ساهم إعلان الحكومة الأردنية خلال الأسبوع الماضى عن تنفيذ قرار برفع أسعار الطاقة والبنزين، فى إشعال تظاهرات نادت ب«الثورة الشعبية» ورفعت شعار «إسقاط النظام»، وإعلان نقابات المعلمين، والمهندسين، والمهندسين الزراعيين عن الإضراب احتجاجا على تلك السياسات، وذلك بالرغم من كل المبررات التى قدمتها الحكومة، من حيث تفاقم عجز الموازنة وتردى الوضع المالى بالبلاد، وهى التطورات التى جعلت الأنظار تتعلق على تلك الدولة الصغيرة، التى يصل عدد سكانها إلى نحو سبعة ملايين مواطن، ودفعت المحللين لطرح الأسئلة حول ما إذا كان الحراك المدفوع بتلك القرارات الاقتصادية مقدمات لربيع عربى جديد فى الأردن، وكيف سيغير النظام الاقتصادى فى المملكة التى تحكمها الأسرة الهاشمية منذ عام 1946. لم تكن أحداث الأسبوع الماضى هى بداية سخط الأردنيين على السياسات الاقتصادية، ولكنها كانت ذروة تصاعد الاحتجاجات التى يرى محللون أن بدايتها كانت فى عام 2006، واكسبتها احتجاجات قوية مثل احتجاج عمال ميناء العقبة المخصخص، فى عام 2009، المزيد من الزخم. ورصدت منظمة لمراقبة الشأن العمالى حدوث نحو 800 احتجاج عمالى بالبلاد فى عام 2011، وهو ما يمثل تطورا مهما فى الأردن، برأى المحللين خاصة مع تنوع القطاعات المحتجة التى تضم سائقى التاكسى وموظفى البنوك والجامعات وعمال صناعة الفوسفات والبوتاسيوم وغيرهم، ودعم هذا النشاط العمالى نجاح المعلمين فى تأسيس نقابة لهم هذا العام، وهى المهنة التى تضم 90 ألف عامل فى الجهات التابعة للدولة فقط وهو عدد ضخم قياس بإجمالى عدد السكان.
«لقد شهدت الحركة العمالية بالأردن تطورات غير مسبوقة خلال الفترة الماضية، وفرضت نفسها بقوة ضمن تيارات المعارضة للنظام الاقتصادى القائم، المشكلة أنها لم تبلور رؤية اقتصادية متماسكة تكون بديلا لهذا النظام حتى الآن» كما قال زياد أبوريش، الباحث المتخصص فى تاريخ الاقتصاد السياسى للشرق الأوسط بموقع «جدلية» للدراسات، للشروق.
ويعتبر محللون أن الخطاب الاقتصادى الذى جاء فى بيان احتجاجى ل«المتقاعدين العسكريين»، يصل عددهم إلى أكثر من 140 ألف شخص، والذى صدر فى العام الماضى أثر بشكل واضح على الخطاب الاقتصادى للاحتجاجات الأردنية، والذى تتبنى سياسات شعبوية كالتراجع عن الخصخصة والتحرر النيوليبرالى وتطبيق سياسات للعدالة الضريبية.
الحنين لرفاهة الخمسينيات
والهجوم على سياسات التحرر الاقتصادى، التى بدأت بقوة منذ عام 1989، تعكس حنينا لدى قطاع كبير من الأردنيين للسياسات الشعبوية السابقة، حيث كانت الدولة تلعب دورا رئيسيا فى الاقتصاد منذ الخمسينيات، وتوسعت فى بناء البنية الأساسية والشركات العامة التى شغلت قطاعا كبيرا من المواطنين، وتوسعت الدولة أيضا فى برامج الدعم للأغذية والخدمات، من الخبز والوقود إلى التعليم والصحة، فى ظل سياسات حمائية استهدفت منذ السبعينيات تطبيق استراتيجية «إحلال الواردات» التى كانت شائعة بين الدول النامية فى تلك الحقبة.
