حوار النخبة مع فائز الحداد شاعر الثلاثية المقدَّسة وال "مدان في مدن" الحلقة الخامسة عشرة – د. محسن العوني
أ. د.. إنعام الهاشمي (حرير و ذهب)
الحلقة الخامسة عشرة: وفيها يجيب الشاعر فائز الحداد على أسئلة الأديب الباحث والمترجم والناقد التونسي د. محسن العوني. ( تجد في نهاية الحلقة نبذة موجزة للتعريف به)
أ. د. إنعام الهاشمي – الولاياتالمتحدة : أرحِّبُ بالأديبِ الباحث والمترجم والناقد د. محسن العوني ضِمنَ المشاركين في حوارِ النخبة. النقاءُ وصفاءُ السريرةِ وسكونُ الصوتِ بالهمسةِ الهادرة ... هذا هو محسن العوني الذي عرفتُه بعلاقاتِه الهادئةِ منذُ أطلَّ في تعليقاتِه ونقاشاتِه التي تقابَلنا فيها من بينِ خيوطِ الشبكةِ العنكبوتية...فهو مثال حيٌّ للتسامحِ وتقبُّلِ الرأيَ الآخر.
كتبَ د. محسن العوني النقدَ َ والمقالةََ والترجَمَةَ من الفرنسيَّة ونشَرَ في صحفٍ ومجلاّتٍ عربيَّةٍ ، وفي مواقعَ الكترونيَّةٍ عديدةٍ، كما وهو في خياراتِه لما يطرقه في الترجمة والبحث مثال الذوقِ والرفعة فيما يقدِّمُه مما يغني الذائقِةَ العربِيَّةَ بالمعرِفَةِ والجَمالِيَّة ؛
الأستاذ الأديب الباحث القدير د. محسن العوني ، تقبَّل منّي ترحيبيِ الحار بكَ، وكعادَتِنا مع ضيوفِنا مِنَ النخبةِ، ، نمدُّ لكَ البساطَ السومريَّ الأحمر الفاخرَ، وأقطفُ لك من زهورِك البريّةَ من كلِّ باقَةٍ أعطرَها وأجمَلَها ِوأضمُّها في أجمل باقةٍ أهديها اليكَ احتفاءً بِكَ وبمقدمِك من أرضِ تونس الخضراء.
الأديب محسن العوني – تونس : أيتها الجليلة ..أرسل نحوك أسئلتي للشاعر الكبير الأستاذ فائز الحداد مع مقدمة أو تمهيد تمهيد : قال الشاعر الفرنسي بول إيلوار متحدّثا عن مسيرته ومنجزه ..أن النصّ الذي اشتهر به وجعله يتجاوز الحلقة الضيّقة لهواة الشعر ..هو "حريّة " Liberté الذي كتبه خلال العام 1941 ..كان في الأول سديميا غامضا ..حيث تبرزه الكلمات قصيدة حب تحمل فكرة واحدة هي فكرة المرأة التي يحبّ ..وتبعا لتوسّع صلاة عشقه أحس الشاعر أن النص لا يخص فحسب رجلا يكتب اسم حبيبته ..ولكن يخصّ جميع من على الأرض ..مما اضطرّه إلى كتابة اسم الحب الذي يجملهم جميعا : الحرية ..وفي مجموعته الشعرية "مجرى طبيعي" "Cours naturel 1938 "..
