عارية.. علاقة عاطفية تنتهي في جنايات كفر الشيخ    محافظة القاهرة: حريق شركة الأدوية لم يسفر عن إصابات    معدات ثقيلة لرفع سقف موقف قوص المنهار فوق 40 سيارة (صور)    انتشال جثمان عامل من غرفة تفتيش صرف صحي بالمنيا    «كان يخاف ربه».. هالة صدقي تحسم جدل أزمة طلاق بوسي شلبي من الراحل محمود عبد العزيز    ما تأثير الحالة الفلكية على مواليد برج الحمل في الأسبوع الثاني من مايو 2025؟    أكشن بتقنيات عالية.. الإعلان التشويقي لفيلم المشروع X ل كريم عبد العزيز    MBC مصر تعلن موعد عرض مسلسل "بطن الحوت"    فعاليات تثقيفية متنوعة ضمن دوري المكتبات بثقافة الغربية    مسابقة قرائية بمكتبة مصر العامة    ياسمينا العبد: كنت متأكدة إني هبقى سبب فشل مسلسل «موضوع عائلي 3» (فيديو)    علي جمعة: السيرة النبوية تطبيق عملي معصوم للقرآن    ب3 مواقف من القرآن.. خالد الجندي يكشف كيف يتحول البلاء إلى نعمة عظيمة تدخل الجنة    أمين الفتوى: لا يجوز للزوج أخذ "الشبكة" من زوجته رغمًا عنها بعد الزواج    محافظ سوهاج يوجه بسرعة استلام وتشغيل مركز الكوثر الطبي خلال أسبوعين    القومى للبحوث: اكتشاف إنزيم مهم من فطر الاسبرجليس لتقليل الكوليستيرول بالدم    مينا مسعود يزور مدينة الإنتاج الإعلامي ويشيد بإمكانياتها    وزير التعليم يعلن بدء العام الدراسي 2025 / 2026 في المدارس الدولية 7 سبتمبر المقبل    الصحة: تنظيم مؤتمر علمي لتشخيص وعلاج الربو الشعبي ومكافحة التدخين    الدخان الأبيض يعلن بدء رحلة بابا الفاتيكان الجديد.. الأجراس تدق والاحتفالات تملأ الشوارع    خبراء يحذرون: الزمن هو الخطر الحقيقي في النزاع النووي الهندي الباكستاني    الرياضية تكشف موعد انضمام ماركوس ليوناردو لتدريبات الهلال    ترامب: أحاول التعامل مع إيران دون التورط فى قصفها    الحكومة: أسعار جلسات الغسيل الكلوى ثابتة دون زيادة وتقدم مجانًا للمرضى    وزير الاتصالات: إتاحة 180 خدمة حكومية عبر منصة مصر الرقمية    "10 دقائق من الصمت الواعي".. نصائح عمرو الورداني لاستعادة الاتزان الروحي والتخلص من العصبية    البورصة: تراجع رصيد شهادات الإيداع لمدينة مصر للإسكان إلى 541 مليون شهادة    انخفاض عمليات البحث على "جوجل" عبر متصفح سفارى لأول مرة لهذا السبب    الكرملين: الحوار بين روسيا والولايات المتحدة مستمر    عضو مجلس المحامين بجنوب الجيزة يثبت الإضراب أمام محكمة أكتوبر (صور)    محافظ مطروح يتفقد تصميمات الرامبات لتيسير التعامل مع طلبات ذوي الهمم    مطار مرسى مطروح الدولي يستقبل أولى رحلات الشارتر من التشيك    نائب وزير الصحة يتفقد وحدتي الأعقاب الديسة ومنشأة الخزان الصحية بأسوان    خالد بيبو: كولر ظلم لاعبين في الأهلي وكان يحلم بالمونديال    رامي ربيعة يوافق على 20 مليون جنيه سنويًا.. ورد الأهلي الأخير بشأن الإعلانات يحسم ملف التجديد    تكثيف جهود البحث عن فتاة متغيبة منذ يومين في القليوبية    تركيا: إسرائيل تمنع إيصال المساعدات الإنسانية وتحاول تهجير الفلسطينيين وتثبيت وجودها في غزة بشكل دائم عبر توسيع هجماتها    اختناق 4 أشخاص في حريق بمكبس كراتين خردة بسوهاج    الإسماعيلي ضد إنبي.. الدراويش على حافة الهاوية بعد السقوط في مراكز الهبوط    ميدو يفجّرها: شخص داخل الزمالك يحارب لجنة الخطيط.. وإمام عاشور الأهم وصفقة زيزو للأهلي لم تكن مفاجأة    وزير خارجية إيران: زيارتي للهند تهدف لإنشاء لجنة اقتصادية مشتركة    الجيش الباكستاني يعلن إسقاط 12 طائرة تجسس هندية    سبب إلزام النساء بارتداء الحجاب دون الرجال.. أمين الفتوى يوضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الشروق» تنفرد بنشر مذكرة طعن النائب العام على حكم بطلان تعيينه
نشر في الشروق الجديد يوم 01 - 05 - 2013

