سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
«الشروق» فى صحبة السلفيين من المنصورة للمشاركة فى مليونية الشريعة بالتحرير أحد شيوخ الرحلة تناول غداءه فى مطعم أمريكى والآخر كان حريصًا على التصوير مع أبو إسماعيل
•12 أتوبيسًا و5 ميكروباصات كاملة العدد شاركت فى «مسيرة الشريعة» •الحجز اكتمل قبل الرحلة بيومين والعشرات جاءوا لنقطة الانطلاق دون تسجيل أسمائهم
«رحلة إلى ميدان التحرير»، كان هذا العنوان لافتا على صفحات فيس بوك خصوصا بعد أن أوضحت التفاصيل أنه لا يعبر عن دعوة لرحلة تثقيفية لطلبة المدارس فى المحافظات المختلفة لزيارة ميدان الثورة، لكنها دعوة قدمها التراس الشيخ حازم صلاح ابو اسماعيل للحشد إلى جمعة المطالبة بتطبيق الشريعة.
من مدينة المنصورة عاصمة الدقهلية، اطلقت الجبهة السلفية دعوات للمواطنين من أجل الحشد والنزول لميدان التحرير أمس الأول، والغريب أن السخرية من الدعوة للتجمع لم تمنع المئات من مختلف الاعمار من الذهاب فى الموعد المحدد والانطلاق إلى ميدان التحرير للمشاركة فى المليونية.
الصورة الذهنية لدى غالبية المشاركين عن الاعلام كانت سلبية، فالاتهامات بتطويع الاخبار ونشرها بطريقة تسىء لهم هى السمة الاغلب عند الحديث عن الصحف، لذا كان لابد من التنكر فى هيئة اثنين من أنصار تطبيق الشريعة الراغبين فى السفر معهم.
ارقام الهواتف المحمولة التى دونها مطلقو الدعوة من الجبهة السلفية لم ترد طوال اليومين السابقين للتحرك، لكن عدم الرد على الهاتف لم يمنع العشرات من الراغبين بالمشاركة فى مليونية تطبيق الشريعة من الوصول مبكرا لمكان التجمع أملا فى السفر و«المناداة بتطبيق شرع الله».
نقطة التجمع كانت أمام استاد المنصورة، بينما كان يقف مجموعة من الشباب والفتيات مستعدين لرحلة ترفيهية للقاهرة، وقفت مجموعة من الشباب الملتحين أمام 4 سيارات سعة كل منها 33 راكبا، كان سائقوها قد وصلوا مبكرا إلى نقطة التجمع، حيث وقفوا أمام مسجد الزراعيين.
«على التحرير التحرير، طريقنا للجنة من التحرير» هتاف استقبل به عصام كريمة الرجل الثلاثينى الملتحى بعض المقتربين من الاتوبيسات، فى محاولة لحشد اكبر عدد ممكن، فعلى الرغم من عدم انتمائه للجبهة السلفية إلا أنه يقوم بالترويج للذهاب للتحرير باعتباره «الطريق إلى الجنة».
«ممكن ناخد صورة جماعية بعلامة التوحيد»، ارفع سبابة يدك اليمنى قالها مداعبا الاخرين، «انا بصور الصورة دى علشان ارفعها على حسابى الشخصى على الفيس بوك، علشان فى اخوة كثير بيشيروا بالصورة من عندى، ونشرها على صفحتهم الشخصية»، حديث لم يستمر طويلا مع وصول الشيخ نادر الشهير بأبو حمزة، فهو المسئول عن تنظيم المسافرين مع الجبهة السلفية.
أوراق دعائية
وصل ابو حمزة وبعده عدد من مساعديه حاملين ورقا مطبوعا للترويج لحزب الشعب، بالاضافة إلى كمية جيدة من البوسترات وكشوف بأسماء المسافرين الذين قاموا بالاتصال التليفونى وحجز أسمائهم للسفر، حيث دون فى كل كشف اسماء المسافرين فى كل اتوبيس والمشرف التابع له ورقم هاتف المسافر.
«لم نرد على تليفون الحجز اليومين الماضيين لعدم وجود أماكن معنا، فالحجز اكتمل خلال يومين ولم نتوقع ان يشارك كل هذا العدد من ابناء الدقهلية»، قالها نادر مبررا عدم الرد على المتصلين يومى الخميس والجمعة، مشيرا إلى أن الحجز المبدئى كان لعشرة اتوبيسات تزايدت لاحقا لتصبح 12 بسبب زيادة الاقبال.
