إذا طبقنا نظرية «ابحث عن المستفيد» فيما يحدث الان فى ذكرى الاحتفال بمرور عام على أحداث شارع محمد محمود فسوف نصل إلى نتيجة مذهلة. المستفيد الأكبر هم كل أولئك الساعين إلى شيطنة الثورة واظهارها بانها فاشلة ودموية، وأن ما حدث فى ال18 يوم الاولى كان لحظة عابرة لن تتكرر، وان الأصل هو الحجارة والمولوتوف والسنجة والمطوة والسيف والرصاص المطاطى والخرطوش والحى.
هل الذين يرفعون السيوف فى الشوارع الجانبية المحيطة بوزارة الداخلية، ويقذفون الحجارة والمولوتوف باتجاه جنود الشرطة ابرياء أم لا، وهل يعرفون خطورة ما يفعلونه وتأثيره المضر جدا على الثورة أم لا؟.
بغض النظر عن الإجابة فالنتيجة واحدة وهى ان هؤلاء المتظاهرين غير السلميين ارتكبوا جرما كبيرا بحق الثورة وبحق الثوار الأصليين.
ليلة الاثنين الماضى ذهبت لشارع محمد محمود أثناء الاحتفالات، شاهدت شبابا مثقفا ومهموما، يسير فى مسيرات سلمية حضارية تنتقد الحكومة والرئيس والشرطة والمجلس الأعلى السابق للقوات المسلحة، بعضهم كان يرسم الجرافيتى على حوائط الشارع، وبعضهم يقيم معرض صور للشهداء والاحداث.. تفرست فى وجوههم، عرفت منهم البعض، تحدثت مع كثيرين منهم الأحاديث المعتادة والتى تبدأ بالسؤال الشهير «مصر رايحة على فين؟!» وانتهى بيأس الكثيرين منهم بالمستقبل.
لكن وفى الشوارع الجانبية من الشارع رأيت وجوها غريبة بعضهم كان ملثما، رغم انه لم يكن هناك اطلاق غاز مسيل للدموع، هؤلاء هم الذين كانوا يحاولون تسلق الأسوار الحجرية الفاصلة بينهم وبين وزارة الداخلية، اعمار بعضهم لا تزيد على 15 عاما. تمنيت أن أدخل فى عقولهم حتى أعرف كيف يفكرون؟!.
تخيلت أن معظمهم له ثأر مع الشرطة، وتعرض لانتهاك حقوقه بطريقة أو بأخرى، وتخيلت أن بعضهم له قريب شهيد أو مصاب فى مواجهات الشرطة مع الثورة والثوار أو مع الشعب، وانهم يئسوا من محاولة إصلاح وزارة الداخلية فقرروا أن «يفشوا غلهم»، وتخيلت أيضا ان بعضهم يستخدم العنف لكى يصل بالأحداث إلى نقطة المواجهة لمصلحة اخرين.
مرة أخرى وبغض النظر عن السبب فالنتيجة واحدة وهى ان هؤلاء الناس يسيئون أشد الإساءة إلى الثورة وإلى كل ما هو محترم ونبيل فى النضال السلمى.
الملفت للانظار ان كل القوى السياسية تقريبا تبرأت من هؤلاء المسلحين، لكن المطلوب أكثر من هذه القوى أن تصدر بيانات واضحة لا لبس فيها باستنكار هذه المواجهات حتى تعطى دفعة لتطبيق القانون.
عندما تقول معظم الأحزاب والقوى السياسية أن قاذفى الأحجار والمولوتوف لا يمثلونها، فانها تنزع عنهم الغطاء السياسى والأهم الغطاء الأخلاقى مما يسهل من عملية محاسبتهم بالقانون.
نكرر من حق الجميع ان يلجأ إلى كل وسائل الاحتجاج القانونية، ونكرر أيضا ان وزارة الداخلية تحتاج جهدا كبيرا جدا وممتدا حتى تعود فعلا فى خدمة الشعب، لكن من قال ان تغيير ثقافة رجال الشرطة يكون بالقوة وعبر طرف نحن لا نعرف من هو تحديدا.
الموضوع باختصار ووضوح هو ان هؤلاء المتظاهرين يقدمون أفضل خدمة لكل كارهى التغيير الحقيقى ويعطلون من دون أن يدروا إصلاح الداخلية الفعلى. لو كنت مكان وزير الداخلية لذهبت إلى الرئيس وقلت له: انظر هؤلاء مشاغبين ومتمردين ومخربين يريدون إحراق البلد بأكملها قبل شوارعها ومؤسساتها.
لدى تخمين أتمنى أن تكشفه الأيام والشهور المقبلة خلاصته ان هناك طرفا ثالثا فعلا يمارس التخريب والاصطياد فى الماء العكر أثناء معظم الاحتجاجات التى تبدأ سلمية ويحولها هذا الطرف الثالث إلى دموية.
والاحتمال غير المبنى على معلومات بل على مجرد تخمين وقراءة هو ان الطرف الثالث غير موجود، لانه ببساطة متحالف مع الطرف الثانى دائما.