شهدت المدن الأردنية يوم الجمعة، مسيرات شعبية، استمرارا لمسيرات واعتصامات أخري بدأت منذ اسبوعين للمطالبة برحيل الحكومة وإجراء اصلاحات سياسية، بينما تسابق حكومة الرفاعي الزمن لتنفيذ التوجيهات بزيادة رواتب الموظفين، والمتقاعدين المدنيين والعسكريين، بأثر رجعي منذ بداية العام، بينما قام العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بزيارة مفاجئة لبلدة الهاشمية في محافظة معان، حيث تفقد الأسر الفقيرة والمحتاجة بالمنطقة، مؤكدا أن الأيام القادمة ستشهد إن شاء الله تحسنا في ظروف المعيشة لأبناء الوطن . وفي البيان الذي أصدرته النقابات المهنية الأردنية في الإسبوع الماضي، طالبت بإصلاحات سياسية تمهد لانتخاب برلمان جديد، يأتي بناء علي قانون انتخابي توافقي، يكرس الانتماء للوطن، وبما يمكن من إعادة النظر في السياسات الاقتصادية القائمة علي الخصخصة وبيع القطاع العام، والارتهان إلي تعليمات البنك الدولي . يأتي ذلك بينما تشهد الأردن تصاعدا في مطالب المعارضة، حيث اعتصم مئات من أعضاء الأحزاب والحركة الإسلامية والنقابات المهنية مساء الأحد 16 / يناير احتجاجا علي سياسات الحكومة، وزيادة الأعباء الاقتصادية علي المواطنين، وجاء ذلك بعد يومين من "مظاهرات الغضب " التي شارك فيها آلاف الأردنيين وشهدتها العاصمة الأردنية عمان ومناطق اخري مثل إربد والكرك والسلط وذبيان ومخيم البقعة يوم الجمعة، وطالب فيها المتظاهرون برحيل حكومة الرفاعي احتجاجا علي ارتفاع الأسعار، وللمطالبة بخفض أسعار المحروقات والضرائب، حتي يتسني للطبقة المتوسطة والفقيرة من تلبية احتياجاتها والعيش في مستويات أفضل . وبالطبع، لم تكن هذه الأحداث بمعزل عن التطورات التي شهدتها الأردن مؤخرا، حينما دافعت الحكومة عن نتائج الانتخابات النيابية التي اجريت هناك في شهر نوفمبر الماضي ، واعتبرت مجلس النواب الجديد يمثل الأردن تمثيلا حقيقيا، بينما اعتبرت المعارضة أن الانتخابات شهدت (تزويرا فاضحا )، ولم تقدم الحكومة أي ضمانات لنزاهتها، كما أنها ( الحكومة) أبقت علي قانون الانتخاب الذي يقوم علي حق الناخب للتصويت لمرشح واحد، ولمرة واحدة في الدائرة الانتخابية، والمطبق منذ تسعينات القرن الماضي، وتطالب المعارضة بتغييره، ووفقا له انتهت الانتخابات بفوز كل المرشحين الموالين للحكومة بمقاعد مجلس النواب ( 120 مقعدا) بينها 13 سيدة. كان الملك عبد الله قد حل مجلس النواب الأردني في نوفمبر 2009، بعد انتقادات وجهت له بسوء الأداء والضعف، وعاشت المملكة طوال عام 2009 بدون برلمان . مؤشرات سلبية يمثل الاقتصاد الأردني نموذجا لاقتصادات الدول الصغيرة، التي تستجيب سلبا وإيجابا، بوتيرة أسرع، لكل عوامل التأثير داخليا، وإقليميا، وعالميا، كما أن الاقتصاد في الأردن يعاني كغيره من الاقتصادات العربية من سيادة السمة الاستهلاكية، أكثر من كونه اقتصادا إنتاجيا، كما أنه اقتصاد تتعايش بداخله أنماط انتاجية مختلفة، منها أنماط بدائية في الزراعة والصناعة، وأنماط متطورة واستهلاكية تجعله دوما في حالة توتر، يزيد من صعوباتها سوء توزيع الدخل والثروة . كان الاقتصاد الأردني، وهو أساسا يعتمد علي المعونات، قد حقق خلال السنوات الماضية نموا قويا ( 8 .7 % عام 2008 )، بعد عدة اجراءات إصلاحية من جانب الحكومة، ولكنه في مرحلة تالية أخذ يعاني متغيرات مختلفة بفعل تداعيات