ينشغل الباحثون العرب والغربيون بمستقبل مصر بعد تمرير الدستور وما أفرزه من انقسام بين القوى السياسية، لاسيما فى ظل تخبط غير مسبوق فى الحياة السياسية المصرية. ومن المرجح أن تدور رحى هذا الصراع لفترات، وهو ما ينذر بمستقبل ضبابى لحين التوصل إلى اتفاق سياسى. ويعتبر المقال الذى نشرته مؤسسة كارنيجى للسلام الدولى تحت عنوان «هل يمكن استعادة الانتفاضة الديمقراطية المصرية؟» للكاتب المتخصص فى الشأن المصرى ناثان براون وأستاذ العلوم السياسية والشئون الدولية فى جامعة جورج واشنطن، بتاريخ 24 ديسمبر، من الكتابات المهمة التى نشرت مؤخرا فى هذا الصدد، حيث أورد الكاتب اهم الأخطاء التى وقعت فيها مصر فى المرحلة الانتقالية والأخطاء التى مازالت تقترف من قبل النظام الحاكم، وكذلك تقديم حلول للمشكلات السياسية المزمنة. ويستهل الكاتب مقاله بالإشادة بالثورة المصرية والتى نجحت فى اسقاط نظام ديكتاتورى ظل قابضا فى السلطة سنوات طوال، وارتفع سقف التوقعات بنجاح المرحلة واصفا اياها بالديمقراطية. ولكن يبدو أن الثورة جنيت أشواك بدلا من الثمار، فى خضم صراعات سياسية مع تزايد معدلات العنف والشعور بالقلق. ويشير براون أن الثورة المصرية أفضت بظهور عدد من النشطاء والمدنيين لاول مرة يحملون اجندات مختلفة، وكوادر من جماعة الاخوان المسلمين المنظمين، وكذلك اجهزة الدولة أصرت الا تضحى منعزلة. وفى هذا السياق، يشير الكاتب إلى مجموعة من الخطايا التى وقعت فيها الثورة المصرية لاسيما فى اطار الشعور بالخزى من مخاض عملية الاستفتاء، نتج عن أغلبية اسلامية ترغب فى الاستقصاء وتغلغل لعناصر الدولة العميقة.
•••
وتمثل المرحلة الانتقالية أولى الخطايا والتى يصفها الكاتب ب «المعيبة»، فالامر ليس بجدوى التخطيط لها، ولكن فى غياب التخطيط بالاساس، راجعا إلى ان هناك حالة من التخبط فى القرارات اتخذت على عجالة دون رؤية بعيدة المدى، فى ظل تحدم النقاش حول توقيت الانتخابات الرئاسية والبرلمانية وعملية صياغة الدستور، ولكن لم يستمع لآراء المحللين والنشطاء للاخطاء الحقيقية التى ارتكبت فى هذه الفترة.
ويرى الكاتب أن المشكلة الاكبر كانت فى تولى المجلس العسكرى سلطات مطلقة دون وجه حق، وكان الاجدر ان يتولى مجلس رئاسى بديلا عن المجلس العسكرى، ولكن فشلت القوى السياسية فى التوافق حول هذه الفكرة. واتخذ المجلس العسكرى قرارا لم يكن سديدا، ممثلا فى قيام لجنة صغيرة بوضع الخطوط العريضة للمرحلة الانتقالية برمتها، والتى قامت من جانبها بتعديل بعض مواد الدستور المصرى. وعرضت على الشعب المصرى للاستفتاء فى مارس 2011، واعتمدت فى اعلان دستورى ادار المرحلة الانتقالية. واندهش الكاتب من ان واضعى الاعلان الدستورى لم يتم الكشف عن هويتهم واديرت من وراء أبواب مغلقة.
وأضاف براون أنه بعد التصديق على التعديلات الدستورية، وجه الطرفان اتهامات متبادلة، سواء الاسلاميين الذين تشككوا فى نوايا القوى المدنية لتأجيل الانتخابات خشية من فوزهم الساحق او من جانب القوى المدنية التى تخشى هيمنة الاسلاميين.
ويرى براون أيضا أن المشكلة ليست فى السباق المحتوم بين القوى السياسية فى تلك الفترة، بل ان تسوية المشكلات بينهم تمت عبر الضغوط والمساومات مع الجنرالات العسكرية، وليس عبر وسائل حميدة مثل المفاوضات، التسوية أو التوافق.