حصلت «الشروق» على نص مذكرة الطعن الاستئنافية التى أعدتها النيابة العامة وقدمتها إلى محكمة النقض لإلغاء الحكم الصادر من الدائرة 120 طلبات رجال القضاء بمحكمة استئناف القاهرة، ببطلان تعيين النائب العام، المستشار طلعت عبدالله، وعودة سلفه المستشار عبدالمجيد محمود لمنصبه.

ونصت المذكرة المكونة من 36 صفحة، التى قدمها النائب العام المساعد، المستشار حسن ياسين، وكيلا عن المستشار طلعت عبدالله، على أن هذا الحكم لم يلق قبولا لدى الطاعن لما انطوى عليه من عوار يصل به إلى مرتبة الانعدام، وانعدام المصلحة، فضلا عما اشتمل عليه من خطأ فى تطبيق القانون وفساد فى الاستدلال وقصور فى التسبيب، وإخلال بحق الدفاع ومن ثم يطعن عليه للأسباب الآتية:

ذكرت صحيفة الطعن تحت هذا السبب أن المادة 68/3 من قانون المرافعات اعتبرت الخصومة منعقدة فى الدعوى بأحد أمرين أولهما إعلان صحيفتها للمدعى عليه، والثانى هو حضور المدعى عليه بالجلسة، هذا وقد اعتبرت محكمة النقض فى أحكامها، أن عدم إعلان المدعى عليه يعد سببا لعدم انعقاد الخصومة، وصدور حكم فى دعوى لم تنعقد فيها الخصومة يجعله معدوما.

وبناء عليه فقد اختُصم الطاعن المستشار طلعت عبدالله بشخصه ولم يعلن بعريضة الدعوى وفقا لما تقضى به المادة 84 من قانون السلطة القضائية، ولم يحضر عنه بالجلسات من يمثله قانونا بل خلت أوراق الدعوى كاملة من عنوان له قد يُمَكِّن قلم الكتاب من إعلانه وفق صحيح القانون، ومن ثم فقد وقع الحكم الصادر فى تلك الدعوى معدوما لتجرده من أحد أركانه الأساسية ألا وهى المواجهة بين الخصوم وهى مناط انعقاد الخصومة، وهذا الانعدام متعلق بالنظام العام لتعلقه بأسس التقاضى.

الخطأ فى تطبيق القانون بمخالفة الدستور
وتحت هذا السبب تحدثت مذكرة الطعن عن استناد المحكمة فى حكمها المطعون فيه بما وصفته بالمبادئ فوق الدستورية، حيث قالت النيابة إن الحكم شابه الخطأ فى تطبيق القانون، ووضع نصب عينيه هدفا أهدر فى سبيل بلوغه أحكام الدستور والقانون، وما استقرت عليه أحكام القضاء الدستورى أو العادى، فارتقى فوق القانون الذى يتعين عليه التزام أحكامه، وعندما تبين له أن الدستور يغل يده ضرب به عرض الحائط وأتى بتهويمات استطال بها على الدستور الذى استفتى عليه الشعب وحاز ثقته.

