وسط إقبال ملحوظ.. انتظام انتخابات التجديد النصفي لأطباء بني سويف «على 4 مقاعد»    ضبط 5 سيارات قهوة متنقلة خلال حملة لإزالة الإشغالات بالعاشر من رمضان    أمطار غزيرة تُغرق شوارع العجمي بالإسكندرية.. والمحافظة ترفع حالة الطوارئ    أسعار الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 10-10-2025 في أسواق محافظة الأقصر    في مؤتمر القاهرة.. وزراء الزراعة الأفارقة يتبنون خارطة طريق قارية للاكتفاء الذاتي من الأرز وتطوير آليات تمويل صغار المزارعين    باقٍ 20 يوما.. موعد تطبيق التوقيت الشتوي 2025 وتأخير الساعة    غزة تخرج من تحت الأنقاض!    إصابة 9 أشخاص وأضرار واسعة بأنحاء كييف بسبب غارات روسية    شيخ الأزهر يعزي المهندس إبراهيم محلب في وفاة شقيقته    معاريف: نتنياهو يسعى لاستثمار زخم اتفاق وقف النار لتقديم موعد الانتخابات    الخطيب يحضر مؤتمر تقديم ييس توروب المدير الفني الجديد للأهلي    أوليفر جلاسنر يتوج بجائزة مدرب الشهر في الدوري الإنجليزي    مصرع 4 عناصر إجرامية في تبادل إطلاق نار مع الشرطة ببني سويف    شاب يقتل عمه داخل سيارته لخلافات مالية في طنطا    إيرادات «فيها إيه يعني؟» تتجاوز ال 30 مليون جنيه خلال 9 أيام بالسينمات    هيبتا 2 يحتل المركز الثاني في شباك التذاكر وإيراداته في يومين تصل إلى 7 ملايين و365 ألف جنيه    «كولونيا» يُطلق إعلانه التشويقي قبل عرضه العالمي الأول (فيديو)    فوائد التحصين بسورة الكهف يوم الجمعة وأسباب فضلها العظيم في السنة النبوية    سنن يوم الجمعة.. أعمال بسيطة وأجر عظيم    المصلون يحرصون على أذكار الصباح والمساء اليوم الجمعة طلبًا للسكينة والبركة    الصحة تنظم زيارة لخبير مصري عالمي في زراعة الأعضاء وتجري 28 عملية جراحية بمعهد ناصر    «الخريف موسم العدوى».. كيف تحمي نفسك من الفيروسات الهوائية؟ (فيديو)    مارتن بيست: المتحف المصري الكبير فرصة لا تتكرر في العمر    تفاصيل أسعار تذاكر دخول المتحف المصري الكبير قبل الإغلاق المؤقت    العثور على جثة سيدة مصابة ب3 طعنات داخل الملاحات بالإسكندرية    شرط يمنع التقدم لحج القرعة هذا العام.. تعرف عليه    الداخلية تكشف حقيقة صور صبية يتعاطون المخدرات ويتحرشون بفتيات فى الدقهلية    تغييرات بالجملة فى تشكيل منتخب مصر أمام غينيا بيساو    إعلام إسرائيلى: الحكومة ستجرى تصويتا هاتفيا على استبدال أسماء 10 أسرى فلسطينيين    تشغيل وحدتى الحروق المتكاملة والمناظير والجهاز الهضمى بمجمع الأقصر الطبى    بالرابط.. موعد تلقي طلبات الوحدات البديلة لأصحاب الإيجار القديم عبر «المنصة الرقمية»    فوز زعيمة المعارضة الفنزويلية ماريا كورينا ماتشادو بجائزة نوبل للسلام 2025    الداخلية تكشف ملابسات حريق سيارات داخل مجمع سكني بالقاهرة    إقبال ملحوظ في انتخابات التجديد النصفي لنقابة أطباء القليوبية ببنها    إدراج 36 جامعة مصرية في تصنيف التايمز العالمي لعام 2026    قرارات جمهورية مهمة وتكليفات قوية ورسائل نصر أكتوبر تتصدر نشاط السيسي الأسبوعي    لليوم الثالث.. لجان تلقي أوراق انتخابات مجلس النواب تستقبل طالبي الترشح    وزيرة التنمية المحلية والبيئة تشارك فى الجلسة غير الرسمية لتبادل الآراء والرؤى حول مستقبل الاتحاد الدولي لصون الطبيعة    «صحة الشرقية»: فحص أكثر من 65 ألف طالب ضمن مبادرة «علاج أمراض سوء التغذية»    لليوم الثالث.. استمرار تلقي أوراق طالبي الترشح لانتخابات مجلس النواب    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : سنجتهد الانغفل عن ذكر نعم الله علينا!?    عاجل - تصاعد التوتر في غزة رغم اتفاق وقف إطلاق النار: غازة إسرائيلية عنيفة في خان يونس    المغرب تضرب موعدا مع الولايات المتحدة فى ربع نهائى مونديال الشباب.. فيديو    الأهلي يجيب.. هل يعاني أشرف داري من إصابة مزمنة؟    أمطار لمدة 24 ساعة .. بيان مهم بشأن حالة الطقس في القاهرة والمحافظات    رمضان 2026 في شهر كام ؟ موعد غرة الشهر الكريم وعدد أيامه    طولان يقرر عودة ثنائي منتخب مصر الثاني إلى القاهرة بعد تعرضهما للإصابة    تفاصيل جلسة لبيب مع فيريرا وجون إدوارد    انخفاض كبير في عيار 21 بالمصنعية.. مفاجأة ب أسعار الذهب والسبائك اليوم الجمعة بالصاغة    ما بيحبوش الزحمة.. 4 أبراج بتكره الدوشة والصوت العالي    «زي النهارده» في 10 أكتوبر 2009 .. وفاة الدكتور محمد السيد سعيد    «ربنا يسهل وإن شاءالله يجي».. رد مفاجئ من وليد صلاح الدين عن اللاعب الذي يتمنى انضمامه ل الأهلي    تحويلات مرورية لتنفيذ أعمال إنشائية خاصة بمشروع المونوريل بالجيزة    خوفاً من السنوار.. لماذا صوت بن جفير ضد قرار انتهاء الحرب في غزة؟    السيسي يُحمّل الشعب «العَوَر».. ومراقبون: إعادة الهيكلة مشروع التفافٍ جديد لتبرير الفشل    زاخاروفا: الجهود المصرية القطرية التركية لوقف حرب غزة تستحق الإشادة    عشان تحافظي عليها.. طريقة تنظيف المكواة من الرواسب    مباشر مباراة المغرب ضد كوريا الجنوبية الآن في كأس العالم للشباب 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما أغفله الخطاب
نشر في الشروق الجديد يوم 01 - 07 - 2009

أوضحت فى المقال السابق، معالم شخصية أوباما، والسياق الذى تم فيه إلقاء خطابه إلى المسلمين. ولعله اختار أن يسبق هذا الخطاب بآخر إلى الأتراك لما لتركيا من خصوصية أراد إسماع أطراف عديدة رأيه بشأنها. فهى عضو فى الناتو وتسعى للانضمام للاتحاد الأوروبى، وهى قريبة من مواطن نزاع عديدة بما فيه نجورنو كرباخ، فضلا عن خلافها مع اليونان حول قبرص. وعدّد مشاغل البلدين (واصفا إياهما بالديمقراطيتين): أزمة اقتصادية لا تقف عند حدود، وتطرّف يؤدى لقتل الأبرياء من الرجال والنساء والأطفال، وضغوط على موارد الطاقة وتغير فى مناخ العالم، وانتشار الأسلحة الفتاكة فى أرجاء العالم واستمرار النزاعات الدامية. وقرر أنه بقدر النجاح فى حل تلك المعضلات يتحدد ما إذا كان المستقبل سيسوده الخوف أم الحرية، والفقر أم الرخاء، والنزاع أم السلام العادل الآمن الدائم. وعندما عرج إلى الحديث عن الشرق الأوسط (وهو لا يكثر من استخدام هذا المصطلح الذى لوثته بجاحات الإدارة السابقة) أوضح أن تركيا تشارك الولايات المتحدة فيما سماه هدف إحلال السلام بين إسرائيل وجيرانها، وهنا أكد أن الولايات المتحدة تؤيد بكل شدة هدف إيجاد دولتين، إسرائيل وفلسطين، تعيشان جنبا إلى جنب فى سلام ووئام، وهو ما اتفقت عليه جميع الأطراف فى خريطة الطريق وفى أنابوليس (وهما مناسبتان عف عليهما الزمن). وطالب كلا من الإسرائيليين والفلسطينيين ببذل الجهود للتغلب على المشاعر التى تراكمت، وتجاوز السياسات الراهنة للتقدم