تأتي أجواء الاحتفال بالمولد النبوي هذا العام مختلفة عن أي عام سابق حيث يتواكب مع ذكري ثورة 25 يناير والأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تمر بها البلاد مع هذا نجد إصراراً من أبناء الشعب المصري بمختلف طوائفه علي استمرار شراء حلوي المولد وإن كانت بكميات أقل تعبيراً عن التمسك بمظاهر الاحتفال حتي في أصعب اللحظات .. من هنا تأتي أهمية هذا التحقيق الذي التقينا فيه بالجماهير وأصحاب مصانع الحلوي والمؤرخين .. فماذا قالوا؟ في البداية التقت "عقيدتي" مع فئات مختلفة من الشعب للتعرف علي رؤيتهم لاحتفالات المولد النبوي الشريف.. * عبده سيد نجار يعمل في تخزين العروسة والحصان: أعمل في المهنة منذ صغري ولمدة 30 سنة أترك مهنتي الأساسية وبيتي وأسكن بالقرب من المصنع قبل الموسم بأيام وأشارك في إدخال التصميمات الجميلة علي تزيين العروسة والحصان. سواء بورق الكوريشة مصري أو مستورد أ تزيينها بالتُل. بالرغم من انتشار العرائس الصينية البلاستيك في السوق المصري إلا انها لم تستطع أبداً أن تحل محل العروسة الحلاوة المصرية التي هي سمة من سمات الاحتفالات بالمولد النبوي في مصر. خاصة الأحياء الشعبية. فكلنا وراء فرحة المولد محبة في رسول الله "صلي الله عليه وسلم". * توحيدة السيد "ربة منزل": أعمل في تزيين العروسة والحصان منذ 50 سنة. محبة في رسول الله ورغبة في استمرار هذه العادة التي تدخل الفرحة علي قلوب الأطفال في الأحياء الشعبية والراقية والمحافظات كلها وعليها إقبال كبير جداً في ألمانيا وفرنسا والسعودية. وبرغم قلة الإقبال عليها مقارنة بزمان إلا أن العروسة والحصان لها جمهورها ولن تنتهي. * نبوية أحمد "ربة بيت": أعمل في المهنة منذ صغري تعلمتها من أسرتي إذا تغيبت نشعر بالحزن لذلك أخرج للمشاركة في العمل قبل الموسم ب20 يوماً. أما زمان فكنا نخرج قبل الموسم ب4 شهور ونزيّن العروسة والحصان بمختلف أحجامها وأشكالها لجميع المستويات ويبلغ أعلي سعر للعروسة 25 جنيهاً. أما الحصان فيبدأ من 5 حتي 30 جنيهاً. * عم سيد فرغلي: مهنتي الأصلية عامل بناء. وأشارك في تزيين حلوي المولد منذ 50 سنة. كنت ساكن في الجمالية وبجوار البيت مصنع للحلوي. كنت أتابع وأشارك معهم في العمل. وأترك مهنة البناء وفي الستينيات كانت يوميتي 60 قرشاً في البناء و50 قرشاً في عمل الحلوي. وبالرغم من ذلك كنت غاوي الحلوي. فالمسألة ليست فلوس إنما رغبة في إدخال الفرحة علي قلوب المسلمين في مولد سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم. وللعلم فإن الاحتفال بالمولد في عهد الرئيس السادات كان يستمر 45 يوماً تطلق خلالها الصواريخ. أما أيام مبارك كاد الاحتفال بالمولد النبوي يتلاشي.. إلا أنه استمر حباً في سيدنا النبي صلي الله عليه وسلم. * حبيبة عبدالباري أصغر العاملين في مجال تزيين العروسة والحصان: أنا تلميذة.. أسكن في منطقة أبوزعبل. وحضرت للسكن عند جدتي بالدويقة لنكون قريبين من المصنع. جيت المهنة وخرجت مع جدتي من سنتين للعمل في تزيين الحصان الحلاوة بالرايات وحضرت الموسم ده ومرتبي اليومي 15 جنيهاً أدخرها لشراء ما أحبه. صانعو الحلوي * علي فرج العربي "صاحب ومدير مصنع حلوي المولد": ورثت المهنة أباً عن جد منذ سنة 1890 أيام كان باب البحر منطقة زراعية. وتخصص مصنعنا في تصنيع العروسة والحصان. وبالرغم من انها أصبحت مهنة غير مربحة زي زمان لأنها تُصنع يدوياً وببطء. لكننا نحرص علي المحافظة علي هذا التقليد.. وتلقي هذه المهنة إقبالاً كبيراً في شرم الشيخ والغردقة والإمارات ولها تصميم خاص ومغلفة.. بينما تلقي العروسة البلدي المزينة بالمراوح إقبالاً كبيراً علي كافة المستويات في مصر سواء في المناطق الراقية أو الأحياء الشعبية رغبة في ربط أطفالهم بالمواسم الدينية ومحبة في رسول الله "صلي الله عليه وسلم".. وهذه الصناعة دخلت إلي مصر مع الفاطميين. ومن الأعراف التي كانت سائدة في مصر حرص العريس علي شراء ما يسمي بالعروسة النفقة مهما كانت ظروفه المالية لتقديمها إلي العروس حيث يخرج مع أسرته في زفة كبيرة حتي بيت العروسة ليقدم لها هذه العروسة التي لا تقل أهمية عن الشبكة وبها يتم الزواج.. وجاءت الفتوحات الفاطمية بابتكار الحصان والجمل والسفينة لأنها كانت الأسلحة المستخدمة