ردا على "فيتو"، رئيس جامعة حلوان يكشف الوضع المادي للجامعة وحقيقة إنشاء فرع دولي خارج مصر    الأطباء تدعو أعضاءها للمشاركة في انتخابات التجديد النصفي    بيان من هيئة الاستعلامات للرد على تواجد القوات المسلحة في سيناء    شعبة الخضراوات عن جنون أسعار الطماطم: هترتفع تاني حتى هذا الموعد    مشهد مأساوي لا يوصف، مدير مستشفى غزة يستقبل جثامين شقيقه وأقاربه أثناء أداء عمله (فيديو)    بالرغم من ارتفاع عدد الشهداء.. جيش الاحتلال يُواصل هجومه على مدينة غزة    الهيئة العامة للاستعلامات: قواتنا في سيناء تستهدف تأمين الحدود ضد كل المخاطر    أسامة الدليل: حماس وإسرائيل متفقان على تهجير الفلسطينيين.. ومصر ترفض انتهاك سيادتها    يرتدي زي الطبيب وراكع من الحزن.. تفاصيل استقبال مدير مستشفى غزة 6 أفراد من عائلته أثناء عمله    مارسيليا ضد سان جيرمان، مصير غامض ل كلاسيكو الدوري الفرنسي لسبب خارج عن الإرادة    مصدر في الزمالك يكشف حقيقة هروب شيكو بانزا    منتخب مصر للشباب يفوز بخماسية في أولى مبارياته الودية استعدادا للمونديال    مصدر يكشف موقف إمام عاشور من مباراة الأهلي أمام حرس الحدود    لانس يوقف انتصارات ليل بفوز ساحق في الدوري الفرنسي    فالنسيا يفوز على أتلتيك بيلباو 2-0 في الدوري الإسباني    وفاة شخص وإصابة آخر بطلق ناري خلال مشاجرة بدلجا بالمنيا    الأمن يفحص فيديو التعدي على ممرضة وإصابتها بجرح ذبحي وسرقة هاتفها بالمنوفية    قبل ساعات من بدء فصل الخريف، الأرصاد تحذر من حالة الطقس اليوم الأحد    الأرصاد: تقلبات جوية متوقعة مع بداية فصل الخريف الأسبوع المقبل    فيتنام تفوز بلقب "إنترفيجن 2025" وقرغيزستان وقطر في المركزين الثاني والثالث    بعد 9 سنوات من المنع.. صورة افتراضية تجمع حفيد الرئيس مرسي بوالده المعتقل    برأهم قاض امريكي.. الانقلاب يسحب الجنسية من آل السماك لتظاهرهم أمام سفارة مصر بنيويورك!    أسعار الأدوات المدرسية فى أسيوط اليوم الأحد    التبادل التجاري بين مصر وسنغافورة يسجل 137 مليون دولار خلال النصف الأول من 2025    12 معلومة عن النائبة الهولندية إستر أويهاند بعد ارتدائها علم فلسطين: أسست حزبًا اسمه «من أجل الحيوانات» وتحتفظ بمقعدها البرلماني منذ 19 عامًا    محافظ كفر الشيخ: إنشاء 3 أسواق حضرية تضم 281 باكية لنقل الباعة الجائلين    مظهر شاهين: أتمنى إلقاء أول خطبة في مسجد عادل إمام الجديد (تفاصيل)    سعر الدولار الآن أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية قبل بداية تعاملات الأحد 21 سبتمبر 2025    العثور على جثة موظف بالمعاش في حالة تعفن بدمنهور    تحطيم «الفص» وإخفاء الأثر.. تفاصيل جديدة في تحقيقات سرقة إسورة ذهبية من المتحف المصري    خبراء الفلك يكشفون أسرار كسوف الشمس اليوم..حدث محكوم بحسابات دقيقة وأرقام علمية    وزير السياحة: سرقة أسورة المتحف المصري تصرف دنيء..27 ألف موظف بالأعلى للآثار يشعرون أنهم طُعنوا    عيار 21 الآن يعود لسابق عهده.. أسعار الذهب تنخفض 320 للجنيه اليوم بالصاغة (آخر تحديث)    حسام الغمري: خبرة بريطانيا التاريخية توظف الإخوان لخدمة المخططات الغربية    10 معلومات عن مي كمال الدين طليقة أحمد مكي: طبيبة تجميل تحب الحيوانات وتعتبر والدتها سندها الأساسي    ندوة «بورسعيد والسياحة» تدعو لإنتاج أعمال فنية عن المدينة الباسلة    قلق بشأن الوالدين.. حظ برج الجدي اليوم 21 سبتمبر    بيلا حديد تعاني من داء لايم.. أسباب وأعراض مرض يبدأ بلدغة حشرة ويتطور إلى آلام مستمرة بالجسم    ميلان يكتسح أودينيزي بثلاثية ويواصل مطاردة صدارة الكالتشيو    وزير الشؤون النيابية يستعرض حصاد الأنشطة والتواصل السياسي    تفاصيل لقاء اللواء محمد إبراهيم الدويرى ب"جلسة سرية" على القاهرة الإخبارية    حسام الغمري: التطرف الإخواني خرج من رحم المشروع الصهيوني    البرلمان العربي: انتخاب السعودية لمجلس محافظي الطاقة الذرية مكسب عربي    «البحيرة» تحتفل بعيدها القومي وذكرى الانتصار على «حملة فريزر»    محمد طعيمة ل"ستوديو إكسترا": شخصيتي في "حكاية الوكيل" مركبة تنتمي للميلودراما    حسام الغمري ل ستوديو إكسترا: التطرف الإخواني خرج من رحم المشروع الصهيوني    روني سالا الرئيس التنفيذى لمجموعة «بيريل أرت»: بطولة «إيزى كارت مصر» حققت تقدمًا ملحوظًا في مستوى الأداء    وزير الري الأسبق: ملء مخزون الطوارئ بالسد الإثيوبي يمثل تهديدًا مباشرًا للسودان    مستشار الرئيس للصحة: زيادة متوقعة في نزلات البرد مع بداية الدراسة    من فيينا إلى الإسكندرية.. "ملك السندوتشات" حكاية الخبز الأكثر شعبية فى مصر    وزيرة التضامن تشهد احتفالية تخرج طالبات كلية رمسيس للبنات    عالم أزهري يوضح سبب ذكر سيدنا إبراهيم في التشهد    مواقيت الصلاة اليوم السبت 20سبتمبر2025 في المنيا    على هامش فعاليات مؤتمر ومعرض هواوي كونكت 2025.. وزير الصحة يلتقي مسئولي «ميدبوت» للتعاون في تطوير التكنولوجيا الطبية والجراحة الروبوتية ( صور )    موعد صلاة العصر.. ودعاء عند ختم الصلاة    بالصور.. تكريم 15 حافظًا للقرآن الكريم بالبعيرات في الأقصر    المرحلة الثانية لمنظومة التأمين الصحي الشامل تستهدف 12 مليون مواطن    دعاء كسوف الشمس اليوم مكتوب كامل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما ذنب الحواجز الخرسانية؟
نشر في الشروق الجديد يوم 28 - 01 - 2013