•••
تتعلق الخطية الثانية ب«التنفيذ»، لاسيما ان الاعلان الدستورى لم ينطو على نصوص تقيد الرقابة البرلمانية على السلطة التنفيذية، لذلك عندما اكتمل نصاب المجلس واجتمع فى يناير 2011، وجدوا انهم لا تأثير لهم البتة على السياسة العامة او حتى مجلس الوزراء. وعندما قاموا باعداد التشريعات، واجهوا سلطة الفيتو من قبل المجلس العسكرى. وظلت جماعة الاخوان المسلمين تشتكى مرارا من تحمل اداء الحكومة الضعيف دون السماح لهم بامتلاك سلطات فعالة. واتهمت المعارضة البرلمان باهتمامه المفرط بأمور أقل أهمية مثل تخفيض سن الزواج. ومع ذلك، فقد كان البرلمان مهتما بأمور اخرى، حيث قام بتطوير قانون المنظمات غير الحكومية. وعندما قضت المحكمة الدستورية بحل البرلمان، كانت القوى الاسلامية الاكثر تضررا.
.وعلى حد قوله، استغلت الجماعات الإسلامية كونها الاغلبية فى البرلمان لتشكيل الجمعية التأسيسية مرتين، لأن الاولى تم حلها من قبل المحكمة الدستورية. وقامت الجماعات بالفعل بتقديم بعض التنازلات، بيد أنه لم يكن على المستوى الذى يرضى الجماعات الاخرى. فقد تعلم الاسلاميون ان الانتخابات وحكم الاغلبية يعمل دائما لصالحهم، وتعلمت مؤسسات الدولة ان التهديد والرهان والمساومة هى الوسائل الوحيدة لمواجهة التيارات الاسلامية، بينما اعتبرت المعارضة بأن الشكوى والنقد والمقاطعة والمظاهرات هو الحل الأمثل.
•••
بينما تنصرف الخطيئة الثالثة إلى الخطيئة البشرية انعكاسا للإجراءات المعيبة فى المرحلة الانتقالية، وفقا لبراون، التى أفضت إلى انتخاب الرئيس المصرى محمد مرسى، والذى قام من جانبه باتخاذ مجموعة من القرارات بحجة الاستقرار. ونوه الكاتب إلى ان البعض ادان عملية التعجل فى صيغة الدستور، ولكنهم اغفلوا حقيقة انه أجرى وفقا لجدول زمنى كان معمولا به فى مارس 2011. ومع ذلك، لا ينفى حقيقة فرض الرئيس هيمنته وتقويضه لقواعد السياسة المصرية، حيث وضع نفسه رئيسا لكافة السلطات. وكان من الارجح قبول هذه القرارات لو كان هناك توافق سياسى. وبدا للوهلة الاولى، انه يعمل للصالح العام، بيد انه سمح لمريديه ان يعينوا انفسهم حراسا له يتهمون ما شاءوا بالتحريض والمؤامرة.
وأفضت عملية تمرير الدستور إلى استكمال نصاب الاستقطاب السياسى، فى ظل لجوء المعارضة السياسية إلى المظاهرات الحاشدة، مع محاصرة بعض الاسلاميين لمقر المحكمة الدستورية، واعلان القضاة وقف عمل المحاكم ورفض مراقبة الاستفتاء على الدستور، مع تحييد المؤسسة العسكرية. ويبدو ان قواعد اللعبة السياسية المصرية تم تقنينها، بعد تمرير الدستور، بيد أنها تعمل فى سياق غير مواتٍ.
•••
فى الختام، يطرح الكاتب مجموعة من النصائح للمعارضة. تتمثل أولها فى زيادة الضغط على جماعة الاخوان المسلمين لتبنى مقاربة ترضى جميع الاطراف السياسية. وتنصرف ثانيها فى زيادة حشد المعارضة، استعدادا لمعركة الانتخابات البرلمانية القادمة، وذلك من خلال تبنى رؤية استراتيجية وبدائل واضحة فى اطار آليات الديمقراطية المتاحة فى الدستور الجديد، لجذب أصوات الناخبين. وتتعلق ثالثها باحترام اللعبة السياسية، حتى اذا كانت غير عادلة، لانها ما زالت تستحق اللعب طالما انها تحمل آمالا فى احداث التغيير. وفى نهاية المطاف، يؤكد أن عملية التصحيح مطلوبة ايذانا بمرحلة جديدة، كما ان مرحلة التضحيات قائمة وعلى المعارضة ان تتخلى عن ثمارها التى جنته فى العامين الماضيين.
للاطلاع على المزيد من التقرير برجاء زيارة الرابط التالى: