بعد قليل.. إعلان حركة تنقلات وترقيات وزارة الداخلية 2025    تنسيق الجامعات 2025.. 104 آلاف طالب يسجلون لأداء اختبارات القدرات    وزير التعليم العالي يفتتح جامعة كفر الشيخ الأهلية: برامج حديثة تواكب سوق العمل    بالأسماء.. ننشر القائمة الكاملة لأوائل الشهادة الثانوية الأزهرية بالقسم العلمي    حصاد الأنشطة الطلابية بجامعة أسيوط الجديدة التكنولوجية (صور)    محافظ القاهرة يتفقد مصانع الأسمرات (صور)    وزير الإسكان يتابع مشروع إنشاء القوس الغربي لمحور اللواء عمر سليمان بالإسكندرية    وزيرة التخطيط تشارك في اجتماع وزراء التنمية لمجموعة العشرين    زلزال يضرب إندونيسيا بقوة 6 درجات على مقياس ريختر    بوليتيكو: خلاف بين ستارمر ووزارة خارجيته بشأن الاعتراف بدولة فلسطينية    الاتحاد الإفريقي يرحب بإعلان ماكرون نيته الاعتراف بدولة فلسطين    الكرة الطائرة، تاريخ مواجهات مصر وإيطاليا في بطولات العالم للشباب    صورة في القطار أنهت معاناته.. والد ناشئ البنك الأهلي يروي عبر في الجول قصة نجله    خبر في الجول - محمد إسماعيل يغادر معسكر زد لإتمام انتقاله ل الزمالك    بالأسماء، أوائل الشهادة الثانوية الأزهرية بالقسم العلمي (صور)    مدير صندوق مكافحة الإدمان: 11 ألف متردد استفادوا من خدمات مركز العزيمة بمطروح خلال 5 سنوات    سليم سحاب ناعيا زياد الرحباني: رفيق دربي في عالم الموسيقى    علاج النحافة، بنظام غذائي متوازن وصحي في زمن قياسي    سعر الخضراوات اليوم في سوق العبور 26 يوليو 2025    سعر الخضار والفواكه اليوم السبت 26-7-2025 بالمنوفية.. البصل يبدأ من 10 جنيهات    مصلحة الضرائب تصدر قرار مرحلة جديدة من منظومة الإيصال الإلكتروني    معسكر دولي لمنتخب الطائرة في سلوفينيا استعدادًا لبطولة العالم    سيراميكا يواجه دكرنس غداً فى رابع ودياته استعداداً للموسم الجديد    إنتر ميامي يتعاقد مع صديق ميسي    المكتب الإعلامي الحكومي في غزة يحذر من خطر وفاة 100 ألف طفل خلال أيام    كمبوديا تغلق المجال الجوي فوق مناطق الاشتباك مع تايلاند    طبيب سموم يكشف سبب وفاة الأطفال ال6 ووالدهم بالمنيا.. فيديو    لوموند: قمة بكين تكشف ضعف أوروبا الكبير في مواجهة الصين    رئيس لبنان: زياد الرحباني كان حالة فكرية وثقافية متكاملة    يوم الخالات والعمات.. أبراج تقدم الدعم والحب غير المشروط لأبناء أشقائها    إعلام فلسطينى: الاحتلال يستهدف منزلا غرب مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة    ماذا قال أحمد هنو عن اطلاق مبادرة "أنت تسأل ووزير الثقافة يجب"؟    سميرة عبد العزيز في ضيافة المهرجان القومي للمسرح اليوم.. وتوقيع كتاب يوثق رحلتها المسرحية    سوريا.. الدفاع المدني يجلي 300 شخص من السويداء إلى دمشق    الصحة: مصر تستعرض تجربتها في مبادرة «العناية بصحة الأم والجنين» خلال مؤتمر إفريقيا للقضاء على الإيدز والتهاب الكبد B والزهري    الصحة: دعم المنظومة الصحية في محافظة البحيرة بجهازي قسطرة قلبية بقيمة 46 مليون جنيه    غينيا تتجاوز 300 إصابة مؤكدة بجدري القرود وسط حالة طوارئ صحية عامة    "تأقلمت سريعًا".. صفقة الأهلي الجديدة يتحدث عن فوائد معسكر تونس    ليلة أسطورية..عمرو دياب يشعل حفل الرياض بأغاني ألبومه الجديد (صور)    من رصاصة فى القلب ل"أهل الكهف".. توفيق الحكيم يُثرى السينما المصرية بكتاباته    أسامة قابيل: من يُحلل الحشيش يُخادع الناس.. فهل يرضى أن يشربه أولاده وأحفاده؟    "قصص متفوتكش".. محمد صلاح يتسوق في هونج كونج.. نداء عاجل لأفشة.. ورسالة إمام عاشور لزوجته    بالأرقام.. الحكومة تضخ 742.5 مليار جنيه لدعم المواطن في موازنة 25/26    وزير الري يتابع مشروع مكافحة الحشائش المائية في البحيرات العظمى    القضاء الأمريكى يوقف قيود ترامب على منح الجنسية بالولادة    بعد ظهور نتيجة الثانوية 2025.. وزارة التعليم: لا يوجد تحسين مجموع للناجحين    إصابة شاب في مشاجرة وتسمم مزارع بحوادث متفرقة في سوهاج    أجندة البورصة بنهاية يوليو.. عمومية ل"دايس" لسداد 135 مليون جنيه لناجى توما    دعاء الفجر.. اللهم إنا نسألك فى فجر هذا اليوم أن تيسر لنا أمورنا وتشرح صدورنا    "الحشيش حرام" الأوقاف والإفتاء تحسمان الجدل بعد موجة لغط على السوشيال ميديا    بالأسماء.. مصرع طفلة وإصابة 23 شخصًا في انقلاب ميكروباص بطريق "قفط – القصير"    وزير الأوقاف يحيل مجموعة من المخالفات إلى التحقيق العاجل    الأوقاف تعقد 27 ندوة بعنوان "ما عال من اقتصد.. ترشيد الطاقة نموذجًا" الأحد    موعد إجازة المولد النبوي 2025 الرسمية في مصر.. كم يومًا إجازة للموظفين؟    «الداخلية» تنفي «فيديو الإخوان» بشأن احتجاز ضابط.. وتؤكد: «مفبرك» والوثائق لا تمت بصلة للواقع    بعد «أزمة الحشيش».. 4 تصريحات ل سعاد صالح أثارت الجدل منها «رؤية المخطوبة»    «لو شوكة السمك وقفت في حلقك».. جرب الحيلة رقم 3 للتخلص منها فورًا    إحباط تهريب دقيق مدعم ومواد غذائية منتهية الصلاحية وسجائر مجهولة المصدر فى حملات تموينية ب الإسكندرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما كل هذا العوار؟
نشر في الشروق الجديد يوم 22 - 11 - 2012

انتهت تطورات الأسبوع الماضى إلى تبلور ثلاثة مواقف أساسية لأعضاء الجمعية التأسيسية لوضع الدستور، الموقف الأول احتفاظ نحو 84 عضوا بعضويتهم داخل الجمعية وهؤلاء يمثلون بالأساس الأحزاب والتيارات الإسلامية إضافة إلى عدد محدود من القوى الوطنية الأخرى. والموقف الثانى تجميد ممُثلىِ حزب غد الثورة عضويتهما داخل الجمعية فى انتظار ما يسفر عنه اجتماع الهيئة العليا للحزب. والموقف الثالث انسحاب اثنى عشر عضوا من الجمعية بينهم ستة أعضاء يمثلون الكنائس المسيحية الثلاث. ويلاحظ هنا أننى فى حساب عدد أعضاء الجمعية المستمرين فى العمل لجأت إلى عدم القطع، وذلك نظرا لأن حزبا كحزب الوفد على سبيل المثال لم يلتزم ممثلوه داخل الجمعية بقرار الهيئة العليا القاضى بالانسحاب ولم يستثن من ذلك إلا عضو واحد هو فؤاد بدراوى الذى أكد انسحابه. يكمل هذه الصورة أن الهيئة الاستشارية التى تشكلت فى الأصل للتغلب على الخلل فى تكوين الجمعية التأسيسية، هذه الهيئة تَقَدم ثمانية من أعضائها باستقالاتهم فيما واصل اثنان القيام بدورهما « الاستشارى». أما عدد الاحتياط المنسحبين فقد حاولت التواصل مع أحد أعضاء الجمعية للتعرف عليه لكنى لم أتلق جوابا شافيا.