واصل حديثه للمنتظرين «لا تقلقوا ان شاء الله الجميع سيسافر للمشاركة ولا يزال الوقت مبكرا أمامنا، وهناك 5 سيارات اجرة ايضا فى طريقها لنا وستنطلق من مراكز مجاورة، وإذ تطلب الامر سنقوم بالاستعانة بسيارات إضافية ولدينا اتفاقات خاصة بذلك مع السائقين».
دقائق قليلة قبل السابعة حتى بدأت باقى الاتوبيسات فى الوصول لنقطة التجمع، البعض جاء بسيارته الخاصة وركنها مفضلا الذهاب فى الاتوبيسات، والبعض الاخر جاء حاملا البوسترات واللافتات التى سيتم رفعها بالميدان بتوقيع حزب الشعب والتى تنادى بتطبيق الشريعة.
ميعاد التجمع المعلن هو السابعة والنصف صباحا، وخلال هذه الفترة كان السلفيون يتوافدون فى مجموعات، بعضهم جاء فى سيارات خاصة والبعض فى التاكسى والثالث جاء ماشيا من منزله، لكن التحرك فى مجموعات كان المشهد الغالب.
سيارة ميكروباص واحدة فقط تحركت فى السابعة صباحا محملة ب14 فردا، تابعين لإحدى الجمعيات الخيرية حيث فضل مستقلوها المغادرة مبكرا من أجل الوصول للميدان والمشاركة فى التحضيرات مع الموجودين بالتحرير، والذين امضوا الليلة السابقة فى التجهيز لمنصة الجمعة.
الامطار التى كانت اثارها لا تزال واضحة فى الطرق، لم تمنع 4 اخوات من الحضور مبكرا للسفر مع الاخوة المسافرين، حيث ساعدهن بعض الشيوخ على الوصول للأماكن المخصصة لهن سريعا، فيما كان يقف بعض الشباب منتظرين معرفة السيارة التى ستقلهم.
مع اقتراب موعد الانطلاق، بدأت مجموعة من شباب الجبهة فى لصق الارقام المطبوعة على السيارات من 1 إلى 12 لكى يعرف المتواجدون أرقام السيارات، فيما وقف كل مشرف يسأل عن المسافرين معه لاصطحابهم للسيارة من أجل المغادرة والوصول مبكرا.
وقف محمد سائق الاتوبيس يجهز سيارته للرحلة، يمسح مرآته وينظف السيارة من اثار الامطار، بينما يقوم أحد المشايخ بلصق الورقة على السيارة، فهو ذاهب معهم باعتباره سائقا فقط، لكنه لن يشارك فى المليونية حيث قضى وقت الانتظار داخل سيارته لم يغادرها الا لشراء علبة كشرى تناولها بعد الساعة الرابعة عصرا.
الاتوبيس يتم تأجيره ب600 جنيه فى الرحلة إلى القاهرة، وهو مبلغ قليل مقارنة بالعدد الذى يحمله، فسعته 33 راكبا، وتكلفة السفر والعودة من القاهرة للفرد الواحد 22 جنيها، بينما يكون سعر الفرد فى الاتوبيس اقل من ذلك مضافا اليه الانتقالات الداخلية.
محمد السائق لم يعترض على المليونية، فهو يرى ان تطبيق الشرع أمر جيد، لكن على الرئيس ان يوفر حياة كريمة للمواطنين قبل ان يطبق الشرع، فهناك من يسرق لكى يوفر قوت يومه بعدما فشل فى العثور على عمل، مختتما حديثه قائلا «فى النهاية انا واحد ماليش رأى» ليواصل عمله فى تلميع السيارة وإزالة اثار الامطار من عليها.
متابعة تليفونية
اتصالات هاتفية مع المسافرين الموجودين لإبلاغهم برقم السيارة التى سيقومون باستقلالها، علامة صح بجوار الاسم بالكشف تعنى أن المسافر على علم بالاتوبيس الذى سيسافر به، مع التنبيه على الالتزام بالمواعيد التى سيتم الاتفاق عليها لاحقا بشأن العودة ونقطة التجمع.
لقب شيخ يسبق اسم الجميع تقريبا، فأكثر من 95% من الموجودين ملتحين، حتى الشباب يخاطبون بعضهم البعض بلقب شيخ، بينما تقف كل مجموعة منهم للحديث فى شئون مختلفة بعضها خاص بالمليونية والبعض الاخر خاص بالانتخابات والدستور ومواده ورغبة العلمانيين فى السيطرة عليه وكتابته على هواهم، فيما وقف بعضهم يتحدث عن الوصايا الواجب اتباعها للعودة بسلام.
