البداية فندق ثم مستشفى عسكرى فمدرسة طيران وبعدها يعود فندقاً ليصبح قصرًا للرئيس الفندق كان الأكبر فى العالم وتكلف 2.25 مليون دولار.. وبلغت مساحته 6500 متر وضم 55 غرفة
قصر السلام.. يسدل ستائره ويرفع أسواره استعدادًا لوصول «سيدة القصر»
سخونة أجواء السياسة تحدد موعد انتقال عائلة الرئيس إلى السكن الجديد
«دعا البارون إمبان ذات يوم آرنست جاسبر المهندس المعمارى البلجيكى، وكان مازال شابا، إلى رحلة على ظهور الخيل إلى صحراء طريق السويس، وفى الطريق أشار رجل الصناعة إمبان إلى هضبة شاسعة خالية وقال: «أريد أن أبنى مدنية هنا تسمى هليوبوليس، مدينة الشمس... وأريد أن تكون باهرة خلابة».
كلمات امبان إلى جاسبر ينقلها كتاب «هليوبوليس مدينة الشمس تولد من جديد» الصادر فى الترجمة العربية لمحمد عنانى عن الهيئة المصرية العامة للكتاب بعد أن صدر لمؤلفيه اجينسكا دوبروفلوسكا وياروسلاف دوبروفولسكى فى النسخة الأصلية باللغة الإنجليزية عن الجامعة الأمريكيةبالقاهرة.
الكتاب واحد من عدة عناوين ومطبوعات صدرت فى مصر والخارج قبل أعوام قليلة عند الاحتفال بمئوية مصر الجديدة التى كانت منذ العام 1981 مقرا لحكم فى مصر بعد وصول الرئيس السابق حسنى مبارك إلى الموقع التنفيذى الأعلى فى أعقاب اغتيال أنور السادات فجعل من أحد القصور القديمة لمدينة الشمس وهو قصر فندق هليوبوليس الذى سمى قصر الاتحادية ليكون مقرا للحكم لكونه قريبا من منزله، المقيم فيه منذ تعيينه نائبا للسادات وسط سبعينيات القرن الماضى. وترجع تسمية القصر بالاتحادية إلى تحويله فى عهد عبدالناصر ولسنوات قليلة لمقر للتنسيق بين حكومات عربية ثلاث التأم شملها فى اتحاد قصير.
ومع وصول محمد مرسى أول رئيس منتخب للبلاد قرر الرجل القادم من الشرقية، حيث عمل أستاذا فى كلية هندسة جامعة الزقازيق، قرر ان يبقى القصر على حاله مقرا للحكم وأن ينتقل هو وأسرته من سكنه القاهرى الخاص فى التجمع الخامس لقصر السلام الملاصق تقريبا لقصر الاتحادية.
قصة مصر الجديدة، كما يرويها كتاب مدينة الشمس بدأت مع حلم امبان فى مطلع القرن الماضى وتحولت عبر العقد الأول من القرن الماضى إلى حقيقة واقعة اعتمادا على «المفهوم الجديد آنذاك فى تخطيط المدن وهو الذى يعتمد على ما يسمى مدينة الحدائق» حتى وان حملت اسما قديما مرتبطا بواحد من «أقدم مواقع مصر وهو معبد الشمس هليوبوليس».
ويقول مؤلفا الكتاب انه «بحلول عام 1912 كان سكان هليوبوليس يتمتعون بخمس مدارس وعدد وفير من المبانى الدينية وناد رياضى وحلبة لسباق الخيل وملهى عام ولونابارك ومطار، وكان بها كذلك فندقان....».
ويشير الكتاب إلى مبنى فندق هليوبوليس بالاس بأنه «كان أروع مبنى على الإطلاق». الفندق، حسبما يضيف الكتاب، كان ثمرة للتعاون بين جاسبر المخطط الرئيسى لهليوبوليس وزميل له هو ألكسندر مارسيل.
ميزانية الفندق فى حينه، حسب نفس الكتاب كانت مليونين وربع مليون دولار «ضمانا لفخامته» حيث إنه كان فى حينه «أكبر فندق فى العالم ومساحته 6500 متر مربع وبه أربعمائة غرفة 55 منها اجنحة وقاعات للولائم وصالونات ومطعم ضخم، وكانت قبة الفندق مبنية بالخرسانة المسلحة وترتفع عاليا فوق ردهته الرئيسية الفاخرة، ارتفاعا قدره خمسة وثلاثون مترا».