•••

ومن جانبهم وضع المستقيلون نصب أعيننا عددا كبيرا من أدلة العوار الإجرائى والمضمونى الذى شاب العمل داخل الجمعية وطبع نصوص الدستور فى طبعاته المختلفة. إجرائيا أشار الدكتور جابر جاد نصار العضو المستقيل إلى السماح للأعضاء الاحتياط بالمشاركة فى التصويت وذلك بالمخالفة مع اللائحة الداخلية لعمل الجمعية. وأشار أيضا إلى السرعة المذهلة فى مراجعة النصوص المختلفة والتصويت عليها بما يسمح بتمرير باب كامل فى اليوم الواحد، والحق إن المرء ليعجب من كيفية حدوث ذلك إذ يكفى أن نراجع مثلا الخلاف حول قضية كبرى كقضية الغرفة الثانية للبرلمان التى انقسم من حولها الأعضاء بين مؤيد للاحتفاظ بها وداعٍ لإلغائها، ونتأمل كيف يمكن لمثل هذا الخلاف السياسى أن يُحسم فى بضع دقائق فيما يتوقف عليه مسار العملية التشريعية برمتها. كذلك أشار د. نصار إلى خروج رئيس الجمعية على ما سبق أن ذكره وأكده مرارا وتكرارا من أن نصوص الدستور ستخضع لتوفيق الآراء وليس لتصويت الأعضاء واعتماد قاعدة الأغلبية. أما أخطر الجوانب الإجرائية التى أشار لها د. نصار فهى تلك المتعلقة بقيام رئيس الجمعية بتوزيع مقترحات أعدتها لجنة ثلاثية مُجهّلة العضوية بناء على طلبها والاكتفاء فى تعريفها بأنها لجنة « تعمل لوجه الله» وهذا يتنافى مع أبسط متطلبات الشفافية.

إضافة إلى مظاهر العوار الإجرائى المذكورة فإن السؤال الذى يفرض نفسه هو كيف يمكن للجمعية التأسيسية أن تواصل أعمالها فى غياب الكنيسة التى لا يعكس انسحابها خصما عدديا فقط من أعضاء الجمعية، لكنه يعكس خصما موضوعيا والأدق وطنيا من عمل الجمعية ولا تنفع معه قاعدة إحلال المنسحبين بتصعيد أعضاء من الاحتياط. ثم أن تشكيل اللجنة المصغرة للصياغة النهائية يكرر مشكلة تشكيل لجنة التعديلات الدستورية نفسها لكون الأعضاء الأربعة يمثلون تنويعات مختلفة على التيار الدينى. ومن الطريف أن نقرأ فى تفسير المستشار حسام الغريانى اختيار الأعضاء الأربعة تبريرات من قبيل إن فلانا يحضر مبكرا إلى الجمعية، أو إن الآخر شارك بفعالية فى لجنة الصياغة الموسعة. وأخيرا إن الاستقالة المسببة لأعضاء الهيئة الاستشارية جاءت حافلة بالعديد من مظاهر الخلل الإجرائى من قبيل تأخير وصول خطابات تكليف أعضائها لمدة أسبوعين فيما الجمعية تسابق الريح للإنتهاء من وضع مسودة الدستور، وعدم تواصل أى من أعضاء الجمعية التأسيسية معهم، والتغيير المستمر فى مسودات الدستور دون بيان سبب التغيير ولا حتى تحديد مواضعه حتى يمكن مقارنة الثابت بالمتغير، وعدم انعكاس مقترحاتهم على المسودات المتتالية، وفى الأخير إعلامهم أن واحدا منهم فقط وعند الحاجة إليه سيسمح له بعرض مقترحات الهيئة الاستشارية على لجنة الصياغة.