فى الفيلم الذى رشح لسبع جوائز أوسكار وفاز بجائزة الدب الذهبى لمهرجان برلين السينمائى عام 1998 يدور صراع دموى وعبثى هائل للسيطرة على تبة على جزيرة منعزلة لا يقطنها أحد على أساس أنها ذات أهمية استراتيجية بالغة فى حرب كبرى بين طرفين لا نتعرف عليهما تماما. لا يكشف لنا مخرج فيلم «الخط الأحمر الرفيع»، تيرانس ماليك، حتى وجه العدو الذى يقاتله أبطاله الذين يموتون واحدا تلو الآخر من أجل انجاز تلك المهمة، بينما يظهر هؤلاء المحاربون الأشداء كبشر، يخافون ويحلمون ويحبون ويكرهون. يدين ماليك فى «الخط الأحمر الرفيع» بعبثية المهمة عبثية الحرب الاستعمارية المصنوعة لخدمة المصالح صانعة الحروب.

فى مصر شاهدنا معارك شوارع خلال الأيام الماضية تبدو عبثية من حيث ما يهدف له الطرفان المتقاتلان أيضا. المتظاهرون يضحون بحياتهم راضين من أجل السيطرة على شارع قصر العينى، أو مبنى محافظة السويس، أو دخول مقرات حزب الحرية والعدالة وتواجههم الشرطة بمنتهى العزم والشراسة، بحيث لا مانع من موت العشرات من أجل حماية مبنى أو الإبقاء على أحد الشوارع مغلقا كما خططت الداخلية. وفى أحد البرامج التليفزيونية قبل يومين، استنكر المتحدث الإعلامى لجماعة الإخوان المسلمين أحمد عارف أن تكون لهؤلاء الذين يخوضون تلك المعارك أية علاقة بالثورة متسائلا: لماذا يهاجمون المبانى ويرمون الحجارة، لماذا يهاجمون الحواجز الخرسانية؟ الحقيقة أن تلك المعارك التى تقتل فيها الداخلية المصرية عشرات المواطنين وتجرح المئات ليست بعيدة عن تطور الثورة المصرية والنقطة التى تقف عندها حاليا، وهى بمنطق هذا لا تتسم بتلك العبثية التى تشتبه علينا إن قارناها بفيلم تيرانس ماليك النادر.