ودعمت مساعى النظام الهاشمى فى تلك الحقبة لتأسيس دولة رفاة تضمن ولاء المواطنين له مصادر مالية لم تكن مضمونة الاستمرار، وهى المنح الخارجية التى تدفقت على البلاد بسبب موقعها ودورها فى القضية الفلسطينية، هذا إلى جانب اعتماد الأردن على تشغيل قطاع ضخم من عمالتها فى دول الخليج خلال طفرة أسعار النفط فى السبعينيات، والذين مثلوا مصدرا مهما للتحويلات المالية، وتعرضت الأردن لصدمة اقتصادية مع انهيار الأسعار العالمية للنفط بعد عام 1983، وهو ما أثر على تدفق الإعانات الخليجية وتحويلات العاملين بتلك المنطقة، وهى الفترة التى بدأت الضغوط الاقتصادية تدفعها إلى اتجاه طلب المساعدات المالية من صندوق النقد الدولى والتى كانت مرهونة بسياسات تحررية.
وسارت الأردن فى طريق التحرير الاقتصادى بقوة خلال التسعينيات، مع تخفيض الرسوم الجمركية وخصخصة الشركات العامة والاعتماد على ضريبة المبيعات كأحد ادوات زيادة الإيرادات العامة، وساهم التحرر الاقتصادى فى تأجيج تظاهرات قوية بالبلاد فى عام 1989، احتجاجا على رفع أسعار الوقود، وفى عام 1996، احتجاجا على تخفيض دعم الأغذية فيما عرف ب«مظاهرات الخبز».
ومع تولى عبدالله الثانى الحكم فى الأردن، خلفا لأبيه، عام 1999 بدأ طور جديد من السياسات التحررية، من تسريع وتيرة الخصخصة والتوسع فى اتفاقيات تحرير التجارة، التى تسعى إلى استكمال النموذج النيوليبرالى الذى عطلته أشكال المقاومة الاجتماعية المختلفة خلال حقبة حكم الأب «ما يصعب تنفيذ سياسات التحرر اليوم هو أن صبر الناس نفد بعد مرور أكثر من عشرين عاما على تطبيق تلك السياسات واستمرار الضغوط الاقتصادية على المواطنين» كما يقول أبوريش.
مصداقية متأكلة
وبالرغم من أن النظام الهاشمى كان يشار إليه فى بداية احداث الربيع العربى كأحد النظم المحظوظة التى لم تواجه اضطرابات عنيفة مثل التى عاشتها مصر وتونس، حيث اقتصر تأثير التظاهرات بها على تغيير 4 رؤساء حكومات وليس تغييرا شاملا فى النظام السياسى، إلا أن إسراع الأردن فى توقيع اتفاق لاقتراض 2.05 مليار دولار من صندوق النقد، واضطرارها لتطبيق سياسات تقشفية بسبب هذا الاتفاق فاقم من الحالة الاحتجاجية، واجتمعت كل من التيارات اليسارية والإسلامية والعمالية على مطالب الإصلاح السياسى، وكذلك المطالبة برفع الضغوط الاقتصادية عن كاهل المواطنين بدلا من رفع الأسعار.
«ربما تكون عدم مصداقية النظام السياسى أحد عوائق إقناع قطاع كبير من المواطنين بسياسات التقشف» برأى لاما أبوعودة، أستاذة القانون بجامعة جورج تاون بالولاياتالمتحدة، مضيفة أن تفاقم الضغوط الاقتصادية على المواطنين قد يساهم فى تأجيج الاحتجاجات على تلك السياسات.
ويوجه العديد من الخبراء الأردنيين الاتهامات للنظام الهاشمى بأنه أهدر أصول الدولة فى عمليات واسعة لخصخصة القطاع العام، فى قطاعات كصناعة البوتاسيوم والفوسفات والأسمنت والاتصالات، بيعت بأسعار منخفضة، وكذلك بيعت الثروات الطبيعية وتخصيص الأراضى بأسعار تقل عن سعرها السوقى.
فاتورة الطاقة وتكاليف الفساد
كما ساهمت قصص الفساد فى زيادة حالة الاحتقان، فوفقا لتقرير لصحيفة الواشنطن بوست فإن «تزامن التراجع الاقتصادى مع سلسلة فضائح الفساد التى تورط فيها وزراء ومقربون من الدائرة الملكية زادت من استياء المواطنين تجاه النخبة الحاكمة»، وهو ما يفسر المطالب المرفوعة من المواطنين بمكافحة الفساد قبل اللجوء إلى التقشف، ويصعب على النظام السياسى مهمته حتى مع طرحه تقديم برنامج لمساندة المواطنين يخفف من آثار رفع أسعار الطاقة، «الثقة فى السلطة ضعيفة، وهناك مخاوف من التوسع من الاقتراض من الصندوق، أو امتداد سياسات التقشف لأجور العاملين بقطاعات تابعة للدولة» يقول أبوريش.
