كتبت فيكتوريا بيل مقالا بمجلة ذا نيو ريبابليك الأمريكية عن الروائى البرازيلى باولو كويلو «Paulo Coelho» جاء فيه: هل تحب باولو كويلو؟ إذًا أنت فى صحبة جيدة، تمتد من ويل سميث حتى مادونا، ومؤخرا جو جوناس الذى قال عن «الخيميائى» أشهر كتب كويلو: «إنه قصة عن السعى اللانهائى لاكتشاف ذاتك الحقيقية.. وهو يدخل بعض الاستقرار إلى رحلتنا الجامحة فى الحياة» ويذكر باولو كويلو، فى كلمة المؤلف على الكتاب، إن بيل كلينتون وجوليا روبرتس من المعجبين به أيضا! ويعتبر إعجاب المشاهير، جزءا حاسما من مؤسسة كويلو. ولكنه ليس المكون الوحيد فى مشروع صناعة أسطورته. فقد ضمت كل طبعة من كتبه الستة عشر ثلاث صفحات عن «السيرة الذاتية للمؤلف» فى نهاية الكتاب، تعرفنا أن المؤلف كان دائما «يسعى وراء الجديد». وفى حالة ألا تكون قد لاحظت ذلك تخلص السيرة الذاتية إلى أن باولو «لمس قلوب البشر فى كل مكان». وهذا ليس من قبيل فرط الدعاية، فهى الطريقة التى يتحدث بها كويلو نفسه عن حياته وعمله. حيث يطرح كتاباته باعتبارها تأملا عميقا فى معنى الحياة والموت والله. وقد اشترى نحو 140 مليون شخص كتبه.
●●●
وتضيف الكاتبة إذا كنت قد أدركت أى نجاح تجارى لكويلو من دون أن تقرأ بالفعل كتب المؤلف البرازيلى (65 عاما) فمن الصادم حقا أن ترى تواضع وخفة وزن كتبه. وفيما يلى مثال على أفضل سطوره، من «الخيميائى» (1988): «سأل الصبى: «لماذا يجب أن نصغى إلى قلوبنا؟».. ومن «فيونيكا تقرر أن تموت» (1998): «وجميعنا مختلون بصورة أو بأخرى.» ومن «الظاهر» (2005): «يعلم الله أننا جميعا محتالون فى الحياة».
ولكن سخافة كويلو ليست أكبر خطاياه، وكذلك ترويجه الدائم لذاته حيث يكمن منطق صحيح إلى درجة الإيلام فى قلب فلسفة كويلو المشجعة ظاهريا: إذا حققت نجاحا فإن نجاحك يرجع إلى قوى غامضة للتفكير، وإذا لم تنجح فهو خطؤك لأنك لم تحاول بجدية كافية. فليس هناك دور للحظ سواء كان جيدا أو سيئا أو الجغرافيا أو الخلفية العائلية فى الصعوبات الكبيرة التى تواجه الحراك الاقتصادى والاجتماعى. ويمكن إدراج جميع هذه العناصر تحت عنوان التركيز والدافع والذهنية الأحادية. وهذا إنكار صارخ للحقيقة يستتر وراء حكايات خيالية محببة.
فماذا فى كتابات كويلو، أقنع ملايين كثيرة من القراء بحكمته؟ إلى حد ما، شمولية موضوعه الرئيسى: شاب يبدأ مسألة روحية ويكتشف أن له حكمة تفوق حكمة الشيوخ ويدرك أن قوة التغيير تأتى من الداخل. هو فى «الخيميائى» صبى راع، وهو يتيم فى «ساحرة بورتوبيللو»، وساحرة مبتدئة فى «بريدا». ولكن إذا قرأت أكثر من كتاب لكويلو سرعان ما يصبح واضحا أنه ليس مهتما بالفروق الدقيقة بين الإلهامات الروحية المختلفة ولا يهتم فعلا إلا بإلهامه. ويقدم بنية من النمو التاريخى للأحداث والتنوير والتوسع والاكتشاف تتحول إلى احتفاء ضيق بالمؤلف. وعلى الرغم من أن العديد من الكتاب الروائيين يوردون فى أعمالهم صورا لأنفسهم، فما يجعل صورة كويلو غير محتملة أنها تتحول إلى مجرد ترويج لعلامة تجارية.
وبدا كويلو، بطلا لرواياته بالتدريج، ففى «فيرونيكا تقرر أن تموت» (1998)، تتناول فيرونيكا ذات العشرين عاما تقريبا بضع عبوات من الأقراص المنومة بينما هى تقرأ مقالا عن باولو كويلو. وفى الفصل التالى يتدخل كويلو متحدثا (بضمير الغائب): «كان نصف خجول، نصف منبسط، لديه الرغبة فى أن يصبح فنانا وهو أمر يعتبره جميع أفراد العائلة وصفة ممتازة كى ينتهى الأمر بالمرء منبوذا اجتماعيا ويموت فقيرا». فلم يكن كافيا أن ترد هذه التفاصيل فى الصفحات الأخيرة وإنما يجب فرضها عنوة على القصة نفسها حتى لا ينسى القارئ أصالة كويلو نفسه ومعاناته.
