شلل تام بالموانئ.. تكدس للحاويات.. توقف للتصدير والاستيراد.. 70٪ تراجعا فى حركة التجارة الداخلية.. إنه العصيان المدنى يدك قلاع مدينة بورسعيد. المدينة التى يوجد بها أهم ثانى ميناء بالشرق الأوسط، والتى تستحوذ على أكثر من40٪ من حجم صادرات مصر من الملابس.. مصانعها تكتفى بنصف وردية، وعمالها مهددون بالتشريد.
ما سبق هو محصلة جولة ل«الشروق» فى المدينة الباسلة، للوقوف على أحوال الصناعة والتجارة فيها، بعد أن دخلت عصيانا مدنيا ناهز الأسبوع، للمطالبة بمحاكمة عادلة للمتهمين المتورطين فى موقعة استاد بورسعيد التى راح ضحيتها 72 مشجعا من جماهير النادى الأهلى قبل عام، ومحاسبة وزير الداخلية ومدير أمن بوسعيد على أحداث العف التى عاشتها المدينة فى أعقاب النطق بالحكم على هؤلاء المتهمين وإحالة أوراق بعضهم إلى مفتى الجمهورية، والتى سقط فيها 43 مواطنا بورسعيديا، وجرح نحو 600.
أول منطقة توجهت إليها «الشروق» فى بورسعيد كانت المنطقة الحرة للاستثمار فى بورسعيد، فأكد عدد كبير من العمال بها أنهم يعيشون تحت توتر وضغط رهيب، وأن الأحداث التى تشهدها المدينة أثرت عليهم بالسلب وحرمتهم من الحوافز وساعات العمل الإضافية التى كانوا يتقاضون بموجبها زيادة فى الرواتب.
محمد السلمونى، عامل بأحد مصانع الملابس بالمنطقة الاستثمارية، قال إن راتبه الأساسى 650 جنيها، ويزيد بساعات العمل الإضافية والحوافز ليصل إلى 1200 جنيها، مضيفا أنه منذ بداية العصيان المدنى الذى تشهده المدينة تقلصت ساعات العمل وانخفض إنتاج المصانع. وأوضح أن المصنع الذى يعمل به كان ينتج 1200 قطعة يوميا، تناقص إنتاجه إلى 600 و800 قطعة فقط.
وقال محمد خالد، عامل بأحد مصانع السيارات: أنا من خارج مدينة بورسعيد، ونعانى معاناة شديدة يوميًا.. ونضطر إلى السير على الأقدام لمسافة 8 كيلو متر حتى نستطيع ركوب السيارات؛ لأن الأهالى يحطمون أى سيارة تقف أمام المنطقة الاستثمارية، ونعمل تحت ضغط المظاهرات المستمرة.
ويؤكد خالد أن «العمال أحيانا يعملون «نصف يومية» فقط، نتيجة انخفاض طلبيات الاستيراد، هذا وضع مأساوى لنا.. والكارثة أنه لا أحد يشعر بنا من المسئولين».
وتقول هدى زكى، عاملة، إن بعض المصانع أغلقت، والبعض الآخر يتجه لتقليص عدد العمال، موضحة أنها تعول أسرة كبيرة مكونة من 6 أفراد، وأن ابنتها الكبرى تعمل معها فى نفس المصنع، وفى حالة تقليص العمالة سيكون مصيرهم الشارع.
المنطقة الحرة مهددة بالإغلاق التام الأمين العام لجمعية مستثمرى بورسعيد محمود عبود أكد أن «الحركة فى الميناء مصابة بشلل تام نتيجة استمرار الإضرابات، الأمر الذى أدى إلى توقف المصانع وخطوط الإنتاج، نتيجة توقف دخول الخامات ومستلزمات الإنتاج للمصانع، وبالتالى توقفت حركة التصدير للعالم الخارجى، وهو ما أدى إلى الإخلال بالالتزامات والتعهدات وتوقف الكثير من طلبات التشغيل».
وأشار عبود إلى أن المصانع «ملتزمة بدفع التأمينات الاجتماعية، ودفع رسوم للهيئة العامة للاستثمار، وكل ذلك فى غياب حكومى تام، ودون وجود أى جهة بالدولة يلجأ إليها الصناع أو المستثمرون، موضحًا أن الصناعة عملية مركبة، حيث يعتمد الكل على الجزء، وبالتالى إذا حدث قصور أو عجز نتيجة تغيب بعض الورديات أو العمال يتوقف العمل ككل». مشيرا إلى أن عدم قدرة المصانع المصرية على الوفاء بتعهداتها للمستوردين أدى إلى «فقدان المصانع المصرية سمعتها لدى المتعاملين معها».