نحو سلام دائم. وذكّر تركيا بأنها دعمت التفاوض بين سوريا وإسرائيل، ودعاها للعمل معه لمد يد العون إلى الفلسطينيين ومساعدتهم على تعزيز مؤسساتهم. وهنا تحول من الحديث عن التطرف إلى ذكر صريح للإرهاب ليستخلص منه مشروعية اهتمام إسرائيل بأمنها. وفى معرض الحديث عن إيران خيّر قادتها بين بناء سلاح أو بناء مستقبل أفضل لشعبها، لتلعب دورها اللائق فى مجتمع الأمم، وتحقق اندماجا سياسيا واقتصاديا يوفر الرخاء والاستقرار. ثم أشار إلى أن تركيا تشاطر الولايات المتحدة الرغبة فى أمن وتوحيد العراق وعدم تحوله إلى ملاذ للإرهابيين. وأكد أن كلا من الولايات المتحدة وتركيا والعراق تواجه تهديدا إرهابيا يتمثل فى القاعدة التى تسعى لتحطيم العراق، وفى حزب العمال الكردستانى. وتعهد كرئيس للولايات المتحدة وكعضو فى الناتو بدعم تركيا فى مواجهة إرهابيى ذلك الحرب. وبعد إشارة لمشاركة تركيا فى التحالف ضد القاعدة فى أفغانستان أكد أن الولايات المتحدة لا تبنى علاقاتها مع العالم الإسلامى على أساس معارضة القاعدة، بل تنشد روابط أوسع تقوم على المصالح المتبادلة والاحترام المتبادل. وأعرب عن التقدير للعقيدة الإسلامية التى ساهمت بالكثير لعدة قرون لتحسين أوضاع العالم بما فيه الولايات المتحدة. ودعا للعمل على تحسين الأوضاع المستقبلية بمساعدة المزيد من الأطفال على تلقى التعليم الذى يحتاجونه، وتوفير الرعاية الصحية للمحرومين منها، وتشجيع التجارة والاستثمار من أجل تحقيق الرخاء لكل الناس. ووعد بتقديم برامج محددة خلال الشهور التالية لتحقيق هذه الغايات. واستعار مثلا تركيا يقول «إنك لا تستطيع إطفاء الحريق بإلقاء شعلات عليه». ومن ثم لا جدوى من الاستمرار فى مواجهة العنف بعنف. فالمستقبل ملك لمن يبنى لا من يبدد.
وواضح أن النقاط السابقة شكلت جوهر خطاب القاهرة الذى أضاف قضيتى الديمقراطية وحقوق المرأة، وأكد على حرية العقيدة. واكتمل الإخراج بدخول الإعلام طرفا فى التكهن بفحوى الخطاب المنتظر، وأبرزت مساهمة داليا مجاهد فى مهمة الإعداد النفسى لسماعه. ويثير هذا تساؤلا عن الداعى إلى خطاب ثانٍ وإلى إلقائه من القاهرة. إن شخصية أوباما تنفى عنه إضاعة الوقت فى عمليات مسرحية كتلك التى نشاهدها فى رئاسات أمريكية سابقة وأوروبية معاصرة؛ فهو صاحب أجندة يسعى حثيثا لتنفيذها. وهو ليس شخصية كاريكاتيرية مثل بوش الذى جنى بعض الأمريكان أرباحا طائلة من برامج تليفزيونية تتهكم عليه، كستار للعصابة التى دفعت البلاد لكوارث غير مسبوقة. فإلقاء الخطاب الذى وعد به هو خطوة نحو تحقيق أجندته. وتشير الشواهد إلى أن الهدف الأساسى هو تحريك القضية الفلسطينية نحو نهاية محددة طرح من معالمها ما يهدئ بعض ثائرة العرب، إذ لم يعد بوسع إسرائيل ولا الولايات المتحدة تحمل هزيمة عسكرية أخرى. لقد ترك أوباما إسرائيل تعربد كيف شاءت شريطة أن تكف يدها عشية دخوله البيت الأبيض؛ وعندها أعلن أولمرت أن هدف العدوان تحقق دون أن يوضح أى هدف يعنى. وكان طبيعيا أن يوجه الخطاب من القاهرة، وأن تسبقه زيارة للرئيس المصرى للمجاملة، فلا يعقل أن يتباحث الرئيسان فيما جاء أحدهما لعرضه على شعوب عدة، ولم يكن من المعقول أن يشهد مبارك إلقاء الخطاب ليجرى تأويل ردود أفعاله. وكان للقاهرة ميزة أخرى هى حضور السفير الإسرائيلى خطابا موجها إلى المسلمين، استباقا لرؤيته للمستقبل.