أزمة مالية فى الأفق
من ناحية أخرى يواجه ملك الأردن ضغوطا مالية تهدد دولته ب«الإفلاس»، على حد تعبير تقرير لوكالة رويترز، فالمؤشرات الاقتصادية للبلاد تعبر عن نظام أنهكته تداعيات الاضطراب السياسى فى المنطقة، التى أثرت على السياحة والاستثمار وتحويلات العاملين فى الخارج، وارتفاع تكاليف الطاقة خاصة بعد انخفاض إمدادات الغاز المصرية، إلى جانب اضطرار نظام عبدالله الابن لرفع مستويات الأجور ونفقات الدعم لاحتواء الوضع الداخلى مما أوصل العجز المالى عام 2011 إلى 9.6% من الناتج الإجمالى. ومثلت موازنة دعم الطاقة مكونا رئيسيا فى هذا العجز «عجز الميزانية مع نهاية عام 2012 سيبلغ 5 مليارات دينار، المشكلة الثانية أننا نشترى النفط بالعملة الصعبة، ففى العام الماضى كان لدينا 17 مليارا من الاحتياطى النقدى، والسنة الحالية لدينا 7 مليارات، فماذا سيحدث للمملكة؟، إن إعادة النظر فى دعم المحروقات كان يجب أن يؤخذ منذ عامين»، بحسب تصريحات لرئيس الحكومة الأردنية.
ربما يكون الملك الشاب تفاجأ بامتداد وتيرة النقد إلى ذاته الملكية شخصيا، مع المضى قدما فى سياسات التحرر الاقتصادية، إلا أن موجات التظاهر تفسرها ارتفاع معدلات البطالة خاصة بطالة الشباب، فى منطقة تغير وجه السياسة فيها على يد الشباب خلال العامين الماضيين، وبينما يستند عبدالله الثانى على تأييد العديد من القوى الغربية والعربية له «تكمن مشكلته فى إقناع شعبه (بسياساته) مثلما نجح فى إقناع تلك القوى»، كما نقلت مجلة التايم عن مسئول أوروبى رفيع.
«تحديات الاقتصاد الأردنى تكمن فى تحويله إلى اقتصاد تنموى لا يعتمد بشكل قوى على استثمارات فى قطاعات مثل السياحة والقطاع المالى إلى قطاعات لها قيمة تنموية أعلى»، يقول أبوريش.
بدء أعمال إنشاءات
«أيوا» فى أمريكا
أعلنت شركة أوراسكوم للإنشاء والصناعة عن أن شركة أيوا المملوكة لها بالكامل قد بدأت أعمال الإنشاءات بمصنعها الجديد لإنتاج الأسمدة النيتروجينية فى ويفر بولاية أيوا. وقالت الشركة فى بيان لها أمس إن هذا المصنع سيكون أول مصنع عالمى للأسمدة يتم بناؤه فى الولاياتالمتحدة منذ 25 عاما، ويعتمد على الغاز الطبيعى فى تشغيله، وسيساعد على خفض اعتماد أمريكا من الأسمدة المستوردة.
وكان مجلس إدارة الهيئة المالية بولاية أيوا قد وافق بالإجماع بتاريخ 16 نوفمبر الجارى على إصدار سندات لصالح شركة أيوا للأسمدة تقدر بنحو 1.2 مليار دولار من سندات منطقة الكوارث بالغرب الأوسط الأمريكى.
يكبد العدوان الذى تشنه إسرائيل على قطاع غزة منذ أيام الاقتصاد الإسرائيلى مبالغ هائلة، مما قد يؤثر على موازنة الحكومة الإسرائيلية بشكل عام. وذكرت صحيفة يديعوت أحرونوت أن التكلفة القتالية لليوم الواحد فى العدوان الإسرائيلى تبلغ نحو 380 مليون دولار.
أبقى بنك اليابان المركزى السياسة النقدية دون تغيير أمس بعد أن عمد للتيسير للشهر الثانى على التوالى فى أكتوبر الماضى مفضلا ادخار خياراته المحدودة للوقت الحالى مع احتدام الضغوط السياسية لإجراء توسع نقدى أكبر قبيل انتخابات عامة فى ديسمبر المقبل. وأبقى البنك المركزى على تقييمه لحالة الاقتصاد دون تغيير لكنه حذر من ضعف فى الصادرات والناتج والإنفاق الرأسمالى بسبب التباطؤ فى الاقتصادات الخارجية.