بدخولك حي باب الشعرية، ما عليك سوى أن تسأل عن «درب البرقي»، تلك «الحارة» التي لا زالت محتفظة باسمها الأصلي ومعالمها القديمة ومساكنها البسيطة؛ لتجد نفسك أمام واحد من بضع مصانع «العروسة الحلاوة» في أنحاء الجمهورية، يأخذ تلك الصناعة المصرية من الألف إلى الياء، التي تسلك طريقها نحو الانقراض، أمام اكتساح العروسة «البلاستيك الصيني» الأسواق. داخل المصنع، يظهر خارجيًّا أنه غير مجهز تمامًا في ركن داخل «درب» في شوارع كثيرة متداخلة، إلا أنه فعليًّا مجهز ومخصص لصناعة السكر ومنه «عروسة المولد والحصان» وغيرهم من الأشكال المبتكرة، بالإضافة إلى جزء خاص ب«حلاوة المولد».
15 دقيقة فقط هي مدة تحويل قطعة من السكر إلى عروسة «حلاوة»، كما هو متعارف عليها، «فمن إذابة السكر وغليه ثم وضعه في القوالب لتبرد إلى نقله للتزيين ثم العرض»، هذه هي خطوات عمل العروسة بالسكر كما يقول الحاج «سعد» مشرف الفرن، الذي خصص هذا الوقت من العام وترك عمله الأصلي، ليتابع عمل الفرن.
«البيع بالكرتونة وليس بالكيلو»، هذه هي كلمات المشرف على الفرن، إذا اقترب أحد من كرتونات عرائس المولد، فإن كان أحد يظن أن هذه الحلوى لن تباع، فهو لم يذهب إلى أحد المناطق الشعبية، التي بدأت الاحتفال بالمولد النبوي قبل قدومه بأسابيع.
في ورشة مجاورة، تنتقل عروسة المولد إلى المرحلة الأخيرة؛ حيث التزيين، بقطع قماش ملونة وألون «صحية» كما أكد العاملون في المصنع، لتخرج إلى المحلات في باب الشعرية وجميع المناطق الشعبية، التي حافظت على بيع وشراء العروس الحلاوة منذ زمن طويل إلى الآن، حتى تحولت لتصبح عادة لديهم.
يقول أحد العاملين بالمصنع «هذا اليوم بالنسبة لنا، يوم للاحتفال بسيدنا محمد عليه السلام، أترك عملي وأساعد هؤلاء الناس حتى آخذ من هذه الصناعة بهجتها والمشاركة فيها، حتى وإن لم يعد يهتم الناس بشرائها»، ويضيف قائلاً: «المصانع التي تصنع هذه العرائس معدودة جدًا، فالبلاستيك هو الأساس الآن والمنتشر، ولكن تظل (العروسة الحلاوة) هي الأصل، ونبيعها داخل مصر وخارجها بأعداد كبير جدًا، فكل عام تأتي طلبيات من سوريا ودول أخرى».
وعن شائعات أن السكر غير مفيد أو يسبب تلوث وانتشار للحشرات، يقول العامل في المصنع «هذا غير صحيح، فهذا السكر كل ما يمكن أن يحدث له أن يتكسر مع الوقت، ولكنه صحي جدًا، كما أن الألوان المستخدمة في التزيين غير مضرة إطلاقا».
مصنع صغير أقرب إلى ورشة في حي غير معروف، يعمل به الرجال والنساء والأطفال، في حرفة على وشك الانقراض، إن لم تكن انقرضت في أذهان البعض، ومع ذلك، كان لديهم تحفظ كبير على أن تدخل وسيلة إعلامية مكانهم، حتى لو لتظهر هذه الصناعة إلى الجمهور، «فنحن نصنع هذه الحلوى حبًا في الصناعة وحبًا في رسولنا الكريم»، ومع وصول كرتونة عرائس المولد لتدخل مرحلة التزيين يهلل أطفال الورشة «عرايس حلاوة وصلت تاني»، وكأن المكان يعيش هذه الأيام كالعيد.