يوم 25 يناير 2011، تواجدت فى مجلس الشعب، للحصول على جدول أعمال جلسات الأسبوع القادم، هذا اليوم هو عيد الشرطة، واختاره الشباب للقيام بمظاهرات ضد نظام مبارك، لإقالة حبيب العادلى وزير الداخلية ورفض توريث الحكم، وجعل مدة الرئاسة فترتين فقط، والاحتجاج على الفساد، بدأ الشباب مظاهراتهم من وسط البلد أمام دار القضاء العالى، وعندما خرجت من مجلس الشعب، لاحظت تخفيف مرور السيارات فى ميدان التحرير، وتمت إحاطته بحواجز ورقية، للحد من كثافة المواطنين والسيارات فى هذه المنطقة، وعندما حاولت رفع الحاجز الورقى للمرور من تحته والعبور إلى منطقة عبدالمنعم رياض مع باقى المارة، منعنا ضباط الحراسة، ونصحونا بالسير فى شارع قصر النيل، وأخبرونا بأنهم مكلفون بتأمين ميدان التحرير، وفجأة تدفق آلاف الشباب الثائر على الميدان، وعندما وجدوا عدم استجابة النظام لمطالبهم، رفعوا السقف، إلى رحيل مبارك، ورحل النظام بالكامل، بعد سقوط عشرات الشباب من أغلى زهور مصر. ومر العام الأول وعاشت فيه مصر فترة انتقالية عصيبة أدارها المجلس العسكرى، ولم تتحقق جميع مطالب الثورة، وأهمها القصاص للشهداء وغير الشباب شعارهم إلى ارحل للمجلس العسكرى، وتحول الحاجز الورقى إلى حواجز خرسانية تدل على عنف المواجهة، بحجة حماية المنشآت المهمة فى شارع قصر العينى، وفى مقدمتها السفارة والجامعة الأمريكية ومجلسى الشعب والشورى والوزراء، ودارت معارك ساخنة خلف الكتل الخرسانية، وسقط فيها شهداء ومصابون، وكنت عندما أحاول دخول مجلس الشعب، أو المرور فى قصر العينى أقطع مسافات طويلة للابتعاد عن الشوارع المسدودة بالجدران العازلة، وهى غالباً معظم شوارع محيط وزارة الداخلية، وكنت أحياناً أقلد المواطنين المتسلقين لهذه الجدران، وكان الرجال والسيدات يساعدون بعضهم على عبور هذه الحوائط الخرسانية. وجرت الانتخابات البرلمانية تحت حكم العسكر، واستطاع التيار الدينى أن يحصل على أكثرية المقاعد فى مجلسى الشعب والشورى عن طريق استغلال الدين فى الدعاية الانتخابية، وترهيب الناخبين، بفتاوى الجنة والنار، واستغلال الفقراء عن طريق الزيت والسكر، ثم جرت الانتخابات الرئاسية، وفاز مرشح الإخوان الدكتور محمد مرسى بالرئاسة بفارق ضئيل عن الفريق أحمد شفيق، وبطريقة مفاجأة أحال مرسى، المشير طنطاوى والفريق عنان للتقاعد، وبدأ حكم الإخوان. اشتعلت الأحداث مع بداية حكم مرسى، وسقط مئات الشهداء والمصابين فى عدة مواجهات خرج فيها الشباب للتظاهر، بعد كشف الإخوان عن مخططهم للسيطرة، على مفاصل الدولة، وقيام الرئيس مرسى بإصدار إعلانات دستورية همشت القضاء والإعلام، وإصدار دستور مشبوه طائفى يحقق أهداف الدولة الدينية فقط. ومع قرب الاحتفال بالعام الثانى للثورة، عادت الكتل الخرسانية تحاصر المنشآت المهمة فى قصر العينى والتحرير ومحمد محمود، كما كانت فى بداية الثورة، وهذا أكبر دليل على أن الثورة عادت إلى نقطة الصفر، لأنها لم تحقق أهدافها الرئيسية وهى القصاص من قتلة الشهداء، وإرساء دولة العدل. وعندما توجهت يوم الإثنين الماضى، إلى مجلس الشعب الذى تحول إلى مجلس النواب فى دستور الإخوان عشت يوماً حزيناً مع آلاف العابرين لمنطقة وسط البلد فى قطاع الغرب التابع لحى عابدين ومناطق جاردن سيتى والسيدة زينب وقصر العينى بعد إغلاق هذه المناطق بكتل خرسانية أبشع مما كان، وأصبح على المستعجلين للوصول إلى أعمالهم القفز من فوق سور حديدى فى منطقة ضيقة خلف مبنى الأمن العام، يزيد ارتفاعه على مترين باستخدام جزء من سلم فى جهة، وكميات من البلاط الأسمنتى تستخدم سلماً من الجهة الأخرى، ويقف المصريون فى طابور طويل من جهة ويقف آخرون منهم فى طابور آخر من الجهة الأخرى لعبور السور الحديدى بالدور فوق أسياخ مدببة تعرض حياتهم للخطر، وللأسف يحدث ذلك بالقرب من السفارة الأمريكية، وعبرت الحاجز الحديدى بصعوبة فى المرة الأولى وعند عودتى فشلت فى اجتياز الأسياخ وكان على الوصول إلى ميدان التحرير عن طريق كورنيش النيل من منتصف جاردن سيتى، وأمس الأول دارت معركة شديدة بين أجهزة الأمن المكلفين بتأمين الاحتفالات بالعام الثانى للثورة، وبين المتظاهرين الذين حاولوا هدم الجدار الخرسانى للعبور إلى شارع قصر العينى، وسقط بعض المصابين من الأمن والمتظاهرين. مصر بعد عامين من الثورة ترتدى «قميص جبس».. مصر مصابة بأزمة سياسية، ومازالت تبحث عن ذاتها، والحلول بأيدى أبنائها ويستطيعون استبدال وجهها الجميل بصورتها العابثة فى العام الثالث للثورة إذا أرادوا.