انتخابات النواب 2025، حسم 102 مقعد وفق الحصر العددي لمرشحي القائمة الوطنية ب11 محافظة    السيد القصير: كوادر حزب الجبهة الوطنية أساس تقديم الحلول القابلة للتطبيق    كيف تدعم وزارة التعليم العالي وبنك المعرفة الأئمة والدعاة لنشر القيم الصحيحة؟    احذر.. جريمة الغش للحصول على بطاقة الائتمان تعرضك للحبس وغرامة مليون جنيه    هيئة الرقابة المالية تصدر قواعد مزاولة نشاط إدارة برامج الرعاية الصحية    بعثة من صندوق النقد الدولي تزور سوريا لمناقشة أولويات الإصلاح الاقتصادي    مصر تقرر حظر استيراد السكر لمدة 3 أشهر    مسئول أممي: لا أحد بمنأى عن مخاطر تغير المناخ.. والشرق الأوسط من أكثر المناطق تأثرا    مدير «الإقليمي للاستشارات»: يجب تحديد سقف زمني لنزع سلاح حزب الله في التفاوض مع إسرائيل    مساعد وزير الخارجية للشئون الأوروبية يستقبل وزير الدولة بالخارجية الألمانية    الصليب الأحمر بالسودان: وصول أعداد كبيرة من النازحين إلى محلية طويلة والوضع مأساوي    السيسى يوجه بإجراءات للارتقاء بالعمل الشبابى وفق منهجية علمية    خناقة بعد مباراة أبو قير للأسمدة وبروكسى فى دورى القسم الثانى    كرة سلة - الأهلي يفوز على سبورتنج ويتوج بدوري المرتبط للسيدات    إصابة 13 شخصا في انقلاب ميكروباص جنوب بورسعيد    السجن 10 سنوات لثلاثة محامين وعاطل فى الإسكندرية بتهمة تحرير محررات رسمية    القبض على 3 متهمين بواقعة إصابة طبيب نساء بطلق ناري في قنا    المشدد 10 سنوات ل3 محامين وعاطل فى تزوير محررات رسمية بالإسكندرية    «محمد صبحى» بخير    خبير اقتصادي: افتتاح المتحف الكبير وجولة السيسي وماكرون رسائل طمأنة للعالم    «بيستخبوا زي الفيران».. 5 أبراج لا تستطيع المواجهة    أيام قرطاج المسرحى يعلن عن أعضاء لجنته ولجنة التحكيم تحت شعار الاحتفاء بالفنان    صيدلة عين شمس تستضيف مدير برنامج سرطان الكبد بجامعة تكساس الأمريكية    مفوضية الانتخابات العراقية: لا شكاوى مؤثرة على نتائج الانتخابات النيابية حتى الآن    استقبله بالزي الصعيدي، شيخ الأزهر يلتقي بالمفكر العالمي جيفري ساكس بمنزله في الأقصر    البحوث الإسلاميَّة: الأزهر يُولِي أبناءه من مختلِف الدول اهتمامًا خاصًّا ورعايةً كاملة    الإيجار القديم بالجيزة: اعرف تصنيف شقتك قبل تطبيق زيادات الإيجار    المصري يحدد ملعبه الثاني لمباريات كأس الكونفدرالية    صحفى سودانى: الموقف المصرى جعل السودانيين يشعرون بالأمان واستقرار الوضع    وزيرة التنمية المحلية: ندعم جميع المبادرات لوضع الإنسان والإبداع فى صميم الاهتمام    مش هننساك.. أسرة إسماعيل الليثى تعلق صورته مع ابنه ضاضا أمام سرادق العزاء    خالد الجندي: الله يباهي الملائكة بعباده المجتهدين في الطاعات(فيديو)    الصحفيين الفلسطينيين: الاحتلال يمنع تنفيذ المرحلة الثانية من خطة ترامب    وزير الصحة يبحث مع نظيره العراقي تدريب الكوادر الطبية العراقية في مصر    مناقشة تطوير أداء وحدات الرعاية الأولية خلال مؤتمر السكان العالمي    «حققت مليارات الدولارات».. وول ستريت جورنال: حرب غزة صفقة ضخمة للشركات الأمريكية    الشيخ الجندي يكشف فضل انتظار الصلاة والتحضير لها(فيديو)    خالد الجندي: العلاقة في الإسلام تنافسية لا تفضيلية ولا إيثار في العبادات(فيديو)    المتهم في جريمة تلميذ الإسماعيلية استخدم الذكاء الاصطناعي للتخطيط وإخفاء الأدلة    تعليم القاهرة تعلن عن مقترح جداول امتحانات شهر نوفمبر    مصطفى حسني: تجربتي في لجنة تحكيم دولة التلاوة لا تُنسى.. ودوّر على النبي في حياتك    الاحتلال يصعد قصفه لشرق وجنوب قطاع غزة وسط أزمة إنسانية متفاقمة    بروتوكول بين الهيئة المصرية البترول ومصر الخير عضو التحالف الوطني لدعم القرى بمطروح    بعد القبض على قاتل مهندس الكيمياء النووية.. مصطفى بكري: وزير الداخلية يعمل في صمت    بسبب فشل الأجهزة التنفيذية فى كسح تجمعات المياه…الأمطار تغرق شوارع بورسعيد وتعطل مصالح المواطنين    مدير تعليم الشرابية يشيد بمبادرة "بقِيمِنا تحلو أيّامُنا"    أرسنال يقترب من تجديد عقد بوكايو ساكا براتب ضخم    الدقيقة الأخيرة قبل الانتحار    محمد عبد العزيز: ربما مستحقش تكريمي في مهرجان القاهرة السينمائي بالهرم الذهبي    جراديشار يصدم النادي الأهلي.. ما القصة؟    عاجل- أشرف صبحي: عائد الطرح الاستثماري في مجال الشباب والرياضة 34 مليار جنيه بين 2018 و2025    التنسيق بين الكهرباء والبيئة لتعظيم استغلال الموارد الطبيعية وتقليل الانبعاثات الكربونية    وزير الصحة يُطلق الاستراتيجية الوطنية للأمراض النادرة    إجراء 1161 عملية جراحية متنوعة خلال شهر أكتوبر بالمنيا    البورصة المصرية تعلن بدء التداول على أسهم شركة توسع للتخصيم في سوق    باريس سان جيرمان يحدد 130 مليون يورو لرحيل فيتينيا    موعد شهر رمضان 2026.. وأول أيامه فلكيًا    الداخلية تلاحق مروجى السموم.. مقتل مسجلين وضبط أسلحة ومخدرات بالملايين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البيضوحباطيون» يغزون المدينة!
نشر في الشروق الجديد يوم 12 - 01 - 2013