وبحسب مذكرة الطعن فقد سلكت كل من محكمتى النقض والدستورية العليا منهجا متسقا فى تفسير النصوص التشريعية حيث تواترت الأحكام الصادرة عنهما، على أن القاضى مطالب أولا بالرجوع إلى نص القانون ذاته وإعماله على واقعة الدعوى فى حدود عبارة النص، وألزمت القاضى بالاستناد إلى التشريعات أولا فى إصدار الأحكام دون الأخذ بأسباب الاجتهاد.

ومن ثم فإن منهج محكمة النقض لم يعترف بما يسمى بالمبادئ فوق الدستورية وإنما اعتبرت أن «الدستور هو القانون الوضعى الأسمى صاحب الصدارة فكان على ما دونه من تشريعات النزول عند أحكامه، فإذا تعارضت هذه وتلك وجب التزام أحكام الدستور، وإهدار ما سواها، ويستوى فى ذلك أن يكون التعارض سابقا أو لاحقا على العمل بالدستور، فإذا ما أورد الدستور نصا صالحا بذاته للإعمال بغير حاجة إلى سن تشريع أدنى لزم إعمال هذا النص من يوم العمل به ويعتبر الحكم المخالف له فى هذه الحالة قد نسخ ضمنا بقوة الدستور نفسه».

وحيث إن المستقر عليه فقها وقضاء أن الإعلان الدستورى هو مجموعة القواعد القانونية التى تصدر فى حالة سقوط دستور الدولة أو تعطيله الذى تنظم به السلطة الحاكمة واقعية كانت أو منتخبة الكيان القانونى للدولة والسلطات القائمة فيها وعمل تلك السلطات والعلاقة فيما بينها، فضلا عن أهم المبادئ والمقومات الأساسية التى تقوم عليها الدولة والمجتمع حتى يتم وضع دستور جديد للبلاد، ومناط ثبوت الحق لتلك السلطة فى إصدار إعلانات دستورية هو استمرار المرحلة الانتقالية وعدم صدور دستور دائم، ومتى أقر الأخير انتهت المرحلة الانتقالية واضطلعت سلطات الدولة بمهامها حسبما ينظمها الدستور الجديد.

وحيث إن رئيس الجمهورية الذى بيده سلطة التشريع وفقا للإعلانين الدستوريين الصادرين بتاريخ 30 مارس2011 و11 أغسطس 2012 لعدم إقرار دستور جديد للبلاد قد أصدر إعلانا دستوريا بتاريخ 21 فبراير 2012 ونص فى المادة الثالثة منه على أن «يعين النائب العام من بين أعضاء السلطة القضائية بقرارٍ من رئيس الجمهورية لمدة أربع سنوات تبدأ من تاريخ شغل المنصب ويسرى هذا النص على من يشغل المنصب الحالى بأثر فورى».

ونظرا لانتهاء مدة ولاية النائب العام السابق المستشار عبدالمجيد محمود فقد أصدر رئيس الجمهورية بتاريخ 22 نوفمبر 2012 القرار رقم 386 لسنة 2012 بتعيين المستشار طلعت عبدالله نائبا عاما، لمدة أربع سنوات.

وبتاريخ 8 ديسمبر 2012 أصدر السيد رئيس الجمهورية إعلانا دستوريا نص فيه على إلغاء الإعلان الدستورى مع اعتبار ما ترتب عليه من آثار صحيحا وقد حازت تلك الآثار ثقة الشعب المصرى بموافقته على مواد الدستور الجديد، ومن بينها المادة 236 التى قضت بأن «تلغى جميع الإعلانات الدستورية الصادرة من المجلس الأعلى للقوات المسلحة ورئيس الجمهورية منذ الحادى عشر من فبراير 2011 وحتى تاريخ العمل بالدستور ويبقى نافذا ما ترتب عليها من آثار».

