أثار برنامج تلفزيون جديد يعرض قصصا وتجارب حياتية من واقع مواطنين مغاربة، تبثه قناة "ميدي 1 تي في" جدلا بين مؤيدين لفكرته باعتبار البرنامج يساهم في التوعية الاجتماعية للمشاهدين، وبين رافضين لمضمونه وطريقة معالجته للمشاكل المطروحة. وفيما انبرى المدافعون بالقول: إن برنامج "قصة الناس" يتميز بفكرة جريئة، ويسرد قصصا واقعية مثيرة قريبة من نبض المواطن العادي، فإن المنتقدين ركزوا على كونه برنامج "يقتات" أساسا من مشاكل المغاربة، وبأنه عبارة عن نشر للغسيل وفضح للأسرار الشخصية والأسرية أمام ملايين المشاهدين.
ويعرض البرنامج الذي تقدمه الشاعرة الزجالة نهاد بنعكيدا، قصص أناس يحضرون إلى "البلاتوه" لسرد تجاربهم الشخصية في مواضيع مثيرة ومتنوعة تتطرق إليها حلقات هذا البرنامج، من قبيل الخيانة الزوجية والاتهام بالباطل، والإفراط في الاقتراض، والأبناء الذين يحولون حياة آبائهم إلى جحيم، وغيرها من القضايا الاجتماعية.
وحضر حلقة "الخيانة الزوجية"، على سبيل المثال، ضيوف اعتبروا أن حياتهم تدمرت بسبب الخيانة الزوجية لشركاء حياتهم، وتحدث رجال ونساء متزوجون منذ فترة قصيرة وآخرون منذ أزيد من 20 عاما عن مشاعرهم وهم يتعرضون لخيانة الطرف الثاني، أو الذين اتهموا بالخيانة الزوجية بدون دليل واضح، فكانت النتيجة هي انفصال الزوجين.
وبالنسبة لعدد من المشاهدين الذين تحدثت إليهم "العربية. نت" فإن برنامج "قصة الناس" مفيد ومثير للاهتمام؛ لأنه لم يسبق للتلفزة المغربية، بمختلف قنواتها، أن بثت برنامجا يقدم فيه الناس حكاياتهم بكل صراحة وجرأة في مواضيع كانت إلى وقت قريب تعتبر من "التابوهات" الاجتماعية التي لا يجدر طرقها بالنسبة للبعض.
ويعتبر القائمون على البرنامج ذاته، أن "قصة الناس" برنامج اجتماعي وحواري يهدف إلى نشر التوعية الاجتماعية بين المشاهدين بمختلف فئاتهم، وأيضا إلى تقاسم قيم المجتمع وتبادل الأفكار والتجارب الحياتية؛ وذلك من خلال بث قصص رجال ونساء مليئة بدروس وتجارب الحياة".
الدكتور محجوب بنسعيد، الخبير في مجال الاتصال، قال إن حديث المشرفين على البرنامج بشأن "تقاسم قيم المجتمع" يتضمن مغالطة غير مفهومة، كأن البرنامج يدعو إلى تقاسم قيم الخيانة والإدمان والانحراف بشتى أنواعه، علما أن القيم مفهوم إيجابي وممارسات وسلوكيات نموذجية".
وأفاد بأن البرنامج لم يقدم شيئا جديدا؛ لأن هذه المشاكل والحوادث الاجتماعية ينشر يوميا في الصحف الورقية والإلكترونية المغربية تقارير مستفيضة عنها، كما تخصص لها برامج إذاعية وتلفزية بأسماء مختلفة مثل برنامج "الخيط الأبيض" و"بدون خجل" وغيرهما.
وحول إقبال الجمهور على مشاهدة مثل هذه البرامج التلفزية، عزا ذلك إلى ما سماه الاستقلال الفظيع لحضور قضايا الناس ومشاغلهم في التلفزيون المغربي الذي تحتكره الأخبار الرسمية والمواضيع التي تتناولها الدراما الأجنبية، وبالتالي تكون النتيجة المحققة ذات علاقة بالإشباع النفسي والتماشي مع مشاكل منتشرة ومعروفة.
واستطرد بنسعيد، أن "البرنامج المذكور لا يقدم حلولا لمشاكل اجتماعية عويصة تتقاطع فيها عوامل اقتصادية وثقافية وتربوية وسياسية"، مشيرا إلى أن البرنامج يقتات من مشاكل مواطنين مغاربة، وميزته الوحيدة أنه يتيح للمواطنين التعبير عن مشاكلهم الحميمية في ظل عدم فعالية فضاءات اجتماعية وثقافية وتربوية تستعمل عادة لهذا الغرض، مثل دور الشباب والنوادي النسائية والمصحات النفسية في المغرب.
ومن جهته، قال الباحث في العلوم الشرعية عبد الكريم القلالي، في تصريحات للعربية نت: إن همَّ بعض وسائل الإعلام هو تحقيق نسب مشاهدة عالية بغض النظر عما يترتب على المعروض من مفاسد، وبرنامج "قصة الناس" مثال واضح على ذلك.
ويشرح القلالي بأن البرنامج يستضيف أحيانا أشخاصا للبوح بأسرار لا يجوز ذكرها للناس شرعا، سواء كانوا فاعلين أو مفعولا بهم، مستدلا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا ثم يصبح وقد ستره الله عليه، فيقول يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه".
وتابع الباحث، أن الذين ينشرون تلك القصص لا يخلو أمرهم من حالين: أن يكشفوا معصية سترها الله عليهم؛ فيصدق عليهم الحديث السابق، أو أن يكشفوا سرا لأحد من الناس؛ فيصدق عليهم قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يستر عبد عبدا في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة"، وقوله: "من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله".