ويعتبر مؤشر توزيع الإنفاق على الصحة، هو الأكثر تعبيرًا عن تراجع دور الدولة الاجتماعي، وسيطرة آليات السوق على خدمة الصحة، فوفقًا للتقرير السابق، معدل الإنفاق على الصحة من جيوب المواطنين ارتفع من 51% من إجمالي الإنفاق على الصحة، عام 1994-1995، إلى 72%. وتشمل تلك النسبة المواطنين الذين لم يتمتعوا بخدمات صحية مدعومة من الدولة، أو العمالة غير الرسمية المحرومة من التأمين الصحي أو حتى من يستشير الصيدلي؛ لتوفير أجرة العيادة الخاصة، أو من يعيش على المسكنات لتأجيل عملية جراحية باهظة التكاليف.
نجاح النظام الصحي مرتبط بتوفير الخدمات المدعومة من إيرادات الدولة او توسيع نطاق نظام التأمين الصحي، وفعليًّا استثمارات الدولة كانت تتراجع والتأمين الصحي الحكومي لا يغطي نصف عدد السكان، وحتى النسبة المغطاة أكثرهم لا يتعامل مع تلك الخدمة التأمينية، بسبب رداءة مستواها، الأمر الذي يدفع الكثيرين للاعتماد على شراء الخدمة مباشرة من القطاع الخاص، وفي ظل التضخم وعدم الرقابة على القطاع الخاص، تكون تكاليف المرض مرتفعة للغاية، كما يضيف غنام.
ويحتل القطاع الخاص نسبة مهمة من تقديم الخدمات الصحية في مصر، بالرغم من هيمنة الدولة على قطاع المستشفيات بنسبة 83% من إجمالي المستشفيات، إلا أن القطاع الخاص لديه 68% من إجمالي العيادات، وأصبحت العيادات الخاصة مجالا من مجالات زيادة أعباء العلاج مع ارتفاع تكاليف الكشف إلى 500 جنيه، و1000 جنيه في بعض الأحيان، كما يقول غنام. وتقدر دراسة لأحمد شكري، الباحث بالجامعة الأمريكية، أن النسبة الأكبر من الإنفاق الصحي من جيوب المواطنين تذهب إلى العيادات، بنسبة 39%، ثم الصيدليات، بنسبة 33%، ثم المستشفيات الخاصة بنسبة 8%.
العديد من محدودي الدخل يلجأون للمستشفيات العامة في مجالات كالعمليات الجراحية بسبب ارتفاع تكاليفها، حتى ولو شعروا أن سوء الخدمة سيمثل مخاطرة على حياتهم، كما يقول مدير مبادرة الحق في الصحة.
وتبين دراسة شكري كيف تسبب تراجع الدولة عن دورها في دعم النظام الصحي في إفقار قطاع كبير من المصريين، فباعتبار أن الأسرة الفقيرة هي المكونة من 4 أفراد، ويصل دخلها الشهري إلى 673.8 جنيهًا، فإن 26.5% من المصريين فقراء، و7.4% من تلك النسبة سقطت في الفقر بسبب الإنفاق على الصحة.
ويظهر في تفاصيل مؤشر الإنفاق من جيوب المواطنين على الصحة، غياب العدالة عن النظام الصحي، حيث تتاح الخدمة الصحية لمن يدفع أكثر، فوفقًا لدراسة شكري، فالشريحتان الأفقر في المجتمع يدفعون 20% فقط من إجمالي النفقات الصحية الخارجة من جيوب المواطنين، بينما تدفع الشريحة الأغنى في المجتمع أربعة أضعاف ما ينفقه الفقراء، بنسبة 40%.