للأسف، البعض يفكرون هكذا: إذا كنت قد فشلت في تغيير الواقع لأنك لم تصل إلى الحكم، وإذا كان فشلك في تطوير خطابك السياسي جعل الناس تنفض من حولك لتنشغل بمعاركها اليومية وأكل عيشها الذي شاركت في الثورة أو حتى تعاطفت معها من أجله، وإذا كان الناس مقتنعين مثلك بأن تيارات الشعارات الإسلامية لا تحمل لهم سوى الأوهام لكنهم أيضا يريدون بديلا معقولا ومقبولا وعملا جادا وسطهم ومعهم، وأنت تعبت وزهقت ولم تعد حمل ذلك، فماذا تفعل إذن؟، بسيطة جدا: إرمي بلاك على الثورة، وانتع تصريحات تقول فيها أن الثورة فشلت، وأنك في إنتظار ثورة جديدة، حتى لو كان معنى كلامك أن الثورة الناجحة هي التي تصل بنا إلى الحكم، أما التي توصل خصومنا السياسيين إليه فهي ثورة فاشلة بالثلث. لست أصادر حق أحد في السخط، لكنني أفهم أن يسخط على الثورة الذين تسببت الإضطرابات الإقتصادية في قطع لقمة عيشهم، أو الذين حلموا بأن تحدث تغييرا في ظروفهم فيختفي فورا ما يشعرون به من فساد وقهر وظلم، أما أن يكتب في هجائها وإنتقاصها بعض من تربحوا منها وأعادتهم ثانية إلى مسرح الأحداث ليهبروا مبالغ فلكية بفضل الثورة التي كان أولى بهم لو لم يشكروها، أن يكفوها شر ألسنتهم التي تبخ الطاقة السلبية في كل إتجاه، على الأقل إمتنانا لقيامها بتأمين مستقبل أولادهم وأحفادهم.

لكي يبدو كلامها منطقيا، تستخدم هذه الكائنات «البيضوإحباطية» كلاما من نوعية «طبعا الثورة فشلت لأن الثورة في كتب العلوم السياسية تعني التغيير الجذري وإلى الآن لم يحدث تغيير جذري»، لو كان هؤلاء قد حكموا لسمعت منهم أن الكتب تقول أن التغيير الجذري لايمكن أن يحدث علميا في أقل من ربع قرن كما يقول مثلا المفكر الأمريكي جين شارب الذي ألهمت أفكاره ملايين الحالمين بالتغيير حول العالم. كنت أتمنى أن يقول هؤلاء للناس أن المشكلة الحقيقية مع الإخوان ورئيسها ليست أنهم لم يحققوا تغييرجذريا لأن ذلك يستحيل في ستة اشهر، بل المشكلة أنهم يعملون على هدم كل الطرق التي يمكن أن نسلكها لتحقيق التغيير الجذري، والذي لا يمكن أن يحدث أبدا من خلال قرارات فوقية تُلقى من على ظهر دبابة أو بالإستناد إليها وتُفرض بالقوة الجبرية فيزيط الناس فرحا بها ثم يصحون منها على نكسة مؤلمة تثبت لهم أنهم إستبدلوا ملكا بعشرات الملوك، وأنهم انتقلوا من حكم الأسرة المالكة إلى حكم أسر المماليك الذي بدأنا منذ سنتين في الثورة عليه، ولازال أمامنا الكثير حتى ننجح في الخلاص منه إلى الأبد.