لا تبدو قصائد الحب ونصّ "انتصار الغرنيكا " ..مختلفة في مصدر إلهامها ونبرتها ..لأن إيلوار يعلم من أول نظرة ..من أول حياة ..من أول يد ..أن الوفاق بين الكائنات ممكن وأن الانسجام حسّاس لدرجة أننا إذا ما أردناه سوف لن تكون سوى آيات وعجائب ..وأن دمار وخراب هذه الكنوز بحماقة الكراهية بوجه الثور (الرجل القوي) تجعله يثور من التقزز ..وأنه لا يحتاج أن يضع نفسه مكان الأبرياء الذين يموتون تحت قنابل الغرنيكا ..إنه بالفعل مكانهم ..إنه يكتشف سعادته الخاصة في سعادة الجميع ..ومأساته الشخصية في مأساة كل واحد ..ماء السعادة الشفاف ..ماء إعادة معرفة الذات عن طريق الآخر في إشراقة الحب ..في أخوّة الأحياء ..تجري عبر أعمال إيلوار ..إنه يتحدث بصوت أبيض مثل سماء شاحبة ..صوتا لا يبدو ملك أحد بعينه : اليوم ..ضوء أوحد .. اليوم ..الطفولة الكاملة التامة.. لنحوّل الحياة إلى ..ضوء .. بلا ماض ..بلا غد .. أنا اليوم بلا انقطاع .. أسندت جائزة نوبل للآداب للشاعر الفرنسي سان جون بيرس " لثراء المخيال في إبداعه الشعري الذي يعطي انعكاسا متخيّلا للساعة الراهنة " جائزة نوبل كشفت وأظهرت للجمهور الفرنسي صوتا شعريا من أصفى الأصوات الشعرية في عصره وأكثرها أصالة ..وبمناسبة استلامه الجائزة ألقى سان جون بيرس كلمة أرادها قبل كل شئ تكريما للشعر ..وهو يجمع مفاهيم وتصوّرات هوجو ..نيرفال ..مالارميه ..بودلير ..رامبو وآخرين ..وهو يعيد بناء موقع المسافة الذي يسعى الشاعر أن يحافظ عليه .. كما حدّد موضع الشاعر في عصره وزمانه ..ومما ورد في هذه الكلمة التي يمكن أن نضعها تحت عنوان "خلود الشعر " .."أكثر من كونه طريقة في المعرفة ..الشعر قبل كل شيء ..طريقة في الحياة ..الحياة الكاملة التامة ..وجد الشاعر في رجل الكهوف ..وسيوجد في رجل العصور الذريّة ..لأنه حصّة غير قابلة للحذف والإنقاص من الإنسان .. "Part irréductible de l'homme " من ضرورة الشعر.. ضرورة روحية ..ولدت الأديان نفسها وبفضل الشعر ظلت شرارة الإلهي حية خالدة في الصوّان الإنساني "Le silex humain" .. فخر الإنسان وشهامته وهو يمشي حاملا ثقل الخلود! .. فخر الإنسان وشهامته وهو يمشي حاملا وزر إنسانيته.. حينما تفتح له نزعة إنسانية جديدة لعالمية حقيقية وكليّة نفسيّة ..وفيّ مخلص لمهمته التي تصل حدّ تعميق الإنسان ..يلتزم الشعر الحديث في مشروع يصبّ مساره في عمق تكامل الإنسان ..الحضارات الآخذة بالنضج لا تموت أبدا بأهوال خريف ..إنها فقط تتغيّر وتتحوّل ..وحده القصور الذاتي والجمود متهدّد ومنذر "L'inertie seule est menaçante " شاعر هو ذاك الذي يقطع لصالحنا مع التعوّد ..هكذا يجد الشاعر نفسه مرتبطا إلى هذا الحدّ بالحدث التاريخي ..لا شئ من مأساة عصره يعتبر غريبا عنه ..ليقول للجميع وبوضوح طعم ونكهة أن تحيا هذا الزمن الشديد !..لأن الساعة كبيرة وجديدة حيث نستوعب أنفسنا من جديد ..فلمن إذا نعطي ونسلّم شرف زماننا وعصرنا !؟.." من كلمة سان جون بيرس بمناسبة تسلّمه جائزة نوبل للآداب 10 ديسمبر 1960 "شاعر هو ذاك الذي تهب الصعوبة الملازمة لفنه أفكارا ..وليس كذلك تلك التي تسحبها وتجرّها " بول فاليري "يمتلك الشعراء من الصواب مائة مرة أكثر من الفلاسفة ..إنهم في بحثهم عن الجميل يجدون من الحقائق أكثر مما يجد الفلاسفة في بحثهم عن الحقيقي .." ... جوزيف جوبير. "لا شئ يستحق أن يقال في الشعر سوى ذاك الذي لا يقال ..ذاك ما يجعلنا نعوّل كثيرا على ما يجري بين السطور " ... بيير ريفاردي . كثافة القول الشعري عند الشاعر الكبير الأستاذ فائز الحداد تحتاج إلى مدوّنة نقديّة موازية تبتعد عن السبل الممهّدة والمسالك المسلوكة التي لا يعود منها الباحث عن الإضافة بطائل..غموض شعر فائز الحداد ليس هو ذاك الغموض المجّاني الذي لا يقول شيئا ..