وينقل دوبروفلوسكا ودوبروفولسكى فى كتابهما امتداح ناقد فى مجلة فنية صدرت عام 1929 واصفا إياها بأنها «من العمارة العربية بأشد الأساليب جاذبية ومذاق الشفافية والمنظور والانفساح».
لكن دوبروفلوسكا ودوبروفولسكى يصران على أن هذه المظاهر الإسلامية لم تتجاوز كثيرا حد الزخرف لبناء هو بالأصل مدين «بمفهومه العام إلى قصر فرساى ومدرسة الفنون الجميلة الفرنسية خصوصا لما يتحلى به هذا الفندق من واجهة هائلة».
الديكورات الداخلية لمبنى فندق هليوبوليس بالاس بحسب كتاب «مدينة الشمس تولد من جديد» كانت تمثل شتى الأساليب المعمارية حيث كانت تضم مرايا ضخمة وسجاجيد شرقية وأعمدة رخامية وذلك إضافة لأفخم قطع الأثاث المستوردة من مناطق عديدة خاصة لندن بما يمنح البناء مزاجا فخما يليق بصفوة المجتمع التى كانت تقصده للإجازة أو كانت تختاره مكانا لحفلات الزفاف أو حتى حفلات الشاى الراقية.
تقلبات الزمن مع مصير القصر الفندق بدأت مبكرا، بحسب ما يطالعه قارئ كتاب «مدينة الشمس تولد من جديد»، فعندما اندلعت الحرب العالمية الأولى حول المستمعرون البريطانيون لمصر فى حينه، الفندق لمستشفى عسكرى لفترة ما ثم حولوه بعد ذلك إلى مدرسة للطيران قبل أن يعود لنشاطه الفندقى مرة ثانية ليواجه انتشار فنادق أرخص سعرا وأزمة اقتصادية بدأت بعد الحرب العالمية الأولى ثم تفاقمت مع الحرب العالمية الثانية ففقد الكثير من زبائنه.
ويقول دوبروفلوسكا ودوبروفولسكى، كما يقول كثيرون غيرهما، أن القصر مثل غيره من تراث المعمار فى مصر الملكية لم ينل حظا يذكر من الرعاية بعد قيام ثورة 1952 التى لم تتعاطف مع مظاهر ثراء طبقات اقتصادية اجتماعية ارتبطت ذهنيا بفساد حكم أزاحته ثورة قامت من أجل الفقراء والمظلومين بالأساس، فلم تهتم كثيرا بذلك الفندق الذى يوصف بأنه «فندق لألف ليلة وليلة» بحسب كتاب «هليوبوليس» الصادر أيضا فى احتفالية المائة عام الأولى للضاحية القاهرية باللغتين العربية والإنجليزية بإشراف من آن فان لو ومارى سيسل بروير، بتقديم من سوزان مبارك قرينة الرئيس السابق والتى اهتمت بالاحتفالية وبأهم شوارع حى مصر الجديدة القديمة لكونها شخصيا ولدت ونشأت فى هذا الحى، الذى كان دوما الجامع فى سلاسة للطبقة العليا والطبقة المتوسطة كما جمعت بنايته القديمة الإسلام والآر ديكو والباروك.
لقد كان الاسم المقرر لهذا الفندق فى البداية، بحسب كتاب «هليوبوليس» هو «فندق الواحة» وهو الاسم الذى تغير بعد أن انتهاء مئات من عمال البناء السودانيين الذين كدحوا فى تشييد هذا المبنى ليكون «فندق هليوبوليس بالاس».
اكتملت الاستعدادات التى استغرقت بضعة شهور لتجهيز «قصر السلام» تلك الفيلا الصغيرة التى تكاد تكون ملاصقة لقصر الاتحادية، وأصبح جاهزا لاستقبال اسرة الرئيس محمد مرسى برفقته ليتحول المبنى الصغير نسبيا والذى كان مقرا للقاءات رسمية تجريها سوزان مبارك قرينة الرئيس السابق إلى مسكن لآل مرسى خلال فترة وجوده فى الحكم.
الاستعدادات الأبرز شملت كهربة سور البناء الذى يربطه ممشى حدائقى بقصر الاتحادية بحيث لا يمكن لاحد القفز من فوقه، كما تم ادخال تعديلات على تصميمات النوافذ لجعلها قابلة للاستخدام وتعديلات داخل القصر ذاته شملت تغيير ألوان الحوائط إلى جانب تعديلات طلبتها اسرة الرئيس فى الحمامات الرئيسية واضافة مطبخ حديث فى الدور الثانى، حيث غرف النوم، اضافة للمطبخ الرئيسى فى الدور الارضى وتغيير الستائر.