عبود شدد على أن بورسعيد تمثل40٪ من حجم صادرات مصر من المنطقة الحرة الاستثمارية التى تصدر بضاعتها بنسبة 100٪ للخارج، وأن بريطانيا تعتمد عليها فى استيراد الزى المدرسى للطلاب الإنجليز.
وأوضح عبود أن أكثر من 20٪ من مصانع بورسعيد أغلقت تماما، وكثير من أصحاب المصانع المستمرة فى العمل قلص الإنتاج من خلال غلق بعض خطوط الإنتاج، مشيرا إلى أن الأوضاع الأمنية غير المستقرة وعدم انتظام الشحن، وعدم تنفيذ العقود المبرمة كلها عوامل أدت إلى تحويل الكثير من طلبيات التشغيل إلى دول أخرى مثل بنجلادش والصين والأردن وبعض الدول الإفريقية حديثة العهد بالصناعة مثل كينيا وأوغندا.
وأكد عبود أن استمرار الوضع بنفس السوء سيؤدى إلى إغلاق جميع المصانع خلال شهر من الآن، موضحًا أنه منذ اندلاع الثورة تم تسريح 7 آلاف عامل، وتستعد الآن المصانع لتسريح 16 ألفًا آخرين من أصل 36 ألفا هو عدد العاملين بالمنطقة الحرة الآن، وسيتم حرمان الدولة من إيرادات كبيرة من العملة الصعبة التى وصلت قبل الثورة إلى 900 مليون دولار قيمة التصدير.
ويرى عبود أن الخسائر اليومية للمصانع تصل إلى 7 ملايين جنيه يوميًا، موضحا أن هذه المصانع تدفع 200 مليون جنيه شهريا كرواتب وحوافزها ورسوم للدولة، أى ما يمثل 2.4 مليار جنيه سنويا.
وحذر عبود من أن استمرار توقف العمل فى الموانئ والمنافذ الجمركية ببورسعيد، سيؤدى إلى إتلاف بعض البضائع والشحنات الواردة، خصوصًا تلك التى تحتوى على مواد غذائية، موضحًا أن ذلك سيؤدى إلى نتائج وخيمة على جميع المحافظات خصوصًا مع توقف نقل الشحنات الخاصة بالحبوب والأغذية التموينية، بسبب توقف حركة النقل، التى قد تؤدى إلى تلف بعض الواردات، خصوصًا الغذائية منها.
قرارات مرسى ضحك على الدقون وحول قرار مؤسسة الرئاسة بعودة المنطقة الحرة وتخصيص 400 مليون من إيرادات القناة لمدينة بورسعيد، أكد أمين عام جمعية المستثمرين أن هذه القرارات حبر على ورق، ولم تأت بجديد، فالمبالغ التى أعلن عنها الرئيس كانت مخصصة بالفعل منذ تأميم قناة السويس، وكانت تخرجها الهيئة لمدن القناة، واصفًا هذه القرارات ب«الضحك على الدقون»، وأوضح أن مستشارى الرئيس غير قادرين على وصف الوضع الحقيقى ببورسعيد، وبالتالى تصدر قرارات متخبطة لا تتماشى مع حقيقة الأزمة.
وفى السياق ذاته، قال جمال أبو الغيط عضو جمعية المستثمرين وأحد المستوردين إن قرار الرئيس محمد مرسى يفسر الماء بالماء، موضحا أن بورسعيد منطقة حرة طبقا للقانون رقم 12 لسنة 1977، ثم عدل القانون السابق بقانون 43 لسنة 1985 الخاص بالاستثمار العربى والأجنبى ثم تحولت إلى القانون رقم 8 لضمانات وحوافز الاستثمار، حيث كانت فى البداية منطقة تخزين ثم منطقة صناعية منذ عام 1984 ثم تطورت إلى أن أصبحت تصدر أكثر من 40٪ من حجم صادرات مصر من الملابس الجاهزة، وهذا يعد إنجازًا غير مسبوق للمدينة، ولا سيما أن المنطقة المقامة عليها لا تتعدى 480 ألف متر مربع وعدد المصانع المتواجدة بها 47 ألف مصنع ملابس و120 مصنعا لإنتاج الأحذية والسيارات والصابون والرخام.
وأكد أبو الغيط أن المنطقة مازالت قائمة طبقًا لقانون 12 لسنة 1977 أما القانون 5 لسنة 2002، الذى صدر فى عهد الرئيس السابق محمد حسنى مبارك وبموجبه ألغى العمل بالمنطقة الحرة، فقد تأجل العمل به، واقتصر القانون على أن يجدد كل عامين، موضحًا أن الرئيس مرسى لم يلغ هذا القانون، والمفترض أن تعود لمحافظة بورسعيد حصتها الاستيرادية التى كانت مخصصة فى السابق ب 200 مليون جنيه.