إنما هو غموض جليل يستفز الرغبة في البحث والتأويل ويحرّك المخيلة في لعبة لا بدّ لمن يدشنها من جائزة ..شعر يتطلّب قارئا غير عاديّ (كدت أكتب ..غير تقليديّ..) بعدّة نقدية حديثة وخلفية جمالية متجددة وذائقة تمتلك صبر الاستكشاف والارتياد .. "الخيال هو الذي يبدع وهو الذي يمنح القوى العقلية مادتها ..بل إنه يمنحها أيضا الحلول لمشاكلها ..وليس الاستدلال غير طريقة للتفقد والتحقيق ..إنه يحوّل عمل الخيال إلى نتائج مقبولة ومنطقية " ريبو Th .Ribot A.Breton "الخيال هو ما يميل إلى أن يصبح واقعيا " بروتون "لا يستطيع الخيال أن يبدع داخل الفكر فحسب ..لذلك وجدت الفنون الجميلة " ألان Alain معجم شعريّ ينهل من رموز لا أقول توراتية / إنجيلية / قرآنية ..وإنما إنسانية ..وتلك القفزة الهائلة الجبّارة فوق ثنائية ضيّقة مفتعلة وسطحيّة لأنها تبسيطيّة مخلة ..أعني ثنائية المقدّس والمدنس ..فيغدو الكلّ مقدّسا ويعود الدرّ إلى معدنه وتعود الأشياء إلى نصابها يوسف / المجدلية / كأني أقبّلك في الصلاة "يسلك الطفل ويتصرّف كما لو أن الطبيعة محمّلة بالقصد والنيّة ..فكرة عالم ملوّث مدنّس تماما وكون منزوع القداسة بصفة كاملة ..هو اكتشاف قريب العهد في تاريخ الفكر الإنساني " ميرسا إلياد Mircea Eliade "أنت مقدّس بقدر رغبتك أن تكون كذلك " Jan Ruysbroek صوفي فلامنكي من العصور الوسطى 1293/1381 "جميع ما في الكون ..كل ما هو ثابت ساكن أو كل ما يتحرّك مشبع مشرب بالإلهي " إسا أوبانشاد / كتابة هندوكية قديمة نحو 2500 قبل الميلاد "الألفية الثالثة ستكون روحية أو لا تكون" أندريه مالرو 1901/1976 "لا تحتاج أن تعتقد في وجود عالم مقدّس ..إنه يثب بوجهك ويقفز ..إنه في كل مكان " شيخ هنغاري ببصيرة ثاقبة.. أنّى ليعقوب أن ينسى حسن يوسف وإن ابيضّت عيناه من الحزن لفقده..حسن يوسف هو حلم الإنسانية ..وهل المجدليّة سوى الإنسانية عين المحبوب؟ وهل تنسى الإنسانية حلمها !!!؟؟.. أو بعبارة الشاعر الفائز بالنصّ العالق بين العين ونظرتها : .. ( في بيان الحلم .. حلمة البيان المختلف .. المتفق عليه بغيهب الغيرة ، غريما مالكا قرن الشمس .. وفيض البحر .. في مدٍّ ومدّ الباذخ النور.. والعالق رسما بأهداب حور الحسان الطالع من فك الفاقة لجناح العرش الفائز بجلال الحسن .. ملكا ملاكا يا الأخضر المشع خصبا في يبوسهم المصباح الرائي ، الساحر الأعين.. ) إنها أكثر من واجهة حضارية ..إنها إبداع حمّال رسائل لا يتوقف عن التوهّج ..هنا منبع القداسة في الثلاثية ..إنها تحلّ في سويداء النصّ وعمقه ..أيقونة إبداع .. إذا كان "الأسلوب هو الرجل " فإن أسلوب الشاعر فائز الحداد في القول الشعري ..هو فائز الحداد ..وتلك بصمته الفريدة .. شاعر يجسّم انتصار الكلمة على الرصاصة والنور على العتمة والإنسان على أعدائه جميعا.. أسئلة مرفوعة إلى الشاعر الكبير الأستاذ فائز الحداد وباقة ورد.. مع خالص الشكر سلفا لتفضله بالإجابة .. محسن العوني تونس الشاعر فائز الحداد - العراق : أنا يا أستاذي من يرفع باقة ورد لك وإليك لمشاركتك في هذا الحوار وهذه المقدّمة النقدِيّة المعرفية التي تشير بوضوح إلى سمات الرقي التي تتحلى بها والتي شرفتني بها أيما تشريف ... فأهلاً ومرحباً بالأديب الكبير د محسن العوني . الحوار سؤال 128 – الأديب محسن العوني : التأسيس وجه من وجوه الإبداع .. "حركة اختلاف" تفهم على أساس السعي لتجسيد حق الاختلاف والتأسيس للمغايرة والتنوّع في المشهد الشعري والإبداعي العربي ..الحق في أن تكون أنت بلا زيادة ولا نقصان ..بلا عقد ولا دم مغشوش ..إلى أي حد تقدم الشاعر فائز الحداد في اتجاه تجسيم الاختلاف في المشهد الشعري العربي ؟
جواب 128 - الشاعر فائز الحداد : مشروع الاختلاف ليس مشروعا فرديا في تعبيره الواسع وإن كان يتضمن هذا المفهوم بشكل قريب ولا هو دعوة للفت الأنظار إلى شخصنة موهومة أو مدعية بل هو مشروع يعبر عن منجز إبداعي شاهده النص .. فالنص تحديدا من يعبر عن هوية الشاعر بشكل دقيق . لعلك تتذكر كم واجه المشروع من مواقف تباينت بين المؤيد بسريرة نظيفة ومن حاول الإساءة إلي من خلاله بدوافع شخصية غير أدبية وبعضهم من يدعي الأمانة الأكاديمية وتبني النقد وكان على غير ذلك من حقيقة ولم نقرأ له نقودا رصينة ولا رأيا منصفا لحد الآن .. فمشرع الاختلاف كان الرد المناسب على البائر الكتابي والضعيف السائد والتقليد والنسخ والسرقات والذي روجت له الكثير من المواقع الالكترونية ، ولا أخفيك سرا فقد أراد العديد من الأدباء حشر نفسه في إصدار البيان مستغلا جهودي ومنجزي وهم في الواقع بعيدون عن الاختلاف ولكن حينما رفضت شروعهم انقلبوا أعداء له ( فهي النوايا ) والدوافع الشخصية الضيقة المحضة.. وهناك البعض المحب والخائف من ( جدنرمة ) اللغة والسلفيين الذي يهاتفني أو يكتب لي رسائل مباركا ومؤيدا .. ولكن لمَ كل الصمت والخوف ومتى يطلق الشاعر رأيه الحر لا أدري ؟ المهم كن مطمئنا كزميل أجل قدره بأنني سائر على هدى ما أؤمن به فالمشروع هو قدر حياة ومهماز تجربة والمشروع الناجح لابد وإن يلقى قبولا واعتراضا ولا خير بعمل لا يثير الغبار ولو إلى حين ونحن نعرف ما واجه الأنبياء والرسل وأصحاب الرسالات والمفكرون والفلاسفة والشعراء .
سؤال 129 – الأديب محسن العوني : مؤسسة ثقافية إبداعية ببصيرة مستشرفة اسمها الدكتورة إنعام الهاشمي (حرير وذهب)... كيف يرى الشاعر فائز الحداد العمل الذي قامت به الأستاذة الهاشمي ومدى حاجة المشهد الإبداعي العربي إلى هذه اللحظة التأسيسية ؟.
جواب 129 - الشاعر فائز الحداد : أجل هو عمل كبير فالأفعال الكبيرة كالجمال لا تخرج إلا من نفس جميلة وكبيرة وأنا في هذه الفسحة الرحبة أؤيد رأيك تماما وأشكرك جزيلا على تقييمك الذي يعاضد تقييمي لها .. فحقا هي مؤسسة ثقافية كاملة تكونت بالتجربة والمراس النوعي لا الاعتباطي فهذه الأستاذة رصينة وواقعية في تقييم الأدب والكتابة عنه مشفوعا برأي حر وشجاع وغير منحاز لأي كان بمعنى الشخصنة الذاتية ولا تجامل رأيا أو منجزا لا يبلغ الاحترام . . فهي كملكة القز تنسج الحرير بأصابع من ذهب عمالها لا يعرفون الزمن الساكن دون إنتاج نوعي واسع وليس لهم شأن بمكانية الخلق هكذا عرفتها وتعرفت عليها .. مبدعة شاغلها النص الإبداعي فحسب ولا شأن لها بشخص ونوع الناص أو تجنيسه . كانت أول تعرفي بها قارئا متابعا لأعمالها الترجمية لأكثر من شاعر وشاعرة من ثم ما شدني إليها تعليقاتها النادرة على النصوص المنشورة فهي بحق صاحبة " أدب التعليقات " في التقييم النقدي الأولي وليس لأحد الحق في أدعاء غير ذلك إن كان هناك ما يسمى بأدب التعليقات .. ولا أخفيك سرا كم تمنيت التعرف عليها ولكنها هي من كانت قادح الشرارة في تناول نصوصي في ترجمتها الراقية وليس سرا أيضا كان ثناؤك على ترجمتها مستقر الرأي عندي في التقييم لأنك من أعول على رأيه الناصع كثيرا في التقييم النموذجي كأديمي رصين وأديب نظيف . الدكتورة الهاشمي ضمير أدبي حي منتج للنادر والمبهر وشرفت نصوصي ومنجزي بتناولها لمختاراتها الشعرية وفي مقدمة ذلك تسميتها ل ( الثلاثية المقدسة ) نقدا وترجمة وجهدها الكبير في عرض وتحليل ديواني الأخير " مدان في مدن " واضطلاعها بمهمة إدارة حوار النخبة الذي شرفتني به .. لذلك ومن خلالك أتمنى أن يستمر عملها الأدبي باتجاه الدراسات النقدية النوعية فهي أهل لذلك بكل المعايير القرائية والتقيميمة والتحليليلة والتأويلية وهذا ما لمسناه جميعا بتفرد التناول ورصانة الرأي .