وإذ جاءت تلك النصوص واضحة جلية المعنى قاطعة الدلالة على المراد منها، الأمر الذى أضفى على آثار الإعلانات الدستورية شرعية مستمدة من الإرادة الشعبية التى هى مصدر كل السلطات والتى تعلو على كل إرادة وسلطة.

وعلى الرغم من كل ما تقدم فإن الحكم المطعون فيه أعرض عامدا عن تلك النصوص مستندا إلى تبريرٍ واهٍ ألا وهو زعمه أن الإعلان الدستورى الصادر بتاريخ 21 نوفمبر 2012 لا يرقى إلى مرتبة الدستور لعدم استفتاء الشعب عليه أو بالأحرى هو قرار جمهورى بإعلان دستورى جاء من أداة قانونية أدنى مرتبة من الدستور على حد قول المحكمة.

وأضافت مذكرة الطعن أن مسلك المحكمة هذا يثير تساؤلين مهمين أولهما: هل يلزم الاستفتاء على الإعلان الدستورى ليكتسب حجيته القانونية؟، وثانيهما: هل يجوز للقضاء العادى وبالأولى للمحكمة الدستورية التعرض لشرعية تلك الإعلانات؟.. وقد أجابت المحكمة الدستورية العليا على هذين التساؤلين فى العديد من أحكامها ومنها الحكم الصادر عنها بجلسة 1 أبريل 1978 فى الدعوى رقم 11 لسنة 7 قضائية دستورية عليا، الذى نصت المحكمة فيه على أنه «ومن حيث الطعن بعدم شرعية الإعلانين الدستوريين الصادرين فى 10 ديسمبر 1952 و10 فبراير 1953 والدستور المؤقت الصادر فى 5 مارس 1958 فقد سبق لهذه المحكمة أن قضت بأن إثارة المطاعن حول إجراءات إصدار الدساتير وما انطوت عليه من أحكام يتناول مسائل سياسية لا يدخل النظر فيها أو التعقيب عليها فى ولاية هذه المحكمة، التى يقتصر اختصاصها فى شأن رقابة الدستورية على الفصل فى دستورية القوانين وعلى مقتضى ما تقدم فإن ما يثيره المدعى من مطاعن فى إجراءات إصدار الإعلانين الدستوريين والدستور المؤقت وما انطوت عليه من أحكام إنما يعتبر من المسائل السياسية التى يجاوز نظرها والتعقيب عليها اختصاص المحكمة».

ومفاد ما سلف من قواعد استقر عليها القضاء، أن الاستفتاء على الإعلان الدستورى ليس شرطا لمنحه القوة الدستورية، بيد أن ذلك لا يعنى أن الأمر متروك لهوى القاضى فيمنح القوة الدستورية لمن يشاء وينزعها عمن يشاء، وإلا غدا القاضى سلطة سياسية تسمو على سائر السلطات، وأصبح هذا مدخلا لانتهاك مبدأ الفصل بين السلطات.

وتلافيا لهذا الخلط، وتجنبا لاتباع القاضى هواه، فقد استقر قضاء المحكمة الإدارية العليا على أن «أعمال السيادة هى تلك الأعمال التى تصدر من الحكومة باعتبارها سلطة حكم، وللمشرع أن يتدخل من جانبه لخلع صفة السيادة على بعض الأعمال ليخرجها بالتبع من ولاية القضاء ولا عليه أن يمارس هذه السلطة وهو مانحها، وفى هذه الحالة يلتزم القضاء بالوصف الذى خلعه المشرع على هذه الأعمال أو القرارات».

ووفقا للمادة 236 من الدستور الجديد فإن الشعب المصرى قال فصل الخطاب بموافقته على الدستور فأقر بصدور جمع من الإعلانات الدستورية قبل تاريخ العمل بالدستور الجديد، وأن رئيس الجمهورية فى مكنته إصدار إعلانات دستورية وأنه أصدر بالفعل عددا منها، وهذا وفقا لما تقضى به عبارة النص وقواعد التفسير المعمول بها فى القضاء المصرى والقول بغير ذلك لغو ننزه المشرع الدستورى عنه.