•••

مضمونيا أشار دكتور نصار إلى نصوص بالجملة يشوبها عوار ظاهر. ومن ذلك نصوص المواد 7 و9 و10 التى تعهد للمجتمع بدور فى حفظ الأموال والأعراض والأنفس وفى الحفاظ على الطابع الأصيل للأسرة وفى رعاية الأخلاق والآداب العامة، وهذا يمثل جورا على دور الدولة وخصما منه ويسمح لفئات من المجتمع بأن تفرض وصايتها على سواها من الفئات والجماعات. لاحقا فهمت من أحد أعضاء الجمعية نقلا عن دكتور محمد محسوب أن هذا الدور المجتمعى تم إلغاؤه بعد أن كان خُفف بضبطه بالقانون، لكن على أى حال فإن آخر نسخة على موقع الجمعية فى 11/11/2012 لم يرد بها لا التخفيف ولا الإلغاء، وإنا لمنتظرون. أشار أيضا دكتور نصار إلى المادة 75 التى أضيفت فجأة لمسودة 11/11 وهى تربط الحقوق والحريات الشخصية بعدم التعارض مع الأحكام الأساسية للدولة والمجتمع (مرة أخرى المجتمع)، وهذا مطلب كان ألح عليه ممثلو التيار السلفى بصياغات مختلفة كى لا تتُرك الحريات العامة « دون قيود». كما أن هناك صلاحيات واسعة لرئيس الجمهورية منها سلطته فى تعيين رؤساء الأجهزة الرقابية، علما بأن منصب نائب الرئيس الذى ورد كمقترح فى مسودة 24/10 اختفى من مسودة 11/11 وكأن هذا المنصب أريد به أن يكون مرة واحدة وإلى الأبد. هذا عدا عن أن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لا هى مسنودة برؤية استراتيجية ولا هى مزودة بآليات تنفيذية.

•••

فى مقالات سابقة كنت عقدت مقارنة بين مسودتى الدستور المصرى والدستور التونسى، وقيل لنا إن دساتير دول من الشرق والغرب وضعت أمام أعين أعضاء الجمعية التأسيسية، ومن ذلك دستور الهند والبرازيل وتركيا والولايات المتحدة. والحق أننى أجد أقرب نموذج لمسودة الدستور أو مسودات الدستور المصرى المتتالية هو نموذج الدستور السودانى الذى أصدره الفريق عُمر البشير فى عام 1998 بعد تسع سنوات كاملة عاشها السودان بلا دستور على أثر الانقلاب العسكرى على نظام جعفر نميرى، وليس أيا من الدساتير المذكورة. فهنا إفراط فى الإحالة للقانون وهناك أيضا. وهنا ربط الشورى بالديمقراطية ودور المرأة الخاص بالعام والحديث عن المكافلة الاجتماعية وهناك أيضا. وهنا تضخم فى صلاحيات رئيس الجمهورية وهناك تضخم أكبر لأن دستور 1998 كان ثمرة ديكتاتورية عسكرية دينية مركبة. هل أزيد؟ إن دستور 1998 الذى مثّلَ الحلقة الأخيرة لتمهيد انفصال الجنوب عن الشمال تضمن الحق فى الحياة، ومنح الأم حق نقل جنسيتها لابنها من زوج غير سودانى، وأكثر من الإلحاح على التنوع الثقافى وتطوير اللغات المحلية وحرية ممارسة الشعائر وحوار الحضارات، وحظر التعذيب بنص صريح، وهذا كله ما لا نجد له أثرا فى مسودات الدستور المصرى على تعاقبها. والأنكى أن هناك من يرد على الانسحابات من التأسيسية بتهديد المسيحيين بإلغاء الاحتكام لشرائعهم، والمرأة بتقييد مساواتها بالرجل، والكل بإحلال أحكام الشريعة محل مبادئها، وليس بعد هذا العوار من مزيد.


أستاذة العلوم السياسية بجامعة القاهرة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.