سؤال 130 – الأديب محسن العوني : كيف يستلهم الشاعر فائز الحداد المدونة الشعرية العالمية ..وما هي الأسماء الشعرية والإبداعية التي أذكى بها قريحته ؟
جواب 130 - الشاعر فائز الحداد : أعتقد يعرف جنابك الكريم بأن القارئ هو صدى قرائي لما يصل من ترجمات عن المدونة العالمية الشعرية فالمدونة حافلة بأسماء نجوم الشعر وأعلامه على امتداد التاريخ الشعري الإنساني لكنني كشاعر تعلقت كثيرا بالكلاسيكيين الروس ( بوشكين ) ومن على غراره وكذلك الأدبين اللاتيني والأفريقي بجانب حبي لرامبو ومالارميه وبودلير وبرخت وعزرا باوند .. ولا أريد أن أغمط أحدا لكنني للحقيقة كثير الميل لمن يجسدني قارئا له وفي مقدمة ذلك شعرائنا العرب فالصورة الشعرية لدينا أكثر رصانة وأوسع بعدا في مدلولاتها واستعاراتها لكن العيب فيمن لم يوصلها إلى القارئ الغربي وبقينا أمة ألف ليلة وليلة حسب بينما ترجم ( عمر الخيام ) كشاعر شرقي أكثر من المتنبي الذي يفوقه في الصورة والصورة .
سؤال 131 – الأديب محسن العوني : كيف ينظر الشاعر فائز الحداد إلى وظيفة النقد وإلى نقد شعره بوجه خاص ؟
جواب 131 - الشاعر فائز الحداد : النقد وظيفة مكملة للعملية الإبداعية وتكاد أن تكون مركبة تجمع ما بين " التحليل والتجميل " لكنها متخلفة عربيا لذلك الآن والآن حصرا أعول على ظهور ما اصطلحت عليه ب( شعرية النقد ) لا ( لا نقدية الشعر ) فقد تقاعس النقد وتخلف عن ركب الشعر . ما اعنيه بشعرية النقد أن نؤسس نقدية يأخذ بأسبابها الشعراء قبل غيرهم لتتناول النص برؤية معاصرة جديدة أي خلق نص محايث منتم ومحايد في آن إن كان هناك حقا ما يسمى بعملية ( إعادة إنتاج النص ) فقد قرأنا واستمعنا إلى هذا المصطلح دون دليل نقدي حقيقي وملموس .. و كما تعلم بأن هناك كثافة كبيرة من الإنتاج والتحبير الشعري وليس هناك كوجود ما يقابلها لا في الكم ولا في النوع على صعيد البحوث والدراسات النقدية الجادة والجيدة إلا بالكاد ، فمن المفروض أن نقارن النص بالحجة النقدية وبخلافها ليس للنقد من حجة أو تحاجج يفترض ويبقى هذا الافتراض عائما دون دليل كتابي مقارن !؟ أما ما يتعلق بي أقول بكل ثقة : لم تحظ نصوصي باهتمام نقدي يوازي مسارها ولأسباب كثيرة منها تقنية وفنية ومنها شخصية تتعلق بمواقف تصل أحينا إلى حتى مستوى المناطقية والطائفية بسبب إفرازات الاحتلال الأمريكي والفكر الشوفيني المتعصب ناهيك إلى العلاقات غير الأدبية التي أبتعد عنها كثيرا .. فما بالك بناقد يطلب من الشاعر أن يحلل له نصه كي يكتب عنه " يا لخراب البصرة إذا " ؟؟ !!؟؟.
سؤال 132 – الأديب محسن العوني : كيف ينظر الشاعر فائز الحداد إلى مدونة النقد العربي الحديث ؟
جواب 132 - الشاعر فائز الحداد : هذا السؤال باعتقادي أنت أفضل من يجيب عليه لاشتغالك بمنهجية النقد الحديث وتعرف بأن المختبر النقدي الحديث قد اختلف جوهريا في مكونات الرؤية وحتى الرؤيا عن المختبر النقدي القديم.. كما وتعرف بأن مدارس النقد الحديث قد قوضت المدارس القديمة ل( ديكارت وهيجل ) وغيرهما تقريبا طارقة أسسا فلسفية جديدة لدراسة الإنتاج الأدبي فظهرت ( البنيوية والشكلية والبراغماتية والوجودية والتحليلية النفسية والاجتماعية الماركسية). لقد عرف العربَ النقد فنقدوا الآثار الأدبية قبل شيوع هذا المصطلح ولا أريد أن أشير إلى ( الجرجاني ) فهذا الأمر معروف ولكنني أتساءل .. أين هو النقد الذي رافق ظهور تيار الحداثة وهل كان على مستوى متقدم كالنقد الذي ظهر في أوربا والذي ساير أدب ( تي أس أليوت وعزرا باوند ) تمثيلا لا حصرا ؟ فكلنا يطمح لأن يكون للنقد العربي دوره الحاسم في متابعة الآثار الأدبية للمبدعين العرب .. هي أمنية ستبقى دون الطموح ربما .
