مازال البحث عن هوية قتلة الجنود المصريين بمدينة رفح الحدودية، في رمضان الماضي مستمرا، ومازالت دماؤهم مفرقة بين الجماعات التكفيرية والإرهابية التي استوطنت شبه جزيرة سيناء. على الرغم من الحملات الأمنية المتواصلة لاستئصالها، وهي حملات أعاقتها تطورات الأوضاع الأمنية في سيناء بعد الثورة، بما جعل أعمال البحث أكثر صعوبة.
كان تراخى قبضة أجهزة الأمن السياسي على المناطق الحدودية، عقب انكسار الشرطة في 28 يناير 2011، سببا رئيسيا في تحول الحدود إلى منطقة «رخوة»، تلعب فيها جميع الأطراف كيفما تشاء بكل سهولة، خصوصا التنظيمات الإرهابية، التي تعرف الطبيعة الجغرافية والسكانية جيدا، بما يمنحها أفضلية في المناطق الجبلية والصحراوية، تصعب من تعقبها.
برز الظهور العلني للمسلحين في سيناء بعلانية خلال مرحلتين محددتين، إحداهما في عام 2004، باستهداف المنتجعات السياحية في جنوبسيناء بشكل متسلسل، استمر حتى عام 2006، ووقتها لاحقت الاتهامات تنظيم «التوحيد والجهاد»، بتبني هذه العمليات الإرهابية، وهو ما دفع أجهزة الأمن وقتها إلى اعتقال نحو 3 آلاف مواطن، صنفتهم أجهزة الأمن ما بين سلفي دعوي وسلفي جهادى، وأبقت العديد منهم في المعتقلات، فيما تم الحكم على 5 منهم بالإعدام والأشغال الشاقة، وتتم حاليا إجراءات إعادة محاكمتهم، بعد رفض المجلس العسكري التصديق على هذه الأحكام.
أما المرحلة الثانية لظهور المسلحين الإسلاميين في سيناء، فكان في أعقاب ثورة 25 يناير، وتحديدا في يوم 29 يوليو الماضي، عندما ارتفعت رايات «القاعدة» السوداء، تحمل شعار لا إله إلا الله، ومعلنة الجهاد ضد قوات الأمن المصري، وصبت نيرانها على قسم شرطة ثاني العريش، ووقتها قالت أجهزة الأمن أنها اعتقلت عدد منهم.
كما ظهر أصحاب الرايات السوداء مجددا قبيل زيارة مرتقبة للمرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي لمدينة الشيخ زويد، ضمن حملته الانتخابية، ووقتها تلقى أنصاره تحذيرا واضحا بإلغاء المؤتمر، لأن «حمدين صباحى علماني مؤيد لنظام بشار الأسد»، بحسب نص التهديدات، وتم بالفعل إلغاء المؤتمر.
وخلال الأشهر الماضية، انطلقت من سيناء منظمات تحمل رايات الجهاد، مقررة توجيه سهامها إلى القوات الإسرائيلية عبر الحدود، وكانت البداية في أغسطس 2011، عندما تلقت إسرائيل ضربة موجعة بالقرب من مدينة إيلات، وأدت إلى مقتل سبعة جنود اسرائيليين، وهو ما ردت عليه إسرائيل بتعقب عدد من المقاتلين إلى داخل الأراضي المصرية، وقتلت سبعة من أفراد الشرطة، بينهم ضابط، وقالت وقتها أن الحادث تم عن طريق الخطأ.
وأعلنت جماعة أنصار بيت المقدس عن نفسها لأول مرة، باعتبارها منذ عملية إيلات، وهى جماعة يؤكد خبراء أنها مكونة من جنسيات مختلفة، فلسطينيين، ومصريين، وليبيين، وسعوديين، ممن تلقوا تدريبات في قطاع غزة، قبل أن يلجئوا إلى الأراضي المصرية عبر الأنفاق الحدودية بمدينة رفح.