اقامة اسرة الرئيس فى «قصر السلام» تأتى، بحسب احد مصادر الشروق فى القصر الرئاسى، باقتراح من «ديوان رئاسة الجمهورية المسئول عن التعامل مع بعض التفاصيل الخاصة بحياة الرئيس وتنقلاته. «الموضوع ده هيوفر جامد فى موضوع التأمين طبعا وبدل ما الرجل يفضل رايح جاى من مصر الجديدة للتجمع الخامس».
ورغم ذلك ظهر حديث هامس عن احتمال إرجاء خطوة انتقال الأسرة إلى القصر الصغير بعد أن تحولت منطقة قصر الاتحادية إلى ساحة التظاهر والاحتجاج الأمر الذى يجعل من وجود الأسرة فيه مخاطرة بصورة أو بأخرى.
ولذلك تقول مصادر الشروق، إن المهم هو هدوء الاوضاع واستقرارها فى محيط قصر الرئاسة فى مصر الجديدة لأنه فى حال حدوث حالات من التظاهر حول قصر الرئاسة كما حدث عقب اصدار مرسى لاعلانه الدستورى فى 22 نوفمبر الماضى سيكون من الصعب الابقاء على اسرة الرئيس فى مصر الجديدة لأنه فى هذه الحالة يتم نقل اجتماعات الرئيس بكاملها لقصر القبة.
الموعد المقرر لانتقال اسرة الرئيس «بالكامل» إلى القصر يتباين بحسب المصادر ففى حين يقول البعض ان ذلك سيكون مع شهر رمضان لأن ساعات عمل الرئيس وتوقيت الإفطار سيجعل التنقل بين القصر الرئاسى ومنزل آل مرسى فى التجمع الخامس صعبا، يقول البعض الآخر ان النقل قد يتم قبل ذلك خاصة بعد ان ابدت السيدة نجلاء زوجة الرئيس، التى لم تعد تمانع بنفس الحسم بحسب بعض مصادر الشروق، فى لقب «نجلاء هانم» عكس أول ايام وصول مرسى لسدة الحكم عندما كانت تفضل كنية «ام احمد» ارتياحها اجمالا لتنفيذ التعديلات التى طلبتها.
مقر اقامة اسرة الرئيس كان محل تكهنات منذ وصول مرسى للحكم حيث كانت السيدة نجلاء قد تحدثت لبعض المقربين، فيما نقل عنهم، عن اعتزامها شراء شقة «أوسع شوية» عن منزل الاسرة فى القاهرة بالتجمع الخامس، ثم تحول الحديث بعد اسابيع قليلة للاستفادة من قصر السلام.
ويأتى الاستخدام الرئاسى للقصور الرئاسية فيما يمثل سابقة، حيث كان الرئيس جمال عبدالناصر يقيم فى منزل فيلا صغيرة استأجرها فى منشية البكرى، بالقرب من المكاتب الرئاسية، ومازال الحديث دائرا عن امكان تحويله لمتحف يليق باسم الزعيم الاهم فى الجمهورية المصرية، بينما كان الرئيس انور السادات يقيم فى فيلا مستأجرة، اكبر من منزل عبدالناصر، تطل على النيل ومازالت قرينته السيدة جيهان تقيم فيها ولم تخضع لأية تجديدات تذكر منذ رحيل السادات اغتيالا فى 1981، اما الرئيس مبارك فكان يقيم فى فيلا مستأجرة خلف نادى هليوبوليس انتقل اليها من منزله قرب متنزهات الميريلاند بمصر الجديدة عقب توليه منصب نائب رئيس الجمهورية ومازالت التحصينات الامنية المشددة التى تحيط بالقصر، والتى تراكمت على مدى سنوات بدءا من تحويل مسار مترو مصر الجديدة واجتثاث اشجار تاريخية واقامة نفقا واغلاق محطة بنزين، قائمة بعد قرابة عامين من تنحى مبارك الدرامى عن الحكم فى 11 فبراير 2011 بعد ثلاثة عقود.
ويقول مصدر فى ديوان رئيس الجمهورية ان الحديث عن «سنة جديدة» فى تعامل الرئاسة مع مقر اقامة دائم للرئيس على غرار الحال فى الولاياتالمتحدةالامريكية وبريطانيا وفرنسا، حيث ينتقل الحاكم المنتخب لمقر اقامة محدد هو «حديث تسخين مبالغ فيه».