تعديلات مثيرة للجدل اقترحتها وزارة المالية على نظام التأمينات الاجتماعية، من خلال مشروع قانون التأمينات الجديد الذى يجرى الإعداد له، على رأسها استثمار 35% من أموال التأمينات بشكل مباشر. رغم تعدد الاقتراحات التى تدرسها وزارة المالية فى إطار مشروعها المقترح لنظام التأمينات الاجتماعية الجديد، فإن النقطة الأكثر إثارة للجدل والتى كشفت عنها «الشروق» فى عدد الأمس، تتعلق باستثمار جزء من أموال التأمينات والمعاشات بنسبة تصل إلى 35% استثمارا مباشرا أى فى البورصة أو من خلال تأسيس الشركات الاستثمارية. وقد رفض معظم من تحدثت «الشروق» إليهم من خبراء وأصحاب المعاشات تلك الفكرة، باعتبارها تنطوى على مخاطرة عالية بهذه الأموال المرتبطة بدخول عدد كبير من المستفيدين بالمعاشات، بينما رأى آخرون أن الاقتراح متوافق مع التوجهات العالمية فى هذا المجال. ويشير عبدالخالق فاروق، خبير اقتصادى، إلى أن أموال التأمينات يتم استثمارها طوال الوقت من خلال بنك الاستثمار القومى، إما من خلال إعادة إقراضها لمشروعات تقوم بها الدولة، أو بإقراض جزء صغير منها لجهات خاصة، أما أن يتم إخضاع نسبة مؤثرة من هذه الأموال لتقلبات السوق. فإن هذا ينطوى على مخاطر. ومن جهة أخرى، يقول فاروق إن إدارة أموال التأمينات قد ارتبطت بزيادة حجم الدين المحلى، حيث اقترضت الحكومة من أموال التأمينات من خلال بنك الاستثمار القومى، دون أن تعيد هذه الأموال، ما رفع من نسبة الدين المحلى. «وضعت وزارة المالية بعد ذلك يدها على مجمل أموال التأمينات بضمها إلى ميزانية الدولة حتى تتمكن من التحكم فى الحسابات الخاصة بحجم الدين والفوائد المستحقة عنه، خاصة أن جهات التمويل الدولية تطالب مصر بخفض نسب الدين المحلى» تبعا لفاروق. الذى يرى أن عدم دراية أعضاء مجلس الشعب بالأسس المحاسبية للموازنة «سهل التلاعب الحسابى، بحيث لا يتم دفع الفوائد من جهة ويتم خفض حجم الدين محاسبيا من جهة أخرى. ويعتبر إخضاع جزء من أموال التأمينات لتقلبات السوق بابا لزيادة هذا التلاعب الحسابى فى رأى فاروق. ويرفض عدد من أصحاب المعاشات، والمدافعين عن حقوقهم، استثمار أموال التأمينات بهذا الشكل، فيقول سعيد الصباغ، أمين عام اتحاد أصحاب المعاشات تحت التأسيس «لا أتوسم خيرا فى هذا القانون وأعتقد أنه لن يعود بفائدة على أصحاب المصلحة، أصحاب المعاشات». موضحا أن استثمار أموال المعاشات مغامرة غير محسوبة لأن الحالة الاقتصادية فى مصر لا تبشر بخير، و«أى شخص يمتلك مشروعا تجاريا الآن لا يضمن أن يربح العام القادم نفس ربحه العام الحالى». واعتبر الصباغ، أن القانون الجديد سيسير على خطى التعديلات التى أجرتها وزارة المالية على قانون التأمينات القديم والتى أهدرت الكثير من حقوق أصحاب المعاشات على حد قوله. فيما علق قطب فايق حسن، رئيس حركة الدفاع عن أصحاب المعاشات، على المقترح بأن «معناه ضياع الفلوس، فوزارة المالية استثمرت من قبل أموال المعاشات وكانت النتيجة ضياع 22 مليار جنيه، لذلك نرفض الاستثمار المغامر». من جهته، طالب شكرى عازر، رئيس لجنة الدفاع عن أموال التأمينات والمعاشات، وهى إحدى منظمات االمجتمع المدنى، وزارة المالية بالكشف عن مصدر الأموال التى تريد استثمارها وأن تعلن عن حجم أموال المعاشات قبل أن تقدم على هذه الخطوة. ولم تكن مخاطر البورصة هى التحفظ الوحيد للخبراء على التعديلات، فقد علق هشام توفيق المستشار السابق لوزير المالية وعضو لجنة التأمينات السابق على فكرة الاستثمار بشكل مباشر لأموال التأمينات بأنه «كارثة بكل المعايير»، وقال إن الاستثمار المباشر يعنى أن الحكومة سترتد إلى الملكية العامة من خلال إقامة مصانع وشركات بأموال التأمينات. وقال توفيق إن وجهة نظره لن تتغير لو أوكلت الحكومة إدارة المشروعات التى ستقيمها إلى القطاع الخاص، مشيرا إلى أن استثمار أموال التأمينات مسألة شديدة الحساسية. ويجب أن تكون من خلال أوراق مالية، سواء سندات أو أسهم، بشرط ألا تزيد نسبة الأسهم عما يتراوح بين 10 و15% من هذه الأموال تجنبا لمخاطر الاستثمار فى البورصة «لا بد أن تكون ضوابط استثمار تلك النسبة فى البورصة شديدة، ولا تتم إلا من خلال مديرى استثمار محترفين» حسب تعبيره. وأضاف توفيق أن السندات هى أنسب وعاء استثمارى لأموال التأمينات، ويجب أن تكون السبيل الوحيد، لأنها أداة استثمار آمنة، فضلا عن أنها تكون مضمونة من الدولة، ويسهل تسييلها فى أى وقت. بينما يرى محمد الصهرجتى العضو المنتدب لشركة سوليدير للأوراق المالية، أن استثمار أموال التأمينات فى البورصة يتم فى معظم دول العالم، ولكن إدارة محفظة التأمينات يجب أن تكون متحفظة، وأن تهدف إلى حماية رأس المال المستثمر، وتتجنب الأسهم أو السندات التى تنطوى على درجة مخاطرة عالية. «تقليل درجة المخاطرة فى المحفظة يجب أن يكون الهدف الأساسى وليس تحقيق أعلى عائد» تبعا للصهرجتى، الذى يؤكد أن إدارة أموال التأمينات لهذا السبب يجب أن تتم بواسطة إدارة محترفة، من خلال شركات متخصصة مرخص لها من قِبل الهيئة العامة لسوق المال.