كما تبنت الجماعة عدة عمليات أخرى، منها استهداف إسرائيل بصواريخ من طراز جراد، انطلاقا من سيناء، بالإضافة لتبنى عملية إطلاق الرصاص تجاه حافلة جنود، قرب الحدود في منطقة الكونتيلا، في يونيو الماضي كما شارك رجالها في عملية اختراق الحدود في سيناء بالقرب من منطقة الجايفة، وقتل جندي إسرائيلي وإصابة آخر، والتي قتل فيها 3 عناصر للجماعة، بينهم اثنين من محافظة المنوفية، وثالث مجهول الهوية، ولم تخف الجماعة نشاطها في تفجير خطوط تصدير الغاز الطبيعي لإسرائيل، وبثت العديد من عملياتها السابقة في شرائط فيديو موثقة للعمليات.
وتسببت الخلافات بين حركة حماس الحاكمة في قطاع غزة، وتنظيم السلفية الجهادية، في عام 2009 إلى هروب أعداد كبيرة من عناصره إلى مصر، عبر الأنفاق الحدودية، على خلفية مقتل أمير التنظيم في غزة، الشيخ عبداللطيف موسى، نتيجة قصف حماس لمسجد ابن تيمية برفح، الذى تحصن فيه مع عدد من أنصاره، على خلفية إعلانه لرفح إمارة إسلامية، وبعدها بدأت العناصر الفارة في الارتباط بعناصر مصرية، حاملين إليهم الخبرة القتالية التي اكتسبوها في غزة.
ويعتبر تنظيم جلجلة، أو جيش الإسلام، الذى تكون من عناصر «السلفية الجهادية» الفلسطينية الهاربة من حماس، واحدا من أبرز التنظيمات المتهمة بتنفيذ عمليات في سيناء، فيما قامت حركة حماس بالتضييق على السلفية الجهادية في غزة، بعد حادث مقتل الجنود المصريين، واعتقلت بعضهم على خلفية تحقيقات أجرتها الحركة معهم، وسلمت نتائجها إلى مسئولين بجهاز المخابرات المصرية، في زيارة من كوادر أمنية رفيعة لحماس إلى القاهرة.
ومن بين الجماعات التي ظهرت في سيناء أيضا، معلنة ولائها لتنظيم القاعدة، مجلس شورى المجاهدين «أكناف بيت المقدس»، التي تبنت عمليات ضرب خط تصدير الغاز المصري لإسرائيل، وتلقت هذه الجماعة ضربة موجعة في بداية نشاط حملة نسر سيناء، عندما باغتت قوة مشتركة من الجيش والشرطة كوخا عند مدخل قرية نجع شبانة جنوب مدينة الشيخ زويد، يضم عددا من عناصر الجماعة، وهو ما أدى لاحتراق الكوخ الذى كان مخصصا لتصنيع المتفجرات، وتوفى 5 من أعضاء التنظيم في العملية، وتم القبض على عضو سادس يدعى أبو إلياس، بعد إصابته في العملية، وهو يخضع حاليا للعلاج والتحقيق في موقع سري بالقاهرة.
وتبين أن بين قتلى الكوخ، أحد العناصر من مدينة 6 أكتوبر بمحافظة الجيزة، يدعى أبو ردينة، والذى اعترف شقيقه في حوار صحفي ل«الشروق» بأنه شارك في عمليات تفجير خطوط تصدير الغاز، لكنه نفى مشاركته في العملية.
وداهمت الحملة الأمنية «نسر» عدة منازل استأجرها أعضاء التنظيم في حي الزهور بمدينة الشيخ زويد، وتمت مصادرة أسلحة وبيانات، وطائرة صغيرة يتم التحكم فيها عن بعد، ووسائل لصناعة العبوات الناسفة، كما أعلنت الجماعة أيضا مسئوليتها عن هجوم ضد إسرائيل في العام الماضي، باختراق الحدود مع سيناء، وضرب موقع للجدار العازل الإسرائيلي، قبالة الحدود، وهو ما أدى لمصرع عامل، وبثت الجماعة فيديو للعملية، كشفت فيها أن اثنين من المنفذين، هما سعودي ومصري، إلا أن الجماعة برأت نفسها من الهجوم الإرهابي على الجنود المصريين.