في العادة يستخدم ناشرو الإحباط نموذج الثورة الامريكية للإشارة إلى الثورة الناجحة التي تستطيع خلق تغيير جذري في المجتمع لأنها تمكنت من كتابة دستور يجمع الأمريكيين عليه وحوله، وبالتالي تكون ثورتنا قد فشلت بالثلث لأننا لم نستطع تحقيق ذلك في بلادنا المنكوبة بحاكمها الذي كذب على الشعب الذي وعده بإتخاذ كل السبل الممكنة للحصول على توافق وطني حول دستور البلاد. لن أرد على هذا الكلام فقط بما سبق أن قلته «من العبث أن تفرض على أي شعب إلى الأبد دستورا تم تمريره من خلال مناخ التخويف والتخوين والتكفير فضلا عن التزوير»، بل سأستشهد بالثورة الأمريكية نفسها التي لم تصل إلى دستورها المنشود فور وقوعها كما يظن البعض، ولا يمكن أن ينبئك عن هذا من هو أفضل من المؤرخ الأمريكي العظيم هوارد زن الذي لا أكف عن نصح كل الباحثين عن الأمل أو المقتنعين بوهم النصر السريع بقراءة كتابه الرائع (التاريخ الشعبي للولايات المتحدة) والذي صدر في جزئين عن المجلس الأعلى للثقافة بترجمة رائعة للأستاذ شعبان مكاوي.

يروي زن في كتابه كيف سادت الحيرة والمرارة نفوس الذين حلموا بتغيير جذري تحدثه الثورة الأمريكية في بنية المجتمع الطبقية، لكنهم رأوا أن ذلك لم يحدث، وأن كل ماجرى هو تغييرات على المجموعة الحاكمة، بعد أن تدهورت المكانة الإجتماعية للذين دفعوا ثمن ولائهم السابق للتاج البريطاني الذي إنتصرت عليه الثورة، يرى ادموند مورجان أن «الطبقات الدنيا تم إستغلالها في صراع بين أفراد الطبقة العليا من أجل السلطة وحيازة المناصب»، ويعلق ريتشارد موريس على أمريكا التي يعيشها بعد الثورة قائلا «لا يرى المرء سوى الظلم والتفاوت أينما ولى وجهه»، معتبرا أن كلمة «شعب الولايات المتحدة» التي جاءت في إعلان الإستقلال كانت أصلا من إبتكار جوفيرنر موريس فاحش الثراء، وأنها لم تكن تعني الهنود الحمر أو السود أو فقراء البيض أو النساء، فعدد الخدم بعد الثورة قد بلغ أعلى معدل له لأن الثورة لم تفعل شيئا يخفف من حدة الإستعباد الأبيض.

إذن، حتى الثورة الأمريكية لم تحقق لمن شاركوا فيها تغييرا جذريا فوريا، لكن الأحرار منهم لم يستسلموا لهذا الواقع المرير، ستشعر بالإعجاب وأنت تقرأ وقائع إستمرارهم في التمرد والإنتفاض حتى يجني جميع الأمريكيين ثمار ثورتهم، وهو تمرد لم تتعامل الطبقات المسيطرة معه بتسامح، بل حاربته بكل ما أوتيت من قوة، وحده توماس جيفرسون الذي كان المؤلف الرئيسي فيما بعد لإعلان الإستقلال الأمريكي الذي يفخر به الأمريكيون حتى الآن، هو الذي قرأ الواقع جيدا حين كتب مقولته الشهيرة «إنني أؤمن إنه لشيئ طيب أن يحدث تمرد صغير من وقت لآخر، إنه علاج ضروري لصحة الحكومة، وإني لأعوذ بالله من أن تمر علينا عشرون سنة دون وقوع تمرد، لابد أن تروي شجرة الحرية من وقت لآخر بدماء الوطنيين والطغاة، فتلك الدماء هي سمادها الطبيعي»، وهي مقولة يمكن أن تستبدلها ببساطة بجملة من كلمتين (الثورة مستمرة)، وهي الجملة التي أوصلت الأمريكيين إلى أن يكون لهم دستور يفتخرون به جميعا، وحتى عندما حدث ذلك لم يكن ذلك نهاية المطاف، كما سنرى غدا بإذن الله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.