يقدم الشعر مثالا حيًا على مجمل التحولات النفسية التي تحدث تحت تأثير الأزمات، وفي الشعر وتحت ظل ظروف ما يختلط العام بالخاص، خصوصًا في تلك التي تسمى الوقائع الكبرى، ولاشك أن الشعر يصل ذروته في تأمل التأمل، والذي يمهد إلى الخلق المجرد من موروث ما، وهو غياب كلي وشامل لدى بعض الشعراء عن ما ذكرناه من تسميتنا للوقائع الكبرى والعظيمة، ولعل أقرب مثال لنا على ذلك السيرة الذاتية للشاعر الفرنسي (بول إيلوار) وما تركه من منتج شعري، وصف النقاد الكثير منه بالمعقد والصعب، والمقرون بشدة التركيز. تنحى (إيلوار) بشعره عن مفهوم المزاوجة بين الأحداث؛ فجعل لكل فكرة خصوصيتها، على صعيد الحدث المؤثر في لحظة الخلق الشعري؛ أي أنه أقام بدون أن يعلم نظامًا رقابيًا على مخيلته.
شهد بول إيلوار الحرب العالمية الأولى، وقضى سنوات ثلاثًا (1915 – 1918) مقاتلا، عاش تأثيراتها المباشرة وأصيب لمرات عديدة.
تأمل هذه الحرب بما يملك الشاعر والإنسان من قوة العاطفة والإحساس، وكذلك من عدم التوازن بين أمرين كراهية الحرب، وبشاعتها أمام الواجب المقدس، الذي يقتضي على المرء فيه الدفاع عن الوطن.
وكانت النتيجة هي كراهية ما يمس وجود الإنسانن كيانه كحياة ومشاعره المرتبطة بحياته تلك.
تعمقت فلسفة إيلوار الشعرية بعد انتهاء الحرب الأولى، وما أحدثته هذه الحرب في ظهور تيارات فكرية وأدبية، كان لها الأثر الكبير في ظهور تيارات الحداثة؛ حيث كتب من أروع ما كتب من القصائد التي تناولت مناخات فترة الحرب، وعنون هذه المجموعة ب (الموت من عدم الموت) 1924.
إن تجربة إيلوار الشعرية رغم تخصص اتجاهاتها، وعدم مزاوجة هذه الاتجاهات مع بعضها، حافظت على نقائها في الاتجاهين، ضمن مفهوم مطلق، عبر من خلاله عن حاجة الإنسان للآخر، ينقل مشاعر بعضنا للبعض، وهو أيضًا انتصارٌ للقلق على الواجب.