ولا يقدح فى ذلك ما ذهب إليه الحكم من أن «هذا النص لا يمكن الاعتداد به كنص قانونى إذ لم يتم أخذ رأى مجلس القضاء الأعلى بشأنه عملا بنص المادة 77 مكررا 2 من قانون السلطة القضائية»، فإذا كانت تلك المادة تنص على أن «ويجب أخذ رأيه فى مشروعات القوانين المتعلقة بالقضاء والنيابة العامة»، فإن ذلك يعنى وفقا لقواعد تفسير النصوص ولا تغيب عن علم المحكمة أن رأى مجلس القضاء الأعلى يعد إرشادا للسلطة التشريعية وهى بصدد وضع القوانين المنظمة للسلطة القضائية فالنص على وجوب أخذ رأيه لا يعنى لزوم موافقته على ما يصدر عن السلطة التشريعية وإلا كان ذلك خروجا على قواعد التفسير الصحيح وتحميلا للنص أكثر مما يحتمل وافتئاتا على السلطة التشريعية، ومن ثم لا يترتب البطلان على عدم أخذ رأى مجلس القضاء الأعلى على الرغم من أهميته.

وما اعتنقه الحكم من أن هناك مبادئ فوق دستورية يمكن للقاضى أن يتخذها مرجعا للفصل فى الأنزعة فلم يقل به القضاء المصرى قط، والحق أن زعم الاستناد إلى مبادئ أعلى من الدستور ما هو إلا ذريعة للحكم لينفلت من ربقة القانون والدستور ويبسط سلطانه عليهما ويهدر أحكامهما وصولا إلى الغاية التى يرغب فى تحقيقها.

ولا يغير من وجهة النظر استناد الحكم المطعون فيه إلى الإعلان العالمى لحقوق الإنسان فالرأى المستقر عليه فقها وقضاء أن هذا الإعلان ليس سوى محض توصية لا تقترن بإلزام قانونى، وتطبيقا لذلك اعتبرت المحكمة الدستورية العليا بحكمها الصادر فى الخامس من أكتوبر 1950 أن الإعلان العالمى بحقوق الإنسان غير ملزم قانونا.

ولما كان ذلك وكان الحكم المطعون عليه قد مارس رقابة على الدستور الجديد، وتعرض لآثار الإعلان الدستورى التى تحصنت وسمت إلى مصاف الأعمال والآثار الدستورية، مما يجعل الحكم هدرا ومخالفا للدستور ومستطيلا إلى الرقابة على الدستور، وهو ما لا يملكه القضاء عموما، بل والمحكمة الدستورية العليا ذاتها، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر مما يقتضى معه إلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء مجددا بعدم قبول الدعوى.


الخلاف حول طبيعة الإعلان الدستورى
وتحت هذا السبب أكدت مذكرة طعن النائب العام أن البين من مدونات الحكم أنه وضع نصب عينيه هدفا حاول بلوغه بشتى السبل، واتخذ إلهه هواه فأضله السبيل، ومن ثم تخبط تخبطا شديدا واختلط عليه الأمر، فتردى إلى هاوية التجهيل بالأساس القانونى الذى أقام عليه دعائمه، حيث وصفت حيثيات الحكم الإعلان الدستورى بأنه أداة قانونية أدنى مرتبة من الدستور رغم أن القانون المصرى لا يعرف تلك المنزلة بين القانون والدستور فالأمر على ما يبدو كان مشوشا فى ذهن مصدر الحكم فإذا كان الإعلان الدستورى ليس دستورا، فما طبيعته القانونية؟ هل هو قانون صادر من سلطة عامة مختصة فى الدولة بالتعبير عن القاعدة القانونية والتكليف بها فى صيغة مكتوبة؟ أم لائحة تنفيذية صادرة عن السلطة التنفيذية بموجب الاختصاص المخول لها فى الدستور؟ أم قرار إدارى؟، أم عمل مادى؟ ليتسنى لمحكمة الطعن إعمال رقابتها على ما اعتنقه الحكم، إلا إذا كان ما اقترفه الحكم مقصودا ليعجز محكمة الطعن عن مراقبة صحة تطبيق القانون.