مرايا الثورة

يتذكر البعض الثورة كما شاركوا فيها: بكنس وتنظيف ميدان التحرير أو الشارع الذى يسكنون فيه يوم 12 فبراير. ويتذكرها البعض الآخر من زيارات قام بها للتحرير فى أيام المليونيات المحتشدة. ويتذكرها آخرون وهم يستدعون رفاقا سقطوا فى دمائهم بجانبهم على كوبرى قصر النيل وهم يحاولون المرور بأى شكل لميدان التحرير، أو كما يتذكرها من شاركوا فى حرق مقار أمن الدولة فى قرى ومراكز بعضها كان هذا أول وآخر تعبير عن الثورة عندهم. تختلف الصور كثيرا باختلاف التجربة والموقع مما حدث بعد يناير 2011. تحب الطبقات الاجتماعية المختلفة أن تعيد تركيب التاريخ على صورتها ومصالحها وطريقة تفكيرها، وهكذا تتحول ثورة يناير إلى ثورة سلمية ل«الشباب الطاهر البرىء» لدى البعض على غير الحقيقة، والثورة التى سقط فيها ألف شهيد وآلاف الجرحى واحترقت فيها مقرات المحافظات وأمن الدولة وأقسام الشرطة والحزب الوطنى عملا سلميا خالصا «لا يشبه على الإطلاق ما نراه الآن».

لم يكن الإصرار على دخول التحرير هدفا عبثيا، ولم تكن الدماء التى سقطت من أجله تعبيرا عن مصالح خارجية أو اغتراب كمقاتلى «الخيط الأحمر الرفيع» بل كانت جزء من مواجهة كبرى أدركها من خاضوها ضد السيطرة الاجتماعية لحكام النظام وقوات ردعه بالأفكار والسلاح. يثبت هذا أن تلك المواجهات لم تكن اختراع الثورة أصلا. فعلى مدى السنوات التى سبقتها شهدت شوارع مصر صورا مماثلة لهذا الغضب وهذه المواجهات بقطع الطرق ومواجهة الأمن المركزى وغيرها وإن على نطاق أضيق بطبيعة الحال. ولنتذكر معا أحداث كنيسة العمرانية والمواجهات التى شارك فيها مسلمو ومسيحيو المنطقة معا بنفس الطريقة ضد قوات الشرطة. الأكثر من هذا: هذا النوع من مواجهات الشوارع ليس ظاهرة مصرية والأسباب متشابهة: الطريقة التى تدير بها الطبقات الحاكمة وقوات قمعها أدوات السيطرة الاجتماعية فى الخارج وعندنا.

الحواجز الخرسانية والقمع الاجتماعى

يوسع هذا الكتاب الصادر فى 2011 عن دار نشر جامعة نيويورك، تحت عنوان: «إغلاق الشوارع: العنف السياسى والسيطرة الاجتماعية فى عصر العولمة» مفهوم السيطرة الاجتماعية لما هو أكثر من عمل الشرطة المباشر لتحجيم التظاهر والاحتجاج. يطور الكتاب الثلاثة: آمورى ستار ولويس فرنانديز وكريستيان شول، بناء على تجربة مباشرة فى 17 احتجاجا لمناهضة العولمة فى 17 قمة دولية، مفهوما شاملا للسيطرة الاجتماعية يلعب الحيز فيه والمكان دورا محوريا. القمع فى هذا المفهوم يمتد ليشمل مجموعة واسعة من الأدوات التى تبدو ناعمة: كاختراق الحركات الاجتماعية، الحرب النفسية، المراقبة والمتابعة، السيطرة على الحيز المكانى.

«تكتيكات الشرطة تعمل لكى تعرف الاحتجاج على أنه إجرامى، ومن ثم غير شرعى. هذا التصوير يختصر المصالح المزعومة للنخب وغير النخب فى الوقت نفسه الذى يصغر فيه من شأن السياسة التى يطرحها المحتجون ويتجاهلها. هو أيضا يبث رسالة للمحتجين والذى يفكرون فى الاحتجاج أن ما يفعلونه على عكس ما قد يكونوا اعتقدوه عندما بدأوا ليس مهما لمنفعة المجتمع بل على العكس غير مفهوم وشاذ وغير آمن. وقد يستجيبون بأن يجعلوا احتجاجهم عاقلا ومبهجا ومرتبطا. وقد يستجيبون باعتناق ثقافة فرعية تستهجن الأفكار السائدة». يسمى الكاتبان هذا تهميش الحركات الاجتماعية ويربطان بينه وبين ظهور تنظيمات الاحتجاج ك«الكتلة السوداء» أو البلاك بلوك التى ظهرت فى مصر مؤخرا، كوسيلة لمواجهة العنف السياسى للدولة فى عمومه.

