كتب دانييل دومبى مقالا بصحيفة الفايننشيال تايمز جاء فيه: اعتاد الرئيس ليندون جونسون على القول بأنه يتمتع بموهبة عظيمة: هى فهم القوة، «أين تجدها وكيف تستخدمها؟». وكما توحى أحداث هذا الأسبوع، فإن طيب رجب أردوغان، رئيس وزراء تركيا، يعتقد بأنه يتمتع بالموهبة نفسها. فقد وضع عبدالله اوجلان، زعيم حزب العمال الكردستانى، الذى تصنفه الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبى وتركيا ضمن المنظمات الإرهابية، الموجود فى السجن، خطة حازت على قبول الحزب الموالى للأكراد فى البرلمان، وجناح حزب العمال الكردستانى فى غرب أوروبا والذراع العسكرى فى جبال شمال العراق. تقضى الخطة بوقف اطلاق النار بين الاكراد والحكومة التركية.
وهنا، يبدو أن السيد اردوغان يرى فى هذا فرصته الجونسونية للعثور على القوة واستخدامها. وإذا ما سارت الأمور وفق الخطة، فستقلب الأحداث التى تشهدها ديار بكر، التى تعتبر العاصمة الكردية لتركيا، السياسة الداخلية والخارجية رأسا على عقب.
•••
يرى الكاتب أن وضع تركيا الجيوبوليتيكى قد تغير مع اجتياح الثورات العربية للمنطقة. وعندما عزمت البلاد على إنهاء مشاكلها مع جاراتها وجدت الدولة التى تضم أغلبية من السنة نفسها فى منافسة مريرة مع حكومات مركزية بقيادة الشيعة (والعلويين) فى إيران والعراق وسوريا.
وفى هذا السياق، فإن تحقيق السلام فى الداخل والتخلص من نقطة ضعف استراتيجية يصبح أكثر إلحاحا ويفسح الطريق لعودة الحلم التركى القديم. ويتمثل هذا الحلم فى التطلع لبسط سيطرة تركيا على المناطق الكردية الغنية بالنفط والغاز فى شمال العراق، وهو هدف يبعث على الارتياح فى وقت تدفع فيه تركيا لروسيا شهريا مليارين من الدولارات لتلبية الطلب المتزايد على الطاقة. ويمكن لاتفاق مع الأقلية الكردية التركية، يسمح باستخدام اللغة الكردية فى المدارس والمحاكم والحكومة المحلية، أن يدفع المسيرة قدما بينما يقلل من المخاطر المحتملة لقيام حكم ذاتى أوسع فى شمال العراق قد يؤدى إلى تصاعد المطالب الانفصالية فى تركيا.
ويمتلك الأتراك واحدا من كل اثنين من المشروعات الأجنبية فى شمال العراق، لكن الاستقلال الاقتصادى الداخلى بين تركيا والمنطقة يمكن أن يتزايد. وتتفاوض أنقرة من أجل التوصل إلى اتفاق يمكن للشركات المملوكة للدولة بمقتضاه الحصول على حصة أكبر من نفط وحقول غاز المنطقة برغم اعتراضات بغداد الغاضبة وتحذيرات الولاياتالمتحدة. والسلام مع حزب العمال الكردستانى يمكن أن يزيل نقطة ضعف أخرى.
وتعلم انقرة علم اليقين أن فرع حزب العمال يتمتع بوجود قوى على حدود سوريا: وهذا قد يكون سببا قويا للتوصل إلى اتفاق مع المنظمة الأم.
ثم أن هناك الوضع الداخلى. وقد اقترح السيد اردوغان، ووافق السيد اوجلان على تسوية حقيقية تقر بالحقوق اللغوية والسياسية للأكراد مقابل دستور جديد يؤسس لرئاسة جديدة قوية والتى سيتولاها غالبا السيد اردوغان نفسه.
والتحالفات القديمة فى سبيلها إلى التفكك. فالسيد اردوغان على خلاف بالفعل مع حركة فتح الله جولن، وهو داعية يقيم فى بنسلفانيا، وأتباعه متغلغلون فى شتى جوانب الحياة التركية.
والمحادثات الكردية تزيد من التوترات. وكثيرون من أنصار جولن منزعجون من المفاوضات مع السيد اوجلان، وهو من أعداء حركتهم، التى يطلق عليها رئيس حزب العمال الكردستانى «أعداء المقاتلين». وهذه ليست شكوك مجموعة هامشية. فالكاتب قادرى جورسيل يشير إلى ثلاثة لاعبين رئيسيين فى السياسة التركية رئيس الوزراء، والسجين والداعية.
•••
وختاما يرى دومبى أن ضبط علاقة هذه القوى بالغ الأهمية. لكن برغم العقبات الكثيرة التى تنتظر عملية السلام الكردية فإنها لا تمثل أكثر من جزء من طموح كبير لابد وأن يثير إعجاب حتى ليندون جونسون.