وقد ترتب على ما انتهجه الحكم نتيجة بالغة الخطورة إذ مكنه ذلك بقصد منه من تجاوز نطاق الاختصاص الولائى للمحكمة، حيث إن الواضح من مدونات الحكم أنه فطن إلى عدم اختصاصه ولائيا بنظر الدعوى وحاول جاهدا الخروج من هذا المأزق، وأعيته الحيل فعمد إلى ذكر أسباب مجهلة غامضة خلط فيها بين ما يشتغل هو بتحقيقه والحكم فيه وبين ما تراقبه محكمة النقض محاولا أن يجهل طريق المراقبة على هذه المحكمة، فتارة يصف الإعلان الدستورى بوصف غير معهود سواء فى الفقه أو القضاء المصريين «أداة قانونية»، ولم يجرؤ على القول بأنه قرار إدارى نهائى يدخل فى نطاق رقابة المحكمة، وتارة يقول إنه فى مرتبة أدنى من الدستور مع أنه لا يوجد فى التشريع المصرى أدنى مرتبة من الدستور إلا القانون الذى يخرج بالطبع عن نطاق رقابة تلك المحكمة.

كما ذكرت صحيفة الطعن أنه من أبرز مواضع الإبهام فى الحكم ما ذكره فى أن «الإبقاء على الآثار القانونية يعنى بطبيعة الحال تلك التى تتفق بداية مع المستوى القانونى للقرار ذاته بالبنيان التشريعى»، يلاحظ هنا أيضا أن الحكم مازال مصرا على تجهيل أسبابه فإذا كان الإعلان الدستورى فى نظر الحكم أداة قانونية أدنى مرتبة من الدستور، فما حقيقة ما وقر فى ذهن الحكم حول المستوى القانونى له؟ ثم أعطى الحكم لنفسه مكنة أن ينتقى من الآثار ما يوافق هواه وأن يطرح ما دون ذلك.

وتغافل عن أن المادة 236 من الدستور قد نصت صراحة على أن «تلغى جميع الإعلانات الدستورية الصادرة من المجلس الأعلى للقوات المسلحة ورئيس الجمهورية منذ الحادى عشر من فبراير سنة 2011 وحتى تاريخ العمل بالدستور ويبقى نافذا ما ترتب عليها من آثار فى الفترة السابقة»، متناسيا أن القواعد العامة فى تفسير النصوص تقضى بأنه متى وردت عبارات النص بصيغة عامة مطلقة وواضحة فلا محل للتفسير، إذ يكون النص قطعى الدلالة على المراد منه، ولا يجوز تقييد مطلق النص أو تخصيص عمومه بغير مخصص، وهو لا يجوز قطعا إذ فى ذلك استحداث لحكم مغاير لم يأت به النص عن طريق التأويل.

الفساد فى الاستدلال
وحول فساد استدلال الحكم المطعون فيه، قالت مذكرة الطعن إن الحكم خلط عامدا ما بين الإعلان الدستورى الصادر من السيد رئيس الجمهورية بتاريخ 21 نوفمبر 2012 والقرار الجمهورى رقم 386 لسنة 2012 بتعيين المستشار طلعت عبدالله نائبا عاما.