وخلال العقد الماضى، كان كويلو، كشخصية، وحياته، قد أصبح القصة الرئيسية فى كتبه. ففى روايته «الظاهر» لم يطلق صراحة على الراوى اسم كويلو لكنه يعطينا تلميحات ليست خافية: «أنظر إلى حياتى السابقة، شاب حلم أن يصبح كاتبا شهيرا...» يتمرد الشاب ويطوف العالم وينتهى به الحال وهو «يكسب أموالا أكثر من شقيقته» «مهندس كيميائى» يلتزم بالواجب. وفيما بعد، يصف المؤلف نجاحه: «لدى شقة كبيرة، تطل على نهر السين، يحبنى القراء، ويمقتنى النقاد». ويثير الغثيان، ثناء كويلو الشخصية على عبقرية كويلو! لكنه يشير إلى معنى ما: ربما يواصل أتباعه التعلم من نجاحه عبر مناقشة صعوده وأملاكه العقارية. وتوفر إنجازاته الحبكة لرواية «ألف» حيث تسافر الشخصية الرئيسية باولو كويلو فى رحلة دعاية للسكك الحديدية عبر سيبيريا. (وطوال الطريق يصد محاولات شابة جميلة فى الحادية والعشرين تصر على أن ترافقه فى رحلته).
ويدور أحدث كتب كويلو «مخطوط عثر عليه فى أكرا»، حول وثيقة تاريخية خيالية يفترض أنه تسجل ليوم 14 يوليو 1099، عندما حاصرت الحملة الصليبية مدينة القدس. ومن المؤكد أنه لن تظهر شخصية المؤلف هنا، فيكتب كويلو: «هذا المساء، ذهبت مجموعة من الرجال والنساء من جميع الأعمار لرؤية اليونانى، الذى عرفناه جميعا بأنه القبطى». إنه أمر منذر. وهنا تظهر الصورة الرمزية لكويلو الذى يكتب «يأكل الغزال العشب ثم يلتهمه الأسد» ويضيف: «لا يتعلق الأمر بمن هو الأقوى.. ولكن بدورة الموت والبعث» وهو التكتيك الكلاسيكى الذى يتبعه كويلو: استخدام الحقيقة البديهية وإعادة تغليفها بجو من الغموض، حكمة ما قبل الحداثة.
وفى روايته «مخطوط عثر عليه فى أكرا» يكتب أنه «بصرف النظر عن عدد الأشخاص الحاضرين، عندما يخرج الطفل من رحم الأم، يكون له قرار البقاء على قيد الحياة» وهذا ما يثير القشعريرة فى كتابات كويلو، فوراء ضعف الكتابة ورداءتها والترويج الدائم للذات توجد فلسفة أو نظام أخلاقى مضر. ففكرة أنه حتى الأطفال حديثى الولادة يمكن أن يكون لهم الخيار حول مواصلة العيش أو الموت محيرة ولكنها فلسفة كويلو «كل شىء ممكن» وهى فلسفة تفضى إلى استنتاج سخيف.
●●●
وفى ختام مقالها ترى الكاتبة أن أسوأ جانب من جوانب كويلو (ناهيك عن النثر الغامض الذى يقوم بوظيف إخفاء عيوب أكبر) هو فشله فى تصوير الألم والمعاناة على نحو حقيقى ومؤثر ومقنع. حيث إن المؤلف الذى يبدو عازما على أن يقدم لقرائه عالما بأكمله من الحب والموت والخوف لم يقترب من الحزن أو سوء الحظ.
وعلى الرغم من أن كويلو لا يتوقف عن الحديث عن الخير والشر فهو لا يستطيع أن يكتب شخصيات إنسانية بما يكفى أو مواقف مقنعة بما يكفى لطرح أيهما. وحتى روايته عن امرأة تحولت إلى عاهرة بغير رغبتها «إحدى عشرة دقيقة» (2003) لا تحتوى على بؤس أكثر من المعتاد مجرد بضعة مشاهد جنس زائدة. ولعل الشخصيات الوحيدة التى اقتربت من الشر هى الأطباء الأشرار على نحو هزلى الذين يديرون مستشفى الأمراض العقلية فى رواية «فيرونيكا تقرر أن تموت» هم يشيرون إلى مرضاهم على أنهم «الكائنات» ويمنحونهم علاجات منتهية المفعول أو غير ضرورية. وهو يلمح بصورة ضعيفة إلى «الحروب الدينية والمجازر الجماعية وانعدام احترام الكوكب والأزمات الاقتصادية والكساد والفقر» على عجالة فى فقرتين بأول رواية «ألف»، ولكنه سرعان ما يترك هذه الموضوعات غير المريحة ويعود إلى السمة المميزة لكتبه: المعضلات الجنسية والطبقية.
وهو أمر غير مثير للدهشة فمن شأن تصوير الصعوبات الإنسانية بصورة واقعية أن يبطل جوهر تعاليم كويلو: كل العقبات يمكن تخطيها والإيمان هو كل شىء. حيث توضح «الخيميائى» المستقبل القاتم لأولئك الذين لا يتطلعون بما فيه الكفاية للمستقبل: «معظم الناس يرون العالم باعتباره مكانا يهددهم فيتحول العالم إلى ذلك بالفعل» وهذا هو الجانب الثانى الذى يثير القلق فى تفاؤل كويلو السخيف: أى شخص فى ظروف تعيسة يعانى لأنه يعتقد أنه من الممكن أن يعانى.