سؤال 133 – الأديب محسن العوني : لو يحدثنا الشاعر فائز الحداد عن ملامح القارئ الذي يخاطبه من خلال نصه الشعري ؟
جواب 133 - الشاعر فائز الحداد : أكيد أنا أخاطب القارئ النوعي قارئا واعيا وموضوعيا لا قارئا مجترا وكسولا .. فالقصيدة الحديثة هي قصيدة ذهنية بلاغية تعني بالمثالية السحرية وتشتغل على منظومة الصورة المركبة في المخيال والبناء ولا تستعجل الفهم ولا تمنح مفاتيح شفرتها إلا لمن يسبر أسرارها ويغور في أبعادها التشكيلية الهندسية والتكوينية ويدرك جرس المفردة في أدائها ودورها الخطير في الفعل الشعري ومقاصد الجمال والمعنى . إنني في موضوعات نصوصي المختلفة أستهدف إيصال فهمي للحياة وفهمي لهذا الكون كإنسان وكشاعر وربما أختلف عن القارئ كثيرا في نظرتي لبايولوجيا وميثلوجيا الحياة لكنني ألتقي به بانتمائي له وأبحث عن مقتربات بيني وبينه لنشترك ولو بالحدود الدنيا في أغناء حيزنا الأرضي بكل ما هو جميل ونافع ومفيد . فالقارئ هو مرآتي الناصعة التي أرى بها ذاتي وذاتي الأخرى من خلال ذاته المتسعة .
سؤال 134 – الأديب محسن العوني : رأي الشاعر فائز الحداد في ترجمة الشعر عموما وترجمة شعره على وجه الخصوص ؟
جواب 134 - الشاعر فائز الحداد : الترجمة هي عين النص المبصرة إلى العالم الآخر ويجب أن تكون ثاقبة البيان في إيصال روح النص بتضاعيفه المضاعفة وبدونها يبقى النص ضريرا ولا يرى غير صدى هندامه التقليدي . فهي فعل أدبي إبداعي خلاق كبير لا تقل أهميته وخطورته عن النقد لا تاريخيا ولا معاصرة . لقد رافقت الترجمة مسيرة الأدب الإنساني والفلسفة والعلوم الصرفة منذ بداية التاريخ المعرفي فاهتم العرب بالترجمة كأمة تاريخية منذ عصر الجاهلية بعد جهالتها لمعرفة ما يدور في عقل خصومهم من الروم والفرس والأحباش.. واعتقد بأن الدوافع لذلك كانت لأسباب عسكرية لا أدبية انطلاقا من القول ( من عرف لسان قوم آمن شرهم ) ولكن تغير الحال بعد تأسيس الدولة العربية الأولى وما تلاها في العصر العباسي ترسيخا بعد تداخل الفلسفات والثقافات المنضوية تحت جنح الرسالة الإسلامية فولدت الحاجة إلى المعرفيات كترجمة علوم وفلسفة اليونان إلى اللغة العربية خصوصا في عصر هارون الرشيد وابنه المأمون وهلم جرا . أما ما يخص الشطر الثاني من السؤال فأنا أتطلع إلى مترجم قدير على شاكلة د. إنعام الهاشمي فيما قدمته من منجز يشار له بالندرة والبيان وعلى شاكلة د محسن العوني فيما قدمته كأديب رصين وكبير من أعمال ترجمية جليلة لا مجاملة ولا نفاقا .. فشعري هو موكل على عاتق البارين من الأدباء ومن يقرؤني جيدا ويفهم مقاصد نصوصي وإنني لواثق بأن العمل الأدبي الجيد سيبقى محط اهتمام دائم دائما الآن وفي المستقبل ولو أن جل الترجمات قد ترجمت أعمال الشعراء الكبار بعد أن فارقوا الحياة وربما لا يكشف النقاب عن نصي إلا بعد رحيلي غير نادم على حياة لم أحصد منها سوى الخسرانات .