تراوحت بين نتائج سياسات الخصخصة، وتطورات اقليمية خاصة في العراق، والأزمة الاقتصادية العالمية، الأمر الذي أثار تحديات قوية لحكومة الأردن . ففي عام 2010، عاني الاقتصاد الأردني من عجز الموازنة، وزيادة حجم المديونية، مما أثر علي قطاعات اقتصادية عديدة، كانت تعاني أصلا من الركود نتيجة الآثار السلبية للأزمة المالية العالمية . فعجز الموازنة يدور حول المليار دولار، وحجم المديونية يحلق في حدود 14 مليار دولار بما يتجاوز الحد المسموح به في قانون الدين وهو 60 % من الناتج المحلي الإجمالي، مما يعرض اقتصاد المملكة للاهتزاز . هذا، فضلا عن تباطؤ النمو الاقتصادي، وصعوبات كبيرة تواجه الأردن في جذب الاستثمارات الخارجية، والتي تأثرت في اتجاه التراجع خلال العامين الماضيين . وباعتراف مسئول أردني، فإن كل محاولة كانت تبذلها الحكومة في مسعاها لضبط العجز، كانت تعني زيادة الأعباء علي فئات عديدة من الشعب الأردني ممثلة في زيادة ما يتحمله من ضرائب ورسوم وغرامات إضافية، بموجب ما يجري من تعديلات للقوانين وزيادات الرسوم وتقليص للدعم . ويعلق خبير اقتصادي أردني بأنه طالما أن الحكومة نفسها لاتتجه للاستثمار في البنية التحتية، فإنه بالتبعية لن يكون لدي المستثمرين المحليين او العرب او الأجانب الدافع للاتجاه في هذا المجال، وبالتالي فإن الاقتصاد الأردني يواجه في 2011 تحديات كبيرة تختبر قوته، واحتمالات دفع عجلة النمو من جديد . ويتم توجيه اللوم إلي الحكومة لأنها لجأت إلي الحلول السهلة لمعالجة العجز عبر فرض الضرائب وزيادة الرسوم الجمركية وإعادة فرض رسوم كانت ملغاة أصلا . ورغم أن حكومة الرفاعي أعلنت حزمة من الإجراءات لخفض الأسعار بقيمة 120 مليون دينار، فإن الموقف لم يتغير كثيرا، حيث يصل معدل التضخم إلي 1 .6 %، ولايتجاوز الحد الأدني للأجور 211 دولار شهريا، وتصل البطالة إلي 14 % وفي تقديرات أخري إلي 30 %، ونسبة الفقر 25 % . وحده صندوق النقد الدولي الذي يدلي بمؤشرات متفائلة مشيرا إلي أن الاقتصاد الأردني سيحقق نموا في 2011 يصل إلي أكثر من 4 %، وأن عجز الموازنة سيتقلص إلي 3 .5 % من الناتج المحلي الإجمالي، شريطة أن يتعافي الاقتصاد الأردني، وأن تتوافر له الإدارة المالية والنقدية ذات المصداقية، والرقابة القوية والمنظمة للقطاع المالي . الاقتصاد / القبلية / الدولة في سبعينيات القرن الماضي، كان حوالي 70 % من الأردنيين يعيشون في الريف والبادية، و30 % يعيشون في المدن، وفي الوقت الراهن، فإن 80 % من الأردنيين يعيشون في المدن، و20% يعيشون في الريف والبوادي، وكثير من أبناء العشائر انتقلوا إلي ممارسة التجارة والزراعة والتعيين في وظائف الدولة ومؤسساتها، لذلك فإن الدور القبلي في الحكومات الأردنية المتعاقبة اتسع عبر عدة عقود، بحيث أصبحت هناك كوتا للسلطة يتم توزيعها في المؤسسات السيادية من أبناء القبائل، وغدت هناك ظاهرة يطلق عليها اسم " بيوت السلطة القبلية " . إذن تهيمن العشائر علي الجهاز البيروقراطي للدولة الأردنية، وتعمل علي إحباط إصلاحات السوق التي من شأنها الحد من الرعاية الاجتماعية والامتيازات التي يعتمدون عليها للحفاظ علي سلطاتهم ونفوذهم . في الوقت نفسه، فإن التباطؤالاقتصادي في الأردن يزيد من صعوبة تلبية الدولة لاحتياجات العشائر خاصة مع تقلص المساعدات الأجنبية وإيرادات الضرائب، وهذا كله، مما يساهم في إشعال الصراعات السياسية علي خلفية أن العشائر الأردنية تمثل في حقيقة الأمر " السند " الذي يدعم العاهل الأردني والمؤسسة الملكية . ويري محللون أن هذه المشاكل والصراعات والمرشحة للتصاعد مع زيادة الأعباء الاقتصادية، يمكن ان تؤدي إلي عرقلة انجاز مراحل لاحقة في تحديث الاقتصاد والدولة والمجتمع في الأردن، فضلا عن أنها قد تقوض النظام الملكي المنظور إليه علي أنه" الركيزة " التي تحفظ للبلاد وحدتها، في بلد يسكنه 7 ملايين نسمة، و 75 % من السكان من أصل فلسطيني، ويتمثل الخطر في كون التحالفات القبلية تحل محل الشرعية السياسية، والتحالفات المدينية . وتبعا لظروف الدولة الأردنية، فإن العشائرية تقع في المنطقة الوسط بين نفوذ الإسلاميين من ناحية، والأحزاب القومية الأردنية من ناحية أخري . وتردد أوساط عديدة أن سيطرة القبائلية والعشائرية علي جهاز الدولة، كانت الشرارة التي تسببت في الأزمة الاقتصادية في 1989 وانتهت بانهيار الدينار الأردني، في بلد يعاني أصلا من ُشح الموارد، وما تبع ذلك من " هبات شعبية قبلية غير مسبوقة " . وحتي بعد أن أجري الملك عبد الله عدة اصلاحات اقتصادية، واستعان بخبراء متخصصين في المجال الاقتصادي لإصلاح الموازنة العامة، وترشيد القرار الاقتصادي، فإن عقلية الريع والمنفعة أعاقت هذه الإصلاحات، متذرعة بالمؤسسة القبلية، وهيمنة أصحاب المصالح الذين لم يتورعوا في كثير من الحالات عن ابتزاز الدولة، للحفاظ علي مكاسبهم ممثلة في وظائف حكومية مقطوعة لحسابهم، وامتيازات تؤمنها لهم الحكومة، وصولا إلي الممارسات غير المشروعة كالتهرب من الضرائب، والتهريب، والصفقات المشبوهة . القبيلة / الدولة / السياسة أجمعت تحليلات عديدة علي أن نتائج الانتخابات التشريعية التي أجريت في الأردن في نوفمبر الماضي انتهت بفوز أغلبية موالية للحكومة من المرتبطين بانتماءات قبلية، أكثر من كونهم أصحاب انتماءات حزبية، مما يعني تفوق الانتماء القبلي علي الانتماء الوطني . هذا فضلا عن أن مقاطعة حزب العمل الإسلامي للانتخابات سمح بهيمنة القبيليين علي البرلمان . وفي حالة الأردن، تظهر العصبية باعتبارها القوة التي تملكها " الارستقراطية القبلية " وتوظفها في صيغة تضامن قبلي مع المؤسسة الملكية، بحيث تم تحويل الدولة إلي عصبية خاصة، وقبيلة للحكم متحكمة ومغلقة علي أتباعها . يذكر أن البرلمان الأردني يضم مجلس النواب الذي يتم انتخاب أعضائه (120) كل أربعة سنوات، ومجلس الأعيان الذي يضم 60 عضوا يعينهم الملك . علي صعيد آخر، فإن الساحة السياسية في الأردن تزخر بتعدد التيارات السياسية، مابين التيار الإسلامي (حزب العمل الإسلامي، حركة دعاء الإسلام)، والتيار اليساري (حزب الوحدة الشعبية، الحزب الشيوعي، الحزب الديمقراطي الأردني) وتيار الوسط (حزب العهد، حزب المستقبل)، والتيار القومي (أحزاب البعث بشقيه، العربي الاشتراكي، والديمقراطي الأردني، والحزب العربي) . وبالرغم من تعدد التيارات السياسية في الأردن، فإن الحياة الحزبية تمثل أضعف حلقات البنية السياسية حتي مع توافر 35 حزبا سياسيا، غير أن عضوية الأحزاب بصفة عامة لاتتجاوز 4200 عضو للأحزاب كلها، بعد أن كانت منذ عقدين ما يقرب من تسعة آلاف عضوا، وقد تصل عضوية حزب ما إلي 60 عضوا . التصعيد ضد الحكومة يمثل التصعيد ضد الحكومة الأردنية المتغير الأقوي الذي يمكن