يعود السينمائي التونسي المخضرم نوري بو زيد في "ما نموتش" الى موضوع يتعلق بالمرأة في المجتمع التونسي، ليجول بعدسته على تفاصيله المعتادة اثر التغيرات التي شهدها البلد اثناء الثورة وبعدها، خاصة في ظل نمو التيار الاسلامي وتفاقم الاوضاع الاقتصادية.
تبدأ احداث الفيلم وتتطور في لحظة عدم الاستقرار الناجمة عن الثورة، ويتطرق الى المستقبل المجهول الذي تعيشه البلاد بعد سقوط النظام السابق.
وعرض الفيلم في اطار المسابقة الرسمية للافلام الروائية ضمن مهرجان ابو ظبي السينمائي السادس، وفي عرض عالمي اول بعد حصوله على مساعدة صندوق "سند" التي يمنحها المهرجان للمساعدة على انتاج الافلام.
ويتسابق "ما نموتش" مع 15 شريطا عربيا ودوليا على جوائز المهرجان في قسم الافلام الروائية.
وقال نوري بو زيد لوكالة فرانس برس عقب عرض الفيلم "ارى يوميا انتشار الاسلاميين الذين كانوا ممنوعين من العمل سابقا، بصفة قوية ومفاجئة في الحياة السياسية، فيما الوسط الثقافي لم يكن مهيأ لظهورهم وقد بات هذا الوسط مهيأ الآن أكثر".
وبخصوص موضوع فيلم "ما نموتش" الذي يؤكد من خلاله بو زيد على حق المرأة في الحرية والعيش اسوة بالرجل، يقول المخرج "الرجل لا يستطيع ان يكون حرا ان لم تكن المرأة كذلك. وهناك ميل متزايد لجعل المرأة تخضع لإرادة الرجل في المجتمع التونسي وهذا يتبدى في كل مكان في الشارع كما في البيت كما على الانترنت".
ويعلن نوري بو زيد صراحة انه ضد الحجاب خاصة حين يفرض على اية شابة، بعد ان كان اعلن في شريطه السابق "آخر فيلم" علمانيته التي اثارت غضب الاسلاميين المتشددين، ويقول "حين اتكلم مع محجبة احس اني اتكلم مع شرطي يرتدي البذلة ويكون هناك امور لا استطيع قولها.الفيلم يأخذ رأي جيل طلابي في مسألة المراة والحجاب. لكن حرية تعبير المرأة ورأيها مكتسب يجب ان نحميه".
تدور احداث "ما نموتش" ضمن وسط عائلي على خلفية احداث الثورة والفترة التي تلتها من خلال شخصيتي صديقتين، زينب وعائشة، احداهما لا ترتدي الحجاب ويحاول اهلها وخطيبها اكراهها على ارتدائه، وعائشة التي ترتدي الحجاب وتعيل اخوتها ويحاول رب العمل ارغامها على خلعه.
وفي هذا الفيلم، تمر المطالبة بحرية البلد بشرط اساسي وهو تحسين ظروف المرأة وتعزيز حريتها، في اطار ركز فيه المخرج على تصوير الرجل متطرفا متسلطا يحاول دائما فرض وصايته على المرأة بحجة حمايتها وصونها.
ويستثنى من بين الشخصيات الذكورية السلبية شخصية الاب، الذي يخرج من التعميم ويكون أقرب الى ارادة ابنته ومساندا لها في وجه امها التي تتعاون مع الخطيب والاخ على فرض الحجاب عليها.
ويبدو الجيل الاكبر في الفيلم اكثر تفهما وتسامحا ومسايرة لاوضاع الشباب والابناء عموما بينما يبدو الجيل الراهن اكثر قسوة في التعامل مع ذاته وعنيفا ومتسائلا ومتخبطا وغير اكيد، خاصة عند الشباب من الرجال، في حين تبدو المرأة أكثر معرفة برغباتها وما تصبو اليه، واكثر قدرة على الحلم.
بتعاطف وحب، يصور بو زيد محاولة الشابتين الصديقتين العيش والعمل والحب في تونس اليوم وسط كم متزايد من الأسى والاعتراضات التي تجعل الفيلم يرصد التحول والقلق والعنف، ومقاومة ما يحاول البعض فرضه على هذا المجتمع بعد ان دخل العنف الى قلب نسيج الأسرة.
وكان سيناريو "ما نموتش" مكتوبا في سياقات اخرى قبل الثورة التي حلت فاخضعت السيناريو لكثير من التعديلات منها مثلا ان الفيلم كان سيصور في مصر ليطرح موضوع الحجاب غير الشائع في تونس اصلا لكنه عاد بعض الشيء مع الثورة الى هذا البلد ومعه اعاد الفيلم.
كما ان شخصية الاخ الاسلامي حمزة تكون في السجن اساسا، لكن حلول الثورة يخرجها الى الحياة حيث تمارس لفترة حقها في الانتساب لجماعة الاخوان المسلمين التي كانت محظورة. لكن الفيلم يشير الى تحول جديد في هذه الشخصية بعد ادراك السياسة التي تتبعها الجماعة ودعمها للتيارات السلفية المتشددة.
ويظهر نوري بو زيد في فيلمه هذا عازف أكورديون اعمى يضربه متطرفون اسلاميون حتى الموت.
وردا على سؤال حول ما اذا كان في الشريط رد على تعرضه للضرب والتهديد من قبل المتطرفين الاسلاميين يقول بو زيد "لست وحدي من تعرض للضرب والتهديد. انهم يهددونك حين تتكلم والفنان شخص مستقل ولا حواجز امامه حين يتكلم. هو مستقل في علاقته بالسياسة وحر في علاقته بالدين".
اما عن تخوفه من ان يؤدي عرض فيلمه في تونس الى رد فعل عنيف من البعض فيجيب "اذا حصل مثل رد الفعل هذا فلن يكون من اي شخص شاهد الفيلم بل سيكون من اشخاص لم يشاهدوه".