فإذا كان الإعلان الدستورى آنف البيان والمتضمن تحديد فترة شغل النائب العام لمنصبه لا يخضع لرقابة القضاء بحسبانه قد صدر فى حدود السلطات التشريعية لرئيس الجمهورية، باعتباره السلطة القائمة على حكم البلاد وبيده سلطة التشريع لحين وضع دستور جديد، فضلا عن أن الدستور حصن ما انتهى إليه الإعلان الدستورى بنصه فى المادة 173/2 على تحديد ولاية النائب العام بأربع سنوات، وإذ كان المطعون ضده الرابع المستشار عبدالمجيد محمود قد عين نائبا عاما فى 2 يوليو 2006 ومن ثم فقد أصبح المنصب شاغرا لتجاوزه المدة المنصوص عليها فى الإعلان الدستورى، ويتعين عليه العودة لمنصة القضاء ولا صحة إذن لما ذهب إليه الحكم من أنه عزل من منصبه، فالعزل يعنى نفى صفة القاضى عنه على وجه مخالف للقانون، وهو ما لم يتحقق إذ مازال منتسبا للسلطة القضائية متمتعا بحصانتها بل وكافة الامتيازات المالية التى كان يتقاضاها إبان عمله نائبا عاما.

وبناء على ما تقدم فإن تعيين الطاعن المستشار طلعت عبدالله نائبا عاما يكون قد صادف صحيح القانون، والحكم ببطلان تعيينه شابه الفساد فى الاستدلال فضلا عن مخالفته للقانون والدستور.

انتفاء المصلحة
وأوضحت مذكرة الطعن أن النائب العام السابق المستشار عبدالمجيد محمود استنفد مدة الأربع سنوات لشغل المنصب التى حددها الإعلان الدستورى الصادر فى 21 نوفمبر 2012 غير الخاضع لرقابة القضاء لمكوثه فى المنصب ما يربو على ست سنوات، ومن ثم فلا مصلحة له فى الطعن على القرار الجمهورى رقم 386 لسنة 2012 لاسيما وأن الأخير صدر صحيحا فى حدود السلطة التقديرية لرئيس الجمهورية وفقا للمادة 119 من قانون السلطة القضائية، وأفسح المجال أمام السلطة العليا فى الدولة فى اختيار شاغلى المناصب القضائية القيادية لما تستلزمه من قدرات متميزة تتناسب وجسامة أعبائها.

فضلا عن أن رغبة النائب العام السابق فى العودة للمنصب تستحيل فى ظل المادتين 173، 227 من الدستور ومن ثم فإن ما يدعيه لا يحقق سوى مصلحة نظرية بحتة لا تحظى بقبول القضاء المصرى، وعلى المستشار عبدالمجيد محمود أن يجد له أسوة حسنة فى قضاة المحكمة الدستورية العليا الذين امتثلوا لنص المادة 233 من الدستور لعلمهم اليقينى بصدورها عن الإرادة الشعبية التى تعلو السلطات كافة.

الإخلال بحق الدفاع
وفى هذا السياق أشارت مذكرة الطعن إلى أن الحكم المطعون فيه، تجاهلت خلاله المحكمة مبدأ المواجهة بين خصوم الدعوى، وتناسى أن على القاضى الالتزام بأحكام الدستور والقانون، لا أن يبتدع أحكاما مجهلة لم يعهدها النظام القضائى المصرى، ولا تجد لها صدى فى دستور أو قانون، أو يزعم الاستناد إلى معاهدات ومواثيق دولية يباغت بها المتقاضين دون أن يبين طبيعتها القانونية ومدى قوتها الإلزامية، والقول بغير ذلك يتيح لكل قاض أن يطبق على النزاعات ما يعن له من قواعد ويتفلت من رقابة محكمة النقض التى تتخذ مرجعية لها قواعد الدستور والقانون، فليس لحكم يصدر باسم الشعب أن يعتنق فكرا لا يشهد له علم ولا هدى ولا كتاب منير، يخالف به ما ارتضاه الشعب وقبله.

واختتم النائب العام مذكرته بالمطالبة بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء مجددا بصفة أصلية بانعدامه وبطلانه بطلانا مطلقا لعدم انعقاد الخصومة، وبصفة احتياطية بعدم قبول الدعوى لانتفاء المصلحة وبعدم اختصاص محكمة أول درجة ولائيا بنظر الدعوى وعلى سبيل الاحتياط الكلى برفض الدعوى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.