الوصايا التى قدمها المشرفون كانت تتلخص فى عدم تناول الاطعمة بكثرة والتقليل من كمية مياه الشرب التى يتم تناولها لتجنب الذهاب لدورات المياه فى ظل عدم وجود دورات مياه عامة فى التحرير، بالإضافة إلى اصطحاب جاكت للحماية من موجات الهواء التى قد تشتد فى أى لحظة حتى لا يتعرض لنزلة برد.
وقف الشيخ عصام يتحدث عن الاعلام والاعلاميين الذين حشدوا اسلحتهم كافة لمواجهة السلفيين طوال الفترة الماضية، وانتقادهم بشدة من خلال برامجهم، معتبرا أن المليونية ستكون اكبر ضربة موجهة لهم حيث سيكون الحشد مفاجئا لهم وستصل رسالة تطبيق الشريعة لهم بشكل يفاجئهم.
ليس بالضرورة ان تكون كادرا فى الجبهة السلفية أو فى حزب ينتمى للتيار السلفى كى تقوم بالدعوة لتطبيق الشريعة، هكذا كان يعبر عن فكرة الرحلة، وتساءل «من يكره تطبيق شرع الله؟، فهذا الامر لا جدال فيه، والشريعة يجب أن تكون مطبقة على الجميع حتى نستطيع بناء المجتمع».
«مرسى لم يفز بالانتخابات إلا بعد أن جلس مع الامريكان والاخوان غير جادين فى تطبيق الشريعة والدين فى حياتنا وعلينا أن نتظاهر حتى نحصل على هذا الحق وننتزعه من الليبراليين الذين يرغبون فى تحويلنا إلى دولة علمانية ومحو هويتنا الاسلامية»، هكذا يشرح فكرته لمن حوله.
الساعة الثامنة صباحا بدأت التنبيهات على الموجودين بالاستعداد للرحيل، جلس الجميع داخل الاتوبيسات المخصصة، وبدأت عملية تسكين اسماء الوافدين دون حجوزات على السيارات التى يتوافر بها أماكن، فيما ظلت مجموعة من قيادات السلفيين فى التنقل بين السيارات للاطمئنان على المسافرين وحصر أسمائهم.
سنتحرك فى حدود الثامنة والنصف حتى نصل مبكرا للميدان، قالها ابو حمزة المسئول عن التنسيق بين المسافرين ليأتى بعدها بدقائق مسئول الاتوبيس الذى حددوه لنا وهو رقم 3.
أحاديث مغلفة بالنعاس
خلال الطريق الذى استغرق نحو 3 ساعات من المنصورة إلى القاهرة، كان الحديث بين رواد الاتوبيس متقطعا، وشخصيا بدرجة كبيرة، بعضهم غرق فى النوم بسبب الاستيقاظ المبكر، والبعض الاخر تحدث فى الشأن السياسى، بينما جلس أحد أعضاء حزب الشعب يعرف بالحزب وبرنامجه وأملهم فى الحصول على الاغلبية بالبرلمان المقبل بعد التنسيق مع التيارات السلفية المختلفة.
على بعد كيلو مترات قليلة من القليوبية وقفت السيارات أمام مسجد عمر بن الخطاب الموجود على الطريق السريع الزراعى، حيث نزل المشايخ لدخول الحمام والتوضؤ قبل الوصول للقاهرة، فيما دفع تكدس الجميع أمام المسجد بعض قائدى السيارات إلى طلب المغادرة لمسجد اخر خاصة ان عقارب الساعة كانت تشير إلى الحادية عشر والنصف.
10 دقائق تقريبا قضاها المسافرون فى التواجد داخل المسجد، ليصعدوا بعدها للسيارة مرة اخرى ويدخلوا فى نقاشات لم تنته الا بعد الوصول لميدان التحرير.. يتحدث الدكتور محمد العيسوى مسئول الاتوبيس مع الموجودين عن مستقبل التيار السلفى السياسى.
العيسوى قال ان السلفيين فى سبيلهم للتوحد بشكل منفصل عن حزب النور، من خلال الدمج ما بين حزب الشعب والحزب الذى سيقوم بتأسيسه الشيخ حازم صلاح ابو اسماعيل، لكنه فى الوقت نفسه يعترف بتأثر شعبية الشيخ حازم بما حدث معه فى انتخابات الرئاسة.
خلال الرحلة لم تقف هواتف بعض المشايخ عن الرنين، اتصالات مع الوافدين من بورسعيد للتنسيق حول موعد الالتقاء واتصالات لمعرفة اين وصلت السيارات، بينما كان العامل المشترك بينهم هو المتابعة المستمرة كل عدة دقائق للوصول فى توقيت متزامن قبل الصلاة.