آنذاك.. ويقدم الحصان للأبناء الذكور.. ويتراوح سعر الكيلو من 10 إلي 15 جنيهاً ويتوقف سعر العروسة حسب التزيين. فالتزيين البلدي 15 جنيهاً. الافرنجي "بالتُل" 20 جنيهاً. ويتراوح سعر الكيلو المشكل من 10 إلي 15 جنيهاً. أما الحلوي بالمكسرات فيبلغ سعر الكيلو 20 جنيها مثل: بورما بندق وبورما فسدق وملبن سن بندق وآخر فسدق وسندويتش بندق وآخر فسدق قرص مخصوص والحلوي المعروضة هذا العام أقل من المطلوب لأن الخامات سعرها مرتفع وسوف أخرج من الحلبة لجمع أموالي من التجار قبل 25 يناير خشية أن يتعرضوا للإضرار في هذه الفترة. * عبده الصباغ: أعمل في قسم تصنيع العروسة والحصان من بداية غلي السكر ليصل إلي درجة الانصهار ويصب بعد ذلك في القالب المخصص له ثم مرحلة ملء القالب بعد التبريد ويذهب لقسم التزيين. أضاف ان الربح في هذا الموسم جيد وفرصة لمواجهة أعباء المعيشة. * شادي محمد "مهندس بحري- أحد البائعين في المصنع": أحرص علي المشاركة كل موسم لمساعدة صاحب المصنع في البيع. وجدت أن البيت المصري لا يستغني عن الحلوي التي تلقي إقبالاً واضحاً من كافة المستويات حتي ان أحد العاملين بالأمم المتحدة اشتري عروسة وحصاناً لأبنائه. كذلك الحال بالنسبة لمحدودي الدخل. إصرار المشترين وفي لقاء مع المشترين تقول عزة أحمد "موظفة بمصلحة الضرائب": مولد النبي موسم نحرص فيه علي إدخال الفرحة والتوسعة علي الأبناء قدر الإمكان واليوم حضرت لشراء علبتين لأسرتي وأهلي والحلوي في المصنع جميلة وطازجة لذلك نحرص علي الحضور لشراء ما نحتاجه فعلاً بعيداً عن المبالغة ويقوم صاحب المصنع بإهدائنا العروسة والحصان كل عام. تقول زميلتها نعمة رسلان: منذ 20 سنة أحضر إلي المصنع لشراء الحلوي لأن أسعارها تناسب الموظفين حلوة وطازجة ممكن نشتري علبة بسعر 100 جنيه يبلغ سعرها في المحلات 300 جنيه. وسوف أحضر في زيارة أخري مع زميلاتي المسيحيات لرغبتهم في شراء الحلوي. * عمرو جابر "موظف": كنت أشتري الحلوي من الدرب الأحمر والعبد وسمعت عن أحد المصانع التي تتسم بضاعتها بالنظافة و التنوع وتتناسب مع امكانيات الموظفين فحضرت لشراء علبتين لأسرتي وحماتي. تاريخ الحلوي عن تاريخ الاحتفال بحلوي المولد تقول الدكتورة مني الشاعر "أستاذ التاريخ الإسلامي جامعة الأزهر": قبل حضور الفاطميين لمصر كانوا يحتفلون بالمواليد الستة في الدولة العبيدية بالمغرب. وهذه المواليد هي: مولد رسول الله والإمام علي والسيدة فاطمة والحسن والحسين والخليفة الفاطمي الموجود حينذاك وانتقلت معهم هذه العادات إلي مصر. وكان تحت أيديهم امكانيات ضخمة في مصر فاحتفلوا بالأعياد المصرية القديمة والأعياد الشيعية. وكانت الحلوي تشعرهم بالاحتفال. فكانت تُصنع القناطير المقنطرة من الحلوي. خاصة في المولد النبوي وتعلق الزينات في كل أرجاء مصر. وتنتشر الأسمطة بالذبائح والحلوي. والتي تصنع في دار الفطرة وكانت توزع علي كبار رجال الدلة حتي الطبقات الدنيا وكان هناك نوعان من الحلوي. وهي التي توضع في الصواني والحلي اليابسة أي الجافة. استمرت هذه الاحتفالات طوال العصر الفاطمي والتي شهدت انحساراً ملحوظاً في عصر الدلة الأيوبية التي كان هدفها محو المذهب الشيعي. ولم يبق منه سوي الاحتفال بالمولد النبوي والعيدين. بينما عادت الاحتفالات بشكل بارز في العصر المملوكي وأقيمت أسمطة الحلوي والطعام في ساحات كبيرة وفي المولد النبوي كانت أغلب الحلوي اليابسة "السمسمية والحمصية". أما العروسة والحصان فقد ظهرت في عهد الحاكم بأمر الله وكان مضطرباً في حكمه يعامل الناس تارة بالحسني وتارة بالعنف. ومنع إقامة الاحتفالات والزينات الخاصة بالزواج إلا في المولد النبوي لذلك كان أهل العروسين يتبارون للزواج في المولد حيث إعداد الحلي وعلي رأسها العرس التي تصنع من الحلوي والتي لابد أن تهدي لعائلة العروس. أما الحصان الذي عليه فارس يمسك السيف فهو تعبير عن القوة وتجسيد للخليفة القوي الممطي فرسه. وأنهت كلامها بالتأكيد علي ان الاحتفال بالمولد النبوي انتشر في معظم الدول الإسلامية منذ القرن الرابع الهجري في أربيل بالعراق في عهد الحاكم كاكجبوري من التركمان.. ومن المظاهر الرئيسية إلقاء سيرة الرسول في المساجد في مصر لتذكير المسلمين بسيرته التي هي إشعاع للحضارة الإسلامية في العالم.