ملاحظته حاليا علي الساحة الأردنية . ويأتي هذا التصعيد استجابة لعدة دوافع، فهناك أولا توجهات لدي عدد من النواب لتفعيل الحراك البرلماني ضد الحكومة امتثالا لرغبة الغضب الشعبي من انتشار الفقر والبطالة وارتفاع الأسعار، ومن ثمة كانت المذكرة التي وقع عليها عدد من النواب لحجب الثقة عن الحكومة، وامتصاص الغضبة الشعبية، هذا، بعد أن كان النواب قد منحوا الحكومة ثقة قياسية في الشهر الماضي فقط ( 111 صوتا من أصل 119 ) . هناك أيضا التصعيد من جانب الإسلاميين ضد الحكومة، بعد أن وجهت لهم القوي السياسية والحزبية انتقادات قاسية لعدم مشاركتهم في الاعتصامات التي شهدتها الأردن في الأسبوع الماضي، لذلك بلور حزب العمل الإسلامي مطالبات قوية ضد الحكومة تمثلت في : إصلاحات جوهرية في التشريعات والسياسات وإصلاح قانون الانتخاب بما يتفق مع المعايير الديمقراطية ومكافحة الفساد، خاصة الفساد الأخلاقي وتعزيز استقلالية القضاء وإعادة رسالة المسجد كمؤسسة تربوية واجتماعية، فضلا عن كونها دار عبادة . الشارع الأردني نقلت عدة مصادر أردنية أن نقاشات الشارع الأردني توسعت وتغيرت نوعيا علي وقع أحداث الثورة التونسية التي هزت أركان المنطقة علي أصعدة رسمية وشعبية إلي حد كبير . فعلي صعيد رسمي تردد عدة مصادر أن الملك عبدالله أنشأ غرفة عمليات خاصة في القصر الملكي للحيلولة دون إغراق البلاد في حالة الفوضي وانعدام القانون إذا ما اتسع نطاق المظاهرات والاعتصامات الشعبية، كما صدرت أوامر مشددة بالتعامل شديد الحرص ( أمنيا ) مع المتظاهرين . أما علي الصعيد الشعبي، والشارع الأردني فإن حالة الاحتقان بسبب زيادة أعباء المعيشة وارتفاع الأسعار اكتسبت في الآونة الأخيرة نوعا من الجرأة والثقة في امكانية التغيير، وهي ظواهر انتشرت في الأردن، كما في عدة دول عربية بعد أحداث الثورة التونسية، بحيث أننا نجد أن الجديد في الموقف الشعبي يتمثل في : 1 .. توسيع نطاق النقاش المجتمعي، وانتقال الحديث في الأردن من مشكلة الفقر والبطالة إلي الأبعاد السياسية ومسؤلية الحكومة في انتشار الفساد الاقتصادي والاجتماعي ، والعودة القوية، عالية الصوت، إلي حديث التزوير الفاضح للانتخابات التشريعية . 2 .. توسيع نطاق المطالب الشعبية التي أضحت مطالب عامة للشارع السياسي، وبعد أن كان المطلوب في الأردن تدخل الحكومة لخفض الأسعار، تصاعد مؤشر المطالب إلي إسقاط الحكومة، وحل البرلمان، وتشكيل حكومة مؤقتة ترأسها شخصيات مشهود لها بالكفاءة، وصولا إلي مطالب بتعديل الدستور، وحديث بعض القوي (خاصة الإسلامية) عن تغيير نظام الحكم في المملكة .وصعد حزب العمل الإسلامي من مطالبه بإعمال النص الدستوري للحد من صلاحيات الملك، وجعل رئيس الوزراء منتخبا ومستوزرا من الشعب . 3 .. يلاحظ في الأردن، والشارع العربي عموما، إعادة تشخيص للمشكلة الاقتصادية والاجتماعية، وإرجاعها إلي الجذر السياسي، وتحديدا الاستبداد، والتفرد بالقرار، وتهميش المواطن والقوي السياسية، ومصادرة الحريات، وإضعاف دور المؤسسات السياسية .وفي الشارع الأردني، يتصاعد المطلب الديمقراطي، منظورا إليه بمعيار الحريات المدنية والسياسية، والعدل والمساواة، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية بنسبة تفوق 70 % من الأردنيين، حسب استطلاع حديث للرأي أشار إلي تفضيل الأردنيين لنظام ديمقراطي حديث لبلادهم .