رياح عاتية.. أم موجة خماسينية؟ رعاية المستفيدين قبل الاستماع إلي الغاضبين لا أعتقد أن الدولة يجب عليها أن تستخدم رصيدها الاستراتيجي في التعامل مع المجريات التي تريد أن تهز الاستقرار الآن.. ولا بعد حين منظور، نحن نواجه تحديًا بالتأكيد.. لايقل خطورة في تأثيره عن تلك التي تعرض لها البلد من جراء جريمة الإرهاب التي وقعت في الإسكندرية في مطلع العام.. ولدي الدولة عشرات من الأوراق.. ولابد من التعامل مع المجريات بإيقاع محسوب وانتباه متزن، لا تهويل ولا تهوين. لقد قارنت مع نفسي بين ما تتعرض له الدولة الآن وبين تحديات سابقة.. متنوعة.. مظاهرات يناير 1977 ..أحداث فبراير 1986 ..الحرب مع الإرهاب في التسعينيات.. جريمة معبد حتشبسوت في 1997 ..تحديات نتائج سبتمبر 2001 ردود الأفعال علي غزو العراق في 2003 ..الحرب علي مصر في طيات الحرب علي غزة في 2009 ..كل تلك التحديات التي عبرتها مصر بأساليب مختلفة.. قارنتها بما يحدث الآن.. فوجدت البلد حافظ علي مكنوناته ومقوماته من رياح عاتية.. فما بالنا بموجة خماسينية. لا أستخف أبدًا بما يجري.. علي الأقل هو جديد وليس له سوابق.. ولكنني أضعه في حجمه.. أعرف بالطبع أن الزخم الذي هو في تلك المجريات ليس بالحجم الرهيب والمؤثر علي استقرار البلد.. ولا يقارن بمقومات قوتها.. وأعرف بالتأكيد أن هذا الزخم إنما يحظي بتضخيم ليس فيه.. ناتج عن الانتفاخ الإعلامي.. الذي لا يعبر حقًا عن الحجم السياسي.. لكن هذا كله لا يدعو إلي القلق.. لا إلي الخوف.. ولا توقعات بعيدة تمامًا عن الواقع. هذه الطبيعة المختلفة للمجريات تستوجب في المقابل التحسب.. وفي ضوء هذا أشير إلي ما يلي من ملاحظات: • قراءة تركيبة المتظاهرين تشير إلي تنوع.. هي في الأصل كانت تضم مجموعات من (6 أبريل)، و(كفاية).. وهؤلاء أعدادهم قليلة أصلاً.. وقد أعطتهم الدعاية الإلكترونية زخمًا أضاف إليهم بعضًا من الشباب المستخدمين لشبكتي الفيس بوك وتويتر.. اللتين أصبحتا مصدرًا رئيسيًا للمعلومات لدي هذه الفئة من الشباب.. ومن ثم فإن الانتهازية السياسية لدي كل من الجمعية الوطنية للتغيير وجماعة الإخوان وكلتاهما محظورة وحزب الوفد.. دفعت تلك الكيانات إلي ركوب الموجة.. وهو ما ثبتته مظاهرة التحرير. • هناك خميرة إعلامية لم يتم التعامل معها إعلاميًا بما ينبغي.. وهناك دفع وتحفيز في اتجاه أن يتكرر في مصر ما وقع في تونس.. خصوصًا من قناة الجزيرة التي كشفت مجددًا عن أن القناة ومن وراءها يحيكون مؤامرة واسعة النطاق.. وأن هناك تحريضًا مهولاً في هذا الاتجاه.. ومتعمدًا كما يكشف عن ذلك إصرار القناة علي بث مشاهد يوم الثلاثاء علي أنها أخبار الأربعاء والخميس. • اندس بين هذه المجموعات فئات من الناهبين والفوضويين والمسجلين خطر، قاذفي كرات النار وزجاجات المولوتوف ولصوص المتاجر، سواء كان هؤلاء المندسون ناتجين عن استغلال المناخ أو تم ترتيب دخول بعضهم من قبل فئات سياسية. • أتفهم بجدية ما يقوله البعض بشأن ضرورة الاستماع إلي الشباب ومعرفة أسباب الغضب.. وكنت سوف أكتب اليوم مقالاً عنوانه: (احتواء غضب الأبناء).. وسوف أكتبه.. لكن هذا ليس توقيت هذا أو ذاك.. المهم الآن هو حماية الأمن.. وحفظ الاستقرار.. والتصدي لتحديات الفوضي. لا يمكن استغلال الحق في حرية التعبير، والتظاهر السلمي، غطاءً لأي فوضي أو تهديد لحياة الناس الآمنة.. ولا أعتقد أن أي انتقادات إعلامية سوف تثني المختصين عن القيام بدورهم.. والتصدي بكل حزم لكل من يحاول بعثرة الناس.. خصوصًا أن الشعب لم يستجب إلي ما يجري.. مما أدي بهؤلاء إلي أن يتصوروا أنه يمكن بمزيد من التسخين دفع الشارع إلي الاندماج معهم.. وهو ما دفعهم إلي الدعوة للتظاهر اليوم الجمعة. إن الاستماع إلي الغضب له توقيته.. وله إيقاعه.. لكن الأولوية الآن لحماية الاستقرار.. لا أقترح عنادًا مع متطلبات اجتماعية.. وإنما توازن في التعامل.. فبعض هؤلاء يعتقد أن الدولة ضعيفة.. وكما يضخمون من أعداد المتظاهرين فإنهم سوف يهولون من أي رد فعل.. بما يوحي أن هناك عدم ثبات وهو أمر غير حقيقي. • قد يفهم بعض هؤلاء ما تقوله التصريحات الغربية بطريقة خاطئة.. مضمون التصريحات الغربية هو التأكيد علي حق التظاهر السلمي.. كلمة السلمي تنسي في هذا السياق.. الدستور يحمي التظاهر السلمي.. والدول الغربية لن تدير لنا البلد.. الغرب له مصالحه.. والغرب يطبق معايير صارمة مع مثل هذه الأفعال.. راجعوا تعامل فرنسا مع مظاهراتها الأخيرة.. تعامل الولاياتالمتحدة مع فوضي وقعت قبل فترة في كاليفورنيا.. وتعامل السلطات في اليونان مع نتائج الأزمة الاقتصادية وما أسفرت عنه من مظاهرات.. ولا أريد أن أشير أبدًا إلي تعامل الصين مع أولئك الذين يتخيلون أنه يمكن تكرار أحداث (تيانمين) في مصر. • إن المهم الآن إلي جانب حماية الأمن.. أن نصون مكتسبات الملايين من مختلف القطاعات في مصر.. أولئك لم يغضبوا.. وأولئك هم سند المجتمع والدولة.. ولديهم فوائدهم من الاستقرار.. تلك هي التي لابد من ترسيخها.. وتأكيدها.. والتعامل معها بحساسية.. ليس عيب الذين لم يتظاهروا أنهم لم يتظاهروا حتي ننساهم.. أعطوهم مزيدًا من الاهتمام.. وانصتوا إلي ما يختلج في صدورهم. سوف يكون اليوم الجمعة مختلفًا.. وسوف نعرف حجم مجريات ما يرتب له البعض مدعومين بقناة المؤامرة التي تقبع في قطر.. ومن ثم فإن علينا التأكيد مرة أخري علي أن الأمن أولاً.. والاستقرار هو الأهم.. وحماية بيوت الناس ومصالحهم هو المتطلب الأول. www.abkamal.net [email protected]