وكان من الطبيعى أن يجرى تشاور (وليس تلقى النصح) مع العاهل السعودى لعله تناول قضايا وتفاصيل لا تتعلق بنقاط الخطاب. غير أن الغريب أن ينهى حديثه عن القضية الفلسطينية بنصح للعرب ألا تشغلهم القضية الفلسطينية عن قضايا أخرى تشمل فى رأيه مساعدة الفلسطينيين على تطوير مؤسساتهم التى دمرتها إسرائيل، وأن يعترفوا بشرعية إسرائيل، وأن يتخلوا عن تركيزٍ لا طائل منه على الماضى! أليس هذا انشغالا بالعواقب الوخيمة للقضية الفلسطينية؟ إن مشكلتنا تتبدى لنا عندما ننظر إلى مستقبل ينحشر فيه كيان دخيل لا شرعية له. ولو كان منسجما مع نفسه لما أحيا مزاعم الهولوكوست التى تنتمى لماض سابق للقضية الفلسطينية، وألا يصر على ربط أمن الولايات المتحدة بأمن دولة ترتكز ذريعة إقامتها على تزييف ماض سحيق عانى فيه موسى ما عانى من بنى إسرائيل الذين بأن يدعو ربه لا ربهم.
قد يكون لأوباما كل الحق فى وعد شعبه بتغيير يزيده غنى على غنى، ويدفع عنه فاقة لا يتحملها. ولكن قائمة حسابنا مع الولايات المتحدة تظل طويلة تتجاوز القضايا الست التى أجاد فى ترتيبها وعرضها. لقد وضع فى مستهل حديثه التوتر الأمريكى الإسلامى فى سياق علاقات مع الغرب عامة تخللتها حقب استعمار. نذكّر سيادته أن لنا علاقات، بعضها متميز، بالمستعمرين القدامى، فهم دول أصيلة، وليسوا نبتا شيطانيا أصرت الولايات المتحدة على زرعه بين ظهرانينا، ووضع هو أمنها فى المقدمة. لم يحدثنا عن متى يخلصنا من مهانة الكويز التى تضع اقتصادنا فى وضع أدنى من اقتصادها. لم يتحدث عن الكيفية التى سيتعامل بها مع حق الفيتو الذى حرمنا من إنصاف مؤسسة أريد لها أن تكون دولية، فحرصت دولته على شل فاعليتها. لم يتحدث عمن سيعوضنا عن الانصياع لتوافق واشنطون الذى انهارت أسسه فى واشنطون ذاتها. لم يتحدث عن تحرير المؤسسات الاقتصادية الدولية من قبضة الولايات المتحدة التى جعلتها سياطا تلهب اقتصاداتنا وترفع قائمة فقرائنا. لم يحدثنا عن حماية ثرواتنا النفطية والشعوب صاحبة الحق فيها من الأطماع الأمريكية، وعن تعويضنا عن ثروات تبخرت بعد سحب ملايين الأطنان من النفط كان ينتظر لها أن تكون سندا لأجيال مقبلة. لم يحدثنا عن حل مشكلة الغذاء التى تضيف الملايين إلى قائمة الجياع، من أجل ملء خزانات السيارات التى انهارت شركات منتجيها بالوقود، وعن العمل على إنجاح جولة الدوحة. لم يحدثنا عن إنهاء الغطرسة فى مواجهة قرارات المجتمع العالمى بشأن التعامل مع الدفيئة. لم يحدثنا فى معرض حديثه عن التعليم عن موقف الأمريكان من قدسية القرآن ومطالبتهم بإعادة صياغته من أجل سواد عيون الربيبة الحبيبة إسرائيل، وعن الموقف من الجامعات التى تحرّم على أساتذتها الحديث عن وجود «قوة ذكية» تعففا عن ذكر الله. لم يكن هناك ما يجبره على إطلاعنا على عزمه زيارة بوخنفالد بدعوى كونها من معسكرات قتل اليهود، ليتطرق من ذلك إلى تأكيد قتل ستة ملايين يهودى أى أكثر من إجمالى سكان إسرائيل اليوم. هل يقصد أن نحمد الله على أنهم لم يعيشوا ليطالبوا بمزيد من الأراضى؟ أم أراد أن يطمئن الصهاينة إلى أنه أمين على دعاواهم المغلوطة؟
سألتنى حفيدتى عما قصده أوباما من قوله لمبارك إنه يمتلك «خبرة عقود عديدة» وأجبتها أنها مجاملة منه. فنظرت إلىّ شذرا .. أرجو ألا تكون هذه بداية شكها فى حسن إدراكى للأمور أو فى مدى صدقى معها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.