وينطبق مفهوم الكتاب عن عنف الدولة السياسى، الذى يفرز مقاومته، بعناصره الثلاثة على مصر: الأول هو الاقتصاد السياسى: التكلفة الباهظة ل«التأمين» للمبانى والقمم. ويستعرض الكتاب الملايين التى دفعتها أوروبا وأمريكا لتأمين قمم مجموعة الثمانى ومنظمة التجارة العالمية وغيرها على مدى العقد الماضى. ويسأل السؤال: من يوفر هذه المعدات للشرطة وعلى حساب من وبأى تكلفة؟ بل وعلاقتها بالمجمع الصناعى العسكرى فى الولايات المتحدة. وفى مصر، وضعت موازنة العام الحالى موازنة أجور لديوان عام وزارة الداخلية فقط تبلغ 2.2 مليار جنيه، بينما يقفز العجز الممول من الموازنة لديوان عام الوزارة ومصلحة الأمن والشرطة إلى 17.5 مليار جنيه. ويكشف الاعتماد الإضافى ب50 مليار جنيه الذى أقره الرئيس مرسى عن بند بمليار جنيه تحت اسم ضرورات وطنية حتمية غالبا أمنية. وبينما لا تقوم الشرطة بمهام حماية البيوت وتنظيم الشوارع كانت القطاع الذى انكشفت عليه علائم النعم فى زمن التقشف بزى جديد وأسلحة جديدة وغاز جديد (مستورد من حماة الديمقراطية فى واشنطن) بل وطائرات هليكوبتر. الداخلية أولوية فى عصر الرئيس المنتخب بنفس وجوهها ومهمتها السابقة، أولوية فى الاقتصاد السياسى لا تتمتع بها الصحة ولا التعليم.

أما العامل الثانى، وهو ما يبدو عبثيا لكنه ليس كذلك، فهو جغرافى ومكانى: السيطرة على شوارع معينة لتحجيم الاحتجاج وتقييده، إغلاق مناطق كاملة بأسوار وحواجز خرسانية، استخدام الأسلاك الشائكة.. الخ. ومعها التحكم فى حركة الأفراد (كما نرى مع أبناء سيناء مثلا). ويقود هذا العامل الذى كان موجودا دائما فى مصر لكنه تفاقم مؤخرا، إلى العامل الثالث وهو السيطرة الاجتماعية التى تستخدم أيضا الإجراءات الشرطية المعتادة: «اتهامات بالمؤامرة، اعتقالات جماعية وقائية، هجوم الشرطة حتى على التجمعات السلمية، التجريم المتزايد للاحتجاج بوضع خسائر المبانى فى نفس خانة الجرائم العنيفة حتى الارهاب، وعسكرة البوليس وحتى مشاركة الجيش نفسه فى مواجهة الاحتجاجات»، يقول الكتاب وكأنه يتكلم عن مصر.

هذه درجة هائلة من العنف السياسى الذى مازال يستخدمه حكامنا لتجريم وتشويه واستعادة السيطرة الاجتماعية على المجال العام فى مصر. ويجلب هذا العنف آثاره على الحركة الاحتجاجية كما أصبحنا نراها فى مصر (نفس الشىء حدث فى أوروبا) بخلق واحد من أثرين بحسب الكتاب: محتجون ينأون بنفسهم عن المواجهة ويبتعدون حتى عن بعض الوسائل السلمية فى الاحتجاج حماية لصورتهم، وتنظيمات مغلقة تحارب معركتها بانفصال عن رافد الحركة الاجتماعية الواسع.

تستطيع أن تختلف مع التحول الذى شهدته الشوارع فى الأيام الأخيرة كما تشاء من زاوية هل هى أنسب صياغة تنظيمية وسياسية لاستكمال الثورة التى مازال النظام يشن حربه لإعاقتها ودحرها وإصابتها بالعقر، لكن المواجهة على الحواجز الخرسانية ليست عبثية كحروب من يصنعون القنابل المسيلة للدموع ويصدرونها لمصر والتى يدينها فيلم ماليك. والدماء التى تسيل، فتدمى قلوبنا، تسيل فى ساحة التحرر من سيطرة القمع الاجتماعى ومن عنف الشرطة ومن يقفون وراءها. نعم هو ذنب الحواجز الخرسانية ومن يحتمون بها من الشعب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.