يعتبر شمس الرياسة ابو البركات بن كبر واحدا من أشهر علماء الكنيسة القبطية الأرثوذكسية الموسوعيين الذين ظهروا فى القرن الرابع عشر الميلادي؛ ولد فى القاهرة من أب ثرى يدعى الشيخ الأكمل الأسعد؛ وكان يملك دارا فسيحة فى مصر العتيقة؛ فى درب سمى درب ابن كبر. ولقد كتب ابن دقماق فى كتابه الانتصار لواسطة عقد الأمصار عن هذا الدرب فقال عنه: «هو بالمصاصة على يمنة من سقيفة خيره وهو غير نافذ وكان يسكنه هذا ابن كبر فى ملكه ثم خرب ودثر». وعمل الابن كاتبا للمماليك؛ ثم كاتبا للأمير ركن الدين بيبرس المنصوري؛ وساعده فى تأليف كتابه «زبدة الفكرة فى تاريخ الهجرة» فى أحد عشر جزءا؛ حسبما ذكره المقريزى فى الجزء الثانى من كتاب السلوك لمعرفة دول الملوك. فقال: «الأمير ركن الدين بيبرس المنصورى هو أحد مماليك الملك منصور قلاوون.. وكان عاقلا كثير البر واليه تنسب المدرسة الدوادرية... له تاريخ سماه زبدة الفكرة فى تاريخ الهجرة تدخل فى احد عشر سفر أعانه على تأليف كتابه ابن كبر النصراني». وذكر ذلك أيضا أبو المحاسن بن تغرى بردى فى الجزء الأول من كتابه «المنهل الصافى والمستوفى بعد الوافى». ثم رسُّم فى سنة 1300م ابن كبر كاهنا على كنيسة السيد العذراء المعلقة بمصر القديمة وكانت مقر الكرسى البابوى فى ذلك الوقت. ولقد اشتهر ابن كبر بالثقافة الموسوعية كما يظهر ذلك واضحا فى قائمة مؤلفاته؛ كما كتب مجموعة من الخطب خلال الفترة من (1298 1320) وعندما شعر باعتلال صحته ودنو أجله كتب مرثية لنفسه كتب فى نهايتها تاريخ وفاته 10 مايو 1324م (التاريخ كتب بعد وفاته على المرثية) ومما جاء فى هذه المرثية:
أموت ويبقى كل ما قد كتبته فيا ليت من يقرأ كتابى دعا ليا
لعل إلهى أن يجود بعفوه ويغفر زلاتى وقبح فعاليا
ولقد عاصر ابن كبر فى حياته ثلاثة من الآباء البطاركة هم: البابا ثاودسيوس الثانى (1294 1300) والبابا يؤانس الثامن (1300 1320) البابا يؤانس التاسع (1320 1327). أما مؤلفاته فهى كثيرة ومتنوعة؛ غير أن كتابه العمدة هو كتاب «مصباح الظلمة فى إيضاح الخدمة»، ويعتبر دائرة معارف كاملة متكاملة؛ يتكون من 24 بابا تشمل كل ما يتعلق بالديانة المسيحية من عقيدة وتاريخ وطقس، ويكفى أن نذكر أن الرحالة الألمانى فانسليب (1635 1679) عندما كتب كتابه الشهير «تاريخ كنيسة الاسكندرية» عام 1677م اعتمد بشكل رئيسى كما ذكر هو بنفسه فى مقدمة الكتاب على المعلومات التى وردت فى كتاب ابن كبر. ويبرز تواضع ابن كبر الشديد فى المقدمة التى وضعها فى أول الكتاب إذ قال فيها: «على أننى لست من العارفين بهذه الوظيفة ولا من القائمين ببعض حقوقها الشريفة؛ لكننى جمعت ذلك من الكتب المقبولة والفرائد المنقولة؛ والعرف المتداول فى عصرنا والوضع المستعمل فى مصرنا بحسب ما انتهت إليه القدرة واستوت عليه الفكرة؛ مستعينا بأبى الأنوار ومنير البصائر والأبصار؛ وأنا أتضرع إلى كل من تأمله أن يسد خلله ويتدارك زلله؛ ويصلح ما لعله وقع فيه من السهو والتقصير واعترضه التقديم والتأخير؛ فليس يخلو من ذلك الماهر الفاضل والعالم والعامل والمحصل الكامل؛ فكيف من هو عرى من هذه الخلل؛ خلى من العلم والعمل؛ مليء بالخطأ والزلل». وتوجد نسخة من هذا الكتاب محفوظة فى مكتبة الفاتيكان يرجع تاريخها إلى 1333م؛ ونسخة فى مكتبة برلين؛ ونسخة أخرى فى المكتبة الأهلية بباريس؛ ونسخة فى المتحف القبطى بالقاهرة؛ وأخيرا نسخة فى دير الأنبا أنطونيوس بالبحر الأحمر.
أما كتابه العمدة الثانى «السلم الكبير المقترح» فمعجم قبطى عربي؛ وضعه عام 1324م فى عشرة أبواب مقسمة إلى 30 فصلا؛ أفرد فصولا للكلمات المستعملة فى كل موضوع أو مهنة؛ فجمع مثلا أداوات النجارة فى فصل وأسماء الأنهار والجبال والتلال فى فصل والحبوب والبقول والمزروعات فى فصل.. إلخ. وقد نشره الراهب اليسوعى أثناسييوس كيرشر مع ترجمة لاتينية ووضع فهارس له عام 1648. وفى مقالة للاستاذ حبيب الزيات بعنوان «هل كان ابن كبر شاعرا أيضا؟» نشرت فى مجلة المشرق فى عدد شهر نيسان حزيران 1937، ذكر أنه عثر فى المكتبة الأمبروسية بميلانو على قصيدة منسوبة لابن كبر فى مدح الأمير بيبرس الدوادور قال فيها:
خلقت مظفرا برا وبحرا وعزمك ماضيا شاما ومصرا
وفكرك ثاقب فى كل أمر ورأيك أسعد الآراء طرا
وما سارت ركابك فى جيش فمستهم يد العدوان قسرا
ولا وليت عن حرب هزيما ولو كان للقاء جيش كسرى
ولا صاحبت ركبا فى مسير فنال مشقة أو ذاق عسرا
وجدك سعده أبدا جديدا وسعدك جالب للترك نصرا
آتت بشراك مولانا إلينا فكانت للخلائق خير بشرى
والقصيدة فى الأصل 48 بيتا، غير أن بعض الباحثين يشكك فى صحة نسبتها لابن كبر.
ومهما يكن من أمر؛ فلقد خلد التاريخ اسم القس شمس الرياسة أبو البركات ابن كبر كواحد من اكبر علماء وفلاسفة القرن الرابع عشر الميلادى.