بات بيع الذهب رائجا فى حلب، كبرى مدن شمال سوريا، بعدما اضطر الناس لبيعه بكثرة لتوفير مصاريف معيشتهم فى المدينة التى كانت تعد العاصمة الاقتصادية لسوريا قبل بدء النزاع قبل عامين. تدخل أم محمد بخفر إلى متجر لبيع المجوهرات، تسأل الصائغ "لدى قلادة من الذهب، بكم تبتاعها؟"، بعد وضعها على الميزان، يجيب "24 ألف ليرة سورية (240 دولارا).
فمحال الصاغة لا تفرغ من زبائنها فى هذه المدينة التى بات الآلاف من سكانها عاطلين عن العمل. وبقيت حلب مدة طويلة فى منأى عن النزاع الدامى فى البلاد، لكنها تشهد منذ تسعة أشهر معارك يومية بين القوات النظامية والمقاتلين المعارضين للرئيس بشار الأسد.
وتأتى أم محمد (50 عاما) وهى والدة لسبعة أولاد، إلى المتجر يوميا للسؤال عن سعر الذهب الذى يرتفع فى شكل دائم، وتقول "كل ما تبقى لدى قلادة من الذهب تعود لابني، لن أتأخر فى بيعها لأننى مضطرة لشراء الطعام والملابس لأولادي".
خسر زوجها الذى كان يعمل فى أحد المصانع، وظيفته منذ بدء انقطاع التيار الكهربائى لساعات طويلة يوميا عن المدينة، ومنذ ذلك الحين، باتت العائلة بلا مصدر إعالة.
خلف المنضدة التى وضع عليها ميزانا وبعض القلادات، يقول الصائغ أبو أحمد (42 عاما): "يوميا يأتى أشخاص لبيع 10 جرامات أو 20 جراما من الذهب.
وفى حين يعمد البعض إلى بيع حلى زوجاتهم لتوفير متطلبات عائلاتهم، يفضل آخرون شراء الذهب وبيع الليرة السورية التى فقدت نحو 120% من قيمتها منذ بدء النزاع منتصف مارس 2011.
وقبل اندلاع الاحتجاجات المطالبة برحيل النظام، كان جرام الذهب يباع بثلاثة آلاف ومائتى ليرة سورية، أى ما يعادل فى حينه 49 دولارا (65 ليرة للدولار).
أما اليوم، فوصل سعر الجرام إلى 4900 ليرة، بينما تراجعت قيمة العملة الوطنية إلى نحو 113 ليرة للدولار الواحد.
ويقول أبو أحمد، إنه مع تراجع قيمة العملة "يعمد الراغبون فى الحفاظ على مدخراتهم لتحويلها إلى الذهب" الذى تحدد سعره الأسواق العالمية ولا يرتبط بالوضع الاقتصادى المحلي.
على بعد أمتار من متجر أبو أحمد، افتتح أبو سالم (40 عاما) محلا لبيع المجوهرات استثمر فيه كل ما يملك، وذلك بعدما أرغمه بدء المعارك فى حلب وتكرار انقطاع التيار الكهربائي، على غلق متجره لبيع السندويشات.
ويقول: "هرب العديد من تجار المجوهرات بعد بدء المعارك، كانوا يملكون ما يكفى من المال لترك البلاد، وأعدت استثمار أحد متاجرهم، أقوم حاليا ببيع الذهب وشرائه لتوفير الغذاء لأولادى الخمسة".
لكن هذه التجارة باتت تثير حسد الآخرين، ويقول أبو خلدون (49 عاما): إن رجالا مسلحين يأتون لسرقتنا، وبعضهم عناصر فى الجيش السورى الحر الذى ينتمى إليه غالبية المقاتلين المعارضين للنظام.
يضيف: "لا مكان آمنا ونحن هدف حقيقى للسارقين، البعض من الصاغة يخفون الذهب أو المال الذى يملكونه فى ثقوب يحفرونها فى الأرض.
من جهته، يرفض أبو إبراهيم البالغ من العمر 45 عاما، أمضى عشرين منها فى إدارة متجره لبيع المجوهرات، أن يثير غضب أى من طرفى النزاع.
ولأنه يعبر فى شكل دورى الحواجز للانتقال إلى الأحياء الخاضعة لسيطرة النظام فى حلب، لا يرغب فى الحديث عن أمن متجره البراق الذى تغطى المرايا جدرانه.
لكنه يستعيض عن ذلك برواية عن صائغ مجاور له: "كان ثمة 12 كيلوجراما من الذهب فى متجره. خسر 60 مليون ليرة الأسبوع الماضى بعدما دخل مسلحون إليه وأفرغوه مما فيه".