يبدو أن البعض نسى بسرعة التاريخ الذى اندلعت فيه الثورة ومدلولاته الاجتماعية والسياسية، وحتى لا ننسى، فقد انطلقت ثورة الكرامة الإنسانية يوم 25 يناير، ذلك اليوم الذى كان يجرى الاحتفال فيه كل عام بعيد الشرطة. إن دلالة اختيار ذلك اليوم للثورة لا ينبغى أن تغيب أبدا عن عقل كل حصيف فى هذا البلد، ذلك أن المصريين ثاروا بعد أن ضجوا بانتهاك كرامتهم وآدميتهم على يد شرطة حسنى مبارك، بحيث يمكن القول إنها كانت ثورة على الدولة البوليسية القمعية الباطشة.
ولا يعقل أبدا أنه بعد نحو عامين فقط من الثورة التى أسقطت الطغيان، يعود البعض إلى ممارسة الطغيان والتسلط ذاتهما على المصريين الذين لم تهدأ جذوة الثورة فى نفوسهم بعد، الأمر الذى يتطلب من العقلاء فى هذا البلد أن يطفئوا مستصغر الشرر الذى ينذر بحريق آخر لا يبقى ولا يذر.
والحاصل أننا أمام عملية استعادة للممارسات ذاتها التى كانت السبب الرئيسى فى قيام مصر ضد الظلم والتلفيق والبطش فى مبتدأ 2011، صحيح أنها ممارسات متناثرة هنا وهناك لم تشكل سياقا عاما بعد، إلا أن الصمت عليها سيحولها من جديد إلى منهج، بما تبدو معه شرطة مرسى وكأنها شرطة مبارك، وبناء عليه ليس بوسع أحد أن يمتلك رفاهية السكوت على هذه العودة العنيفة من الشرطة إلى سيرتها الأولى.
وفى مثل هذا الوقت من العام الماضى كانت قصة مقتل الشاب عصام عطا داخل محبسه بالطريقة ذاتها التى جرت عليها تراجيديا استشهاد خالد سعيد، الذى تدحرجت كريات الثورة المستعرة من صفحة تحمل اسمه فوق الفضاء الالكترونى.
وهذا العام وفى أسبوع واحد فقط جرت وقائع كثيرة أعادت إلى الأذهان شرطة حسنى مبارك، وبعد ما جرى مع شباب الثورة تقادم الخطيب وخالد السيد ومينا قزمان، جاءت ملهاة الصمت الشرطى المتواطئ مع قطعان المتحرشين ببنات مصر.
وفى ذلك نشرت الحقوقية المحترمة عزة سليمان مديرة مركز قضايا المرأة على بوابة الأهرام ما جرى لأبنائها الثلاثة على أيدى بلطجية التحرش على مرأى من رجال الشرطة الذين اكتفوا بمتعة الفرجة.
تقول عزة سليمان «أولادى وأصحابهم فوجئوا برجل بيتحرش بسيدتين أجانب يكاد يصل إلى اغتصاب إحداهما، فقام مهند وضرب الرجل وأبعده عنها واستدعى الرجل على الفور أكثر من ثمانية بلطجية مسلحين بسنج ومطاوى وشوم، والنتيجه كسر بأنف أحد أصحاب اولادى واشتباه فى ارتجاج بالمخ لابنى الأكبر، وحرق باليد لابنى الثانى، وكدمات شديدة لهم، وأثناء هذا لجأ أحدهم للضابط بمحطة المترو ليستغيث به فرفض الضابط قائلا إنه ليس اختصاصه».
وفى مدينة السلام، تعرض قاض ورئيس دائرة بالمحكمة الاقتصادية للضرب المبرح من قبل أفراد الشرطة والاحتجاز داخل القسم، وفقا لما جاء على موقع «مصراوى» الأمر الذى أثار حالة من الغليان فى أوساط القضاة، تفاقم بعد إفراج النيابة عن الضباط المعتدين.
إن السؤال الدائر على ألسنة الناس الآن هو: إذا كان ذلك يحدث مع شخصيات معروفة فما بالنا بالمواطن العادى الذى لا يعرف طريقا للإعلام؟
ومرة أخرى قد تبدو هذه وقائع فردية متناثرة، لكنها تبقى رسائل رعب بعلم الوصول من الشرطة بعد عودتها، خصوصا مع المقارنة بين وداعة الشرطة مع الخارجين عن القانون وشراستها مع النشطاء السياسيين والشخصيات العامة.