قبل الثانية عشرة بقليل، وصلت الاتوبيسات بشكل متوال إلى ميدان عبدالمنعم رياض ووقف مشرف الاتوبيس، يؤكد على أن ميعاد التجمع من الساعة الخامسة وحتى السادسة، بينما ستتحرك السيارات فى السادسة مساء، عائدة إلى المنصورة، سواء تم إيصال الرسالة المرادة أم لا، وسيكون التجمع فى نفس مكان الوصول، على أن يقوموا بتأدية صلاة المغرب والعشاء قبل الصعود إلى الاتوبيس.
نزل الجميع من السيارات، البعض رفع لافتة صممها وحملها من المنصورة والبعض الاخر انتظر دوره فى الحصول على لافتة كرتونية من التى حملت بها السيارات، واخرين تولوا مسئولية توزيعها وحملوها إلى الميدان، دقائق قليلة وبدأوا فى التحرك، بعضهم فضل التحرك سريعا من أجل الصلاة التى كان الإمام قد بدأ خطبتها بالفعل البعض الاخر فضل الانتظار للتحرك فى جماعة.
هتافات الوصول
هتافات «إسلامية إسلامية» و«الشعب يريد تطبيق شرع الله» انطلقت من أسفل كوبرى أكتوبر حيث توقفت السيارات، وصولا إلى قلب الميدان، دون تفتيش من المتواجدين، بينما ظل بعض المشايخ يرددون الهتافات بصوت عال حتى الوصول لقلب الميدان، فبدأوا بعدها بالإنصات لخطبة الجمعة.
وقف على، الشاب الذى لم يتجاوز عمره 22 عاما، امام أحد بائعى الاعلام السوداء المكتوب عليها «نعم لتطبيق شرع الله»، سأله عن سعر العلم فوجده ب15 جنيها، ليشتريه فى النهاية بعشرة جنيهات فقط، ويغادر برفقة زميله الذى لم يشتر العلم واكتفى باللافتة التى قام بكتابتها بيده.
بعد شراء العلم، وخلال سيرهم بالميدان تحدث على مع زميله عن الباعة الجائلين الذين يستغلون الظروف ويبيعون ما يريده المتظاهرون فى كل مليونية ونفاقهم، مشيرا إلى أن المليونية لو كانت لمعارضة الاسلاميين لكانت الاعلام تحمل شعار «مصر مش عزبة».
بعد الصلاة بدأ المشايخ الوافدون سويا فى التفرق، البعض اقترب من المنصة، والبعض الاخر ارهقته سكة السفر فجلس فى الظل بعيدا، وثالث توجه لتناول الطعام فى المطاعم القريبة واخرين اشتروا من الباعة الجائلين المنتشرين فى الميدان، انتظارا لموعد المغادرة مستمعين إلى خطباء المنصة.
لم يجد الشيخ عبدالرحمن الا أحد المطاعم الامريكية الشهيرة بتقديم وجبات الدجاج فى الميدان ليتناول فيها الغداء مع رفاقه، ودخول دورة المياه فيه، ولم يجد حرجا بأن يأتى للميدان ليطالب بتطبيق الشريعة، بينما يتناول الطعام فى مطعم امريكى، وهو ما رد عليه ضاحكا «هو كان فيه مطاعم قريبة بديلة وأنا قولت لا لازم الامريكى».
مر الوقت بعد الاستماع للكلمات، لتقترب عقارب الساعة من الخامسة مساء، حيث بدأ الموجودون فى الاستعداد للرحيل، أدوا صلاة المغرب والعشاء جمع تقديم بمسجد عمر مكرم، وبدأوا فى التوجه للسيارات، حيث وقف المشرفون حاملين كشوفا باسماء المسافرين يتصلون بهم للقدوم استعدادا للرحيل.
نحو ساعة قضاها السلفيون فى التجمع، البعض اشترى أحذية وملابس مستغلا وجوده فى العاصمة، والبعض الاخر ظل يتحدث عما حدث معه خلال التواجد فى الميدان، ومشاركته فى الهتافات لدرجة جعلت اصوات غالبيتهم غير واضحة بينما ظهرت علامات الإرهاق الشديد على وجوههم.
الشيخ محمود كما يناديه اصحابه، كانت المرة الاولى التى يرى فيها الشيخ حازم صلاح ابو اسماعيل، وهو ما جعله يشعر بالسعادة موضحا أنه يعتبر الشيخ حازم مثله الأعلى فى الحياة ولا يصدق كل ما قيل عنه أثناء الانتخابات، بينما ظل يطوف بهاتفه المحمول على أصدقائه ليشاهدوا الصورة التى نجح فى اقتناصها معه رغم الزحام.