سؤال 135 – الأديب محسن العوني : تولد القصيدة من كلمة ..حالة ..فكرة ..حلم ..رؤيا ..ذكرى..حنين ..موقف ..رغبة .. لو يحدثنا الشاعر فائز الحداد عن مراحل تخلق ثلاثيته المقدسة ؟
جواب 135 - الشاعر فائز الحداد : في لذة أو شهوة النص تحدث العتيد رولان بارث عن النص في تكويناته وولادته نصا وضمنا وتحدث قبله وبعده الكثيرون ومنهم أوكتاف يوباث وعلي أحمد سعيد ومحمود درويش والماغوط والقائمة تطول .. وبالنسبة إلي كشاعر متواضع أفهم بأن الشعر " ذلك الكائن الذي يقوم على الشك والشك دائما صوب يقين يتقصاه كحلم ولن يتمكن الشاعر من بلوغه إلا بشك مرادف آخر كي تبقى جدلية الشعر قائمة ومستمرة ".. فالقصيدة هي فعل انعكاسي وترادفي في آن ومخاضها في الولادة عسير جدا وليس كما قال أستاذنا الشاعر ( سليمان العيسى .. " بأنها ولادة " ) ولم نعرف منه أي نوع لهذه الولادة .. فالقصيدة عندي تدخل في مراحل تكوين متعددة تخرج من مختبر الذات في أعلى درجات عنفوان النار كانعكاس لقلق الشاعر وأنا في حالة استنفار وتوفز دائمين .. ذلك القلق الذي يولد بشكل انشطاري جامح على السكون ولا يتعايش مع الاستقرار الرتيب . القصيدة هي ثورة في ذات الشاعر على ذاته قبل أن تكون ثورة على الرتابة والخمول على ما يحيط به .. فهي تولد من رحم القلق الإبداعي الواعي المتجاوز لا أللاوعي المرضي كما يريد لها أن تكون نقاد المدارس النقدية النفسية لإسقاط نظرياتهم البالية عليها كفرضيات .. فالشاعر في شهوة الكتابة تقوده معايير كثيرة إلى سجادة التدوين الكتابي وهو في ذروة الحلم والقلق . نعم القصيدة تجمع كل وجل ما ذكرته أنت كأديب وشاعر لترسخها بشكل إبداعي وأكاديمي نصا ورأيا .
سؤال 136 – الأديب محسن العوني : لو يحدثنا الشاعر فائز الحداد عن العلاقة بين النص الشعري والحالة الشعرية ..إلى أي حد يترجم النص الشعري الحالة الشعرية ؟.
جواب 136 - الشاعر فائز الحداد : الحالة الشعرية ليست فعلا عفويا ولا هامشيا بل هي هوية ترسخ للشاعر وجوده ووجوديته عبر ما يتركه من أثر أدبي .. وأعتقد أن المنجز الشعري بدلالة النص النموذجي من يجسد معنى الحالة الشعرية تماما ويعبر عن تجادل العلاقة بينهما فليس كل شاعر يمثل حالة شعرية متفردة تتماثل والظاهرة الشعرية كبودلير وباث ورامبو وأدونيس ومحمود درويش أو الماغوط والسياب والجواهري وعبد الرزاق عبد الواحد ( تمثيلا لا حصرا ). إذاً الحالة الشعرية بشخصية المنجز تشكل تفردا نوعيا باتجاهين ( التجربة والذات والرؤية والرؤيا ) وهذا لا يلغي أبداً وجود تجارب أخرى مرافقة ومضارعه للحالة الشعرية لتسايرها وتتفاعل معها على أن تعضدها الدراسات النقدية ولكن بفارزة بين علامتين تفرق بين ( الجمال والمتشبه به) .
سؤال 137 – الأديب محسن العوني : كيف يرى الشاعر فائز الحداد علاقة الإبداع الشعري بالهامشي والمسكوت عنه واليومي والثاوي المنسيّ ..؟
جواب 137 - الشاعر فائز الحداد : يا سيدي .. لقد تطرق غيري وتطرقت أنا كشاعر إلى هذا الموضوع كثيرا وأخرها ما قلته في بيان جماعة اختلاف فسل عمن يريد المسكوت عنه أن يكون ويسود لأسبابه الخاصة !؟ فهو يضرب الآن باطناب النشر إمعانا لترسيخه ويعضده في ذلك من يهدده تيار الوعي الذي أشارت إليه كمغزى ( فرجينيا وولف ) في سياق ومسار النص الحديث . ومقاصد إشارتي واضحة وأنت سيد العارفين .. ولو أردنا أن نتحدث بشكل تفصيلي لطرقنا أسماء كثيرة لا يجب أن نسكت عنها ولا على ترهاتها وإساءاتها المتواصلة وخصوصا ( ديناصورات ) اللغة والأكاديمية غير المبصرة و لنتساءل هنا .. لماذا ولمن يخدم هذا المسكوت عنه ؟ عندها سنجد رتاج الفصح سيفتح أمامنا كرتاج الكعبة معنى لا تشبيها ففي كل مراحل الشعر هناك الهامشي الطارئ والمجسد النوعي الراسخ فالبائر مصيره على الأرصفة ويشتريه أصحاب العربات و بائعو لفافات المكسرات في الشوارع غير الأدبية أما القيّم كمنجز حقيقي فمكانته الوجدان قبل المكتبات ودور النشر الرصينة .
