"التجليش" مهنة لا يعرفها سوى القليل من سكان مدن البحر المتوسط خاصة الإسكندرية، فهي في الأساس مهنة إنسانية بجانب أنها باب للرزق والعمل الشاق تحت مياه البحر. والجلاش كما يطلق عليه، ليس له موعد للعمل أو موسم معين، فلا فرق بين الشتاء والصيف، فهو يبحث في الرمال عن مشغولات ذهبية قد تسقط من المصطافين، أو يساعد أحيانًا في البحث عن الغرقى، كما أصبح التجليش مهنة يتوارثها الأجيال، فضلا عن وجود عائلات بأكملها تمتهنها.
حاولت "الشروق" اختراق هذه المهنة لمحاولة التعرف على بعض أسرارها.
في البداية يروي الغواص محمد النمر: " أن الجلاش يقوم بارتداء بدلة الغوص، ويقوم بقص الجزء اللين في الزعانف التي يرتديها في قدميه، ليصبح الجزء الصلب في مقدمة الزعانف، وغالبًا ما يكون معلقًا بحبل مربوط في شيء صلب على بداية الشاطئ أو في قارب مجاور، وبعدها يبحث في الشواطئ عن الأماكن التي تكون رمالها "هائشة"؛ حيث يتم التعرف عليها من تقلب لون المياه بها، وينزل الجلاشون بعد ذلك في هذه المناطق، ويبدأون عملهم الشاق الذي يستمر لساعات طويلة من خلال عمل مضخة بزعانفهم في هذه الرمال، حتى يصنعوا حفرة يصلوا من خلالها إلى الأرض الصلبة؛ ليبحثوا بها عن مفقودات المصطافين من مشغولات ذهبية أو فضية أو غيرها، والمدفونة تحت الرمال" .
ويضيف النمر قائلا: " إننا نعتمد على هذه المهنة، والتي تمثل المصدر الوحيد، والأساسي لنا خلال فترة حظر الصيد والنوات وفصل الشتاء، أما في فصل الصيف فنقوم بمساعدة الغرقى والبحث عن الجثث تحت الرمال دون مقابل، كما نبحث عن مفقودات المصطافين المبلغين عن فقدان مقتنايتهم في الحال مقابل حصولنا على 10% من قيمتها، مؤكدًا نحن نعلم فنون مهنتنا ونستطيع التأقلم معها في كل الأحوال، لأننا تعشق البحر ونعرف أسراره وخباياه".
كما يضيف عم صالح السواح، أقدم الجلاشين بالإسكندرية قائلا: " مهنة الجلاشين قديمة جدًا وأنا أعمل بها من فترة طويلة، ورأيت الكثير من الدخلاء على هذه المهنة، لكني في حالي استخدم الغربال، وأقوم بغربلة الرمال لعل وعسى أجد شيئًا قيمًا أبيعه، ويبدأ عملي بدءًا من الفجر حتى السابعة مساء يوميًا، ساعيًا وراء رزقي مهما قل أو كثر.
ويكمل العميد على علام، صاحب أحد مراكب الصيد بالساحل الشمالي، إنه: "في الفترة الأخيرة قام بعض الدخلاء باختراق المهنة بشراء بعض الأجهزة الأمريكية ذات التقنيات الحديثة؛ للبحث عن المعادن الذهبية في رمال شواطئ الإسكندرية، خاصة رمال القرى السياحية المنتشرة على طول الساحل الشمالي".
كما أشار علام، إلى وجود مافيا البيزنس للبحث داخل رمال قرية مارينا ومراقيا، والتي تشتهر بأثمن المجوهرات والمشغولات الذهبية المفقودة، مؤكدًا أن معظم الصيادين يعملون في مهنة التجليش في أيام النوات وحظر الصيد، وذلك ليوفرا قوت يومهم الذي يفشلوا في توفيره في هذه الأوقات .