يقول المخرج التونسي، نوري بوزيد في أحدث أفلامه، إنه على الرغم من الإطاحة بزين العابدين بن علي، قبل نحو عامين فإن كفاح تونس من أجل الحرية قد بدأ لتوه فقط.
وفي فيلم "ما نموتش" يستخدم بوزيد النقاب ليرمز إلى الكفاح الذي يواجهه التونسيون حاليًا، وهم يتفاوضون بشأن قضايا الدين والحرية والهوية في الفراغ الذي خلفته الانتفاضة التي أطاحت ببن علي بعد 23 عامًا من إدارته لدولة بوليسية.
والشخصيات الرئيسية لبوزيد، شابتان هما عيشة المنتقبة لكنها تصارع حاجتها للحرية، وصديقتها المتحررة زينب التي تكافح أسرة تريدها أن ترتدي النقاب وتتزوج.
ويصور الفيلم الذي يتألف من دراما عائلية وقصة حب الصراعات الشخصية العميقة التي جلبتها الثورة للأفراد الذين يضطرون في ظل الحرية التي وجدوها حديثًا لمواجهة تناقضات تؤثر عليهم وعلى المجتمع.
وقال بوزيد: "يحتاج الإنسان لشيء ملموس في السنيما، والحجاب تجسيد جيد لهذه الحرية المضطربة، والنضال من أجلها"، ودرس بوزيد الذي سبق أن سجن لآرائه السياسية، السنيما في بروكسل.
وفاز أول أفلامه الروائية الطويلة "ريح السد" عام 1986 بجائزة النقاد الخاصة في مهرحان كان السنيمائي الدولي. ومن أفلامه الأخرى "بزناس" عام 1992 و"عرائس الطين" عام 2002 و"الفيلم الأخير" عام 2006.
وبات دور الإسلام في الحكومة والمجتمع، أبرز القضايا المثيرة للشقاق في تونس في أعقاب رحيل بن علي الذي أطلق شرارة انتفاضات، أطاحت برؤساء ليبيا ومصر واليمن.
وتحاول الحكومة التي يقودها الإسلاميون والتي فازت بالانتخابات في أكتوبر، الموازنة بين المحافظين الذين يرون الثورة فرصة للتعبير عن هوية دينية قمعها بن علي والعلمانيون، الذين يريدون توسيع نطاق حرية التعبير.
وقال بوزيد: "الثورة الحقيقية تحدث الآن، والمعارك الحقيقية تدور الآن؛ لأن هناك قضايا دقيقة على المحك مثل الدستور."
ويخشى كثير من التونسيين أن تذعن الدولة التي اعتبرت لفترة طويلة واحدة من أكثر الدول علمانية في العالم العربي لضغوط الإسلاميين، لحظر أفلام أو مسرحيات أو عروض موسيقية، وتفرض رقابة على المعارض الفنية.
وزاد متشددون دينيون هذه المخاوف في الشهور الماضية بنجاحهم في وقف عروض فنية، بداعي انتهاكها للمبادىء الإسلامية.... وتعهدت حركة النهضة وهي حزب إسلامي معتدل يقود الحكومة بدعم الثقافة في تونس وعدم فرض النقاب أو حظر الخمور.
لكن منتقدين علمانيين يقولون إنها تغض الطرف عن الضغوط المتزايدة على التونسيين؛ لكي يتوافقوا مع التعاليم الدينية.... وتتعرض النهضة أيضًا لانتقادات من السلفيين الذين يقولون إنها تتقاعس عن الدفاع عن القيم الإسلامية.
وقال بوزيد وهو علماني: "إن النهضة لم تنفذ أيًا من الوعود التي قطعتها على نفسها قبيل الانتخابات، وأن الإسلاميين متلهفون على السلطة فقط"....وتساءل قائلا: "ماذا حققت النهضة؟ لا شيء على الإطلاق .. لا شيء في الحقيقة ... الأصولية هي تولي حكم دكتاتوري وهو يزداد وضوحًا يومًا بعد يوم، لا أعتقد أنهم يتحركون بدافع معتقداتهم.. لا .. إنه حب السلطة فقط" مضيفًا أن الإسلام لا يمكنه تقديم حلول سياسية.
وقال: "أرفض تمامًا استغلال الدين في السياسة ... استخدام الإسلام يمس المقدس لدى الناس، وعندما يفشل فحينئذ يفشل الدين، لكن صعود النهضة وما يفهم باعتباره أوجه قصور كان فرصة لتونس، وأعاد إلى السطح قضية حاسمة بالنسبة لمستقبل البلاد، وهي المساواة بين الجنسين.
وقال: "هناك فئة جديدة من الرجال ظهروا في تونس ويعتقدون أن حرية المرأة ضرورة لحريتهم، وأنه بدون حرية المرأة فلا يمكن لهم أن يكونوا أحرارًا. ...هذا أمر جديد."
وينتهي الفيلم بنبرة حزينة؛ حيث تغني الفتاتان أغنية كان يغنيها عازف أكورديون أعمى في الشارع، وأداها المخرج بنفسه وهي نداء من أجل الحرية والسلام والسعادة....ويغني عازف الأكورديون، قائلا: "لا أريد أن أموت قبل أن يختفي البؤس من عيون الأولاد."