سؤال 138 – الأديب محسن العوني : ما الذي تعنيه هذه المفردات لدى الشاعر فائز الحداد : الموسيقى والإيقاع ..الصورة الشعرية ..الصناعة الشعرية ..الخيال الشعري ..الغموض ..المعاناة ..الحلم ..الحرب ..الحرمان ..
جواب 138 - الشاعر فائز الحداد : الموسيقى والإيقاع : اللغة الأولى الصورة الشعرية: الرسم المثالي الصناعة الشعرية : تقنية المعنى الخيال الشعري : السماء بلا حدود الغموض : الإبصار العميق المعاناة : مرآة البوح الحلم : كذبة التمني الحرب : الكريهة المثلى الحرمان : غدر امرأة
سؤال 139 – الأديب محسن العوني : لو طلبنا من الشاعر فائز الحداد أن ينشئ لنا جسرا بين " مدان " و "مدن " ويصف لنا دلاليا البحر الذي يفصلهما ؟
جواب 139 - الشاعر فائز الحداد : كهاجس اعتباري شخصي لا برزخ هناك للمتلبس بإدانة مدن ضارعته هواجسه بكل نأمة .. فكيف لا يكون مدانا لها وبها ؟ أحب أن أبقى مدانا وليس لي من محمل البراءة غير اتهامي بالشعر .
وفي الختام: شكرا للأديب الجميل صديقي المبدع الباحث القدير د. محسن العوني على مشاركته الكبيرة في حوار النخبة وأتمنى له دوام الرفعة والسمو والتألق في مساعيه نحو أدب وحوار متمدن ينعم بالعافية في ظل التسامح مع الاختلاف .
فائز الحداد العراق
وأنا بدوري أقدِّمٌ كلَّ الشكرِ والتقديرِ للأديبِ الباحث القدير د. محسن العوني لاستجابتِه لدعوتِنا ومشاركَتِهِ النوعيَّةِ والشيِّقة في هذا الحوارِ الزاخِرِ بالمعرِفَةِ ممّا قدَّمه لنا شاعِرُنا وأدباءُ النخبةِ. ولا يسعني إلا أن أقفَ مبهورةً أمام مقدِّمتِهِ الثرَّة بما وردَ فيها من التعمُّقِ الفِكريِّ والأدبيّ المثيرِ للأعجاب.. والشكرُ مجدَّدٌ وموصولٌ مع التقديرِ لشاعِرِنا العرّاب الفائز الحداد ... طوبى له لطولِ نَفَسِهِ ولجهدِه الدءوب في الإجابة على الأسئلةِ العديدةِ التي ورَدَتنا من نخبةِ الأدباءِ والتي مازالَ مشوارُنا طويلٌ معها والعديدُ منها في انتظارِ دورِه في الظهورِ في الحلقات القادمة وما فيها ولدى شاعِرِنا مِن ثقافةٍ واطّلاعِ .... وقبل أن أغادِر الصفحة هذه المرة أقدِّمُ لشاعِرِنا العرّاب باقةَ نرجسٍ عبقةٍ لتعطِّرَ يومَه. وسنلتقي في الحلقةِ القادمة. حرير و ذهب (إنعام) الولاياتالمتحدة
سيتم نشر الحلقة السادسة عشرة من حوار النخبة خلال الأيام القليلة القادمة وفيها يجيب الشاعر فائز الحداد على أسئلة الأديب القاص العراقي حمودي الكناني.
نبذة موجزة عن المشارك في حوار النخبة محسن العوني - تونس
· باحث مجال تخصصه المسيحية في شمال إفريقيا والمتوسّط / حضارة المتوسط · مترجم وقاصّ مهتم بالصورة والجماليات .. · مهتم بصورة العرب والمسلمين لدى الآخر ولدى أنفسهم ولدى بعضهم البعض .. · تابع قضايا حارقة مثل العنصرية ضد السود والملونين والعمال المهاجرين ..جرائم الشرف ..الفقر والأقليات المضطهدة واللاجئين ..الغجر والمهمشين ..قضايا حقوق الإنسان والحريات .. · ترجم نصوصا شعرية وروائية وفكرية عن الفرنسية · ونشر بحوثا ونصوصا إبداعية وترجمات .. · أنشأ مراسلات مع باحثين من الولاياتالمتحدة وبلجيكا وفرنسا والعراق .. · راسل الصحافة العربية بأوروبا ونشر بحوثا وتقارير بخصوص ما ينشر عن المغرب العربي خصوصا والعرب والمسلمين عموما ووضعية المهاجرين من الجيل الأول والجيل الثاني.. في الصحافة الفرنسية .. · ينشر في الصحافة الثقافية .. · متابع جادّ للحركة الفكرية والثقافية والإبداعية في العالم العربي والعالم ..