وأشار أبو الغيط إلى أن بورسعيد بها أهم ثانى ميناء بالشرق الأوسط، وتمر بها 40٪ من حاويات مصر، لافتا النظر إلى أن الأحداث التى تمر بها المدينة أدت إلى توقف 70٪ من المصانع المخصصة للتصدير نتيجة لعدم صدور قرارات من المسئولين لمساعدة ومساندة الصناع، فضلا عن تدهور الوضع الأمنى، وتخوف العاملين، لأن أكثر من 80٪ منهم سيدات، وأكثر من 16 ألف من العاملين من محافظات أخرى، مثل الإسماعيلية والشرقية والغربية ودمياط.
وحول معاناة المستثمرين مع نقل البضائع أوضح أبو الغيط أنه قبل الثورة كان المستثمرون يطلبون الحاويات فتصلهم سريعا، لكن بعد الثورة تتأخر الحاويات قرابة شهر نتيجة لتوتر الأوضاع الأمنية، وتعرض البضاعة للسرقة وخسائر النقل، وأحيانا يضطر صاحب المصنع إلى نقل الحاويات بالطيران للحاق بالبواخر فى المواعيد المخصصة لها، وبذلك ترتفع التكلفة التصديرة عليه من 2000 دولار للحاوية الواحدة التى كانت تنقل من خلال النقل البحرى إلى 20 و25 ألف دولار بنقلها من خلال الطيران، مشيرًا إلى أن خسارة كبيرة جدًا يتعرض لها الصناع من جراء هذه الأحداث.
ولفت النظر إلى أن أصحاب المصانع سيغلقونها تمامًا إذا استمر الوضع لأكثر من شهر، وسيهرب العملاء الأجانب إلى دول أخرى. الركود يضرب التجارة الداخلية و20٪ نقصًا فى السلع على مستوى التجارة الداخلية بالمحافظة، أغلق عدد من المحال التجارية، خصوصًا محلات الذهب، لكن لم ترتفع الأسعار بشكل كبير باستثناء الخضراوات والفاكهة، وشكا التجار من حالة الركود الشديد التى تعدت ال70٪ نتيجة تخوف المواطنين من المستقبل، وبالتالى تقليلهم لكميات البضائع المشتراة، واقتصارها على الضروريات فقط.
وخلال جولة الشروق الميدانية بشوارع بورسعيد التجارية، اشتكى التجار من تراجع وانكماش حركة البيع بشكل لم يسبق له مثيل، قدره البعض بنسبة تفوق ال70٪.
وقال أحمد عبد الخالق صاحب محل سوبر ماركت، إن حركة البيع انخفضت جدًا واكتفى المواطنون بشراء السلع الضرورية فقط، كما ساهم عدم انتظام المدارس فى تردى الحركة التجارية.
وشهدت أسعار الخضراوات والفاكهة ارتفاعا ملحوظا، أرجعه التجار إلى نقص الكميات المعروضة نتيجة قلة الوارد منها إلى المحافظة بسب تعطل حركة النقل وتخوف السائقين، فضلا عن ارتفاع أسعار الوقود.
وقال رئيس الغرفة التجارية ببورسعيد محمد المصرى، إن الحياة التجارية ببورسيعد مشلولة نتيجة لإحجام السائحين داخليا وخارجيا، والمدينة معتمدة على التجارة، وبها أكثر من 82 ألف محل تجارى، ولا ينقصها سوى توافر الخدمات الجيدة، التى إذا أتيحت فستدر للدولة أكثر من 5 مليارات جنيه سنويا.
وأوضح المصرى أن العصيان المدنى أدى إلى توقف الحركة التجارية تماما، ومعاناة المواطنين من نقص السلع الغذائية بنسبة 20%، إضافة إلى تراجع حركة نقل المواد الخام للمصانع، بسبب الإضرابات السياسية بالقاهرة وبعض المحافظات، علاوة على توقف حركة العمل بالنقل بسبب العصيان المدنى.
وأضاف المصرى أن مخزون المواد الغذائية الذى اشتراه الأهالى بعد الإعلان عن العصيان المدنى يكفى لعدة أيام فقط، وينتظر أن تزيد معاناة شعب بورسعيد من نقص السلع خلال الأيام المقبلة.
ولفت المصرى إلى أن المحال التجارية أغلقت أبوابها بنسبة 70%، بالإضافة إلى أن موظفى الجمارك متوقفون عن العمل ومنضمون إلى العصيان المدنى، الأمر الذى أدى إلى توقف عمليات الصادرات والواردات بميناء بورسعيد تماما.
وأشار المصرى إلى توقف العمل بالموانئ والمنافذ الجمركية، مؤكدًا أن عملية تفريغ الشحنات الواردة لميناء بورسعيد متوقفة بنسبة 50%، الأمر الذى سيؤدى إلى تلف بعض تلك الواردات خاصة الغذائية منها.