اقتناص فرصة للجلوس مع رئيس الوزراء د. هشام قنديل رئيس الوزراء كان على مدى شهر كامل هو تقريبا عمر حكومته أمرا بعيد المنال فى مكتبه بالقاهرة.. لكن ما لم نستطع الحصول عليه فى القاهرة حصلنا عليه فى الخرطوم، خلال زيارته للسودان. التقت «الشروق» رئيس الوزراء، حيث كشف عن جملة من الأمور التى تهم الشارع المصرى، ورد على الكثير من التساؤلات التى باتت تؤرق المواطن، فبدأ د. قنديل حديثه معلقا على الأجواء التى تعمل فيها حكومته، فقال «إنها كتيبة من المحاربين أو الوزراء.. تحاول أن تلبى طموحات الشعب المصرى.. إيمانها راسخ بأنه لا بديل عن الشفافية.. ولا تنمية إلا بالمصريين أنفسهم، ولا نصره للرسول إلا بالعمل الجاد».
أضاف رئيس الوزراء فى حماس بالغ «إننا نجتهد بما أوتينا من قوة، نواصل عملنا صباحا ومساء على مدى 7 أيام فى الأسبوع، إننا نعمل فى ظروف بالغة التعقيد ومسئوليتنا تاريخية سيحاسبنا عليها الشعب».
«أتذكر أننا فى يوم الخميس 2 أغسطس الماضى حلفنا اليمين الدستورية أمام رئيس الجمهورية، وجاءنا خطاب بعدها بساعات أن هناك وفدا ليبيا سيزور القاهرة بعد يومين وكان الكثير من الوزراء لم يدخلوا مكاتبهم ولم يطلعوا على الملفات.. لكن الحكومة كانت على قدر من المسئولية وبدأنا فى استقبال الوفود التى تساهم فى النهضة».
القرض والصندوق والشروط
أكد أنه يتابع كل الانتقادات التى توجه لحكومته، خاصة تلك المرتبطة بموضوع قرض صندوق النقد الدولى، وفى هذا السياق يقول: «تصلنا كل الانتقادات لكن الحكومة تعمل فى شفافية، ولم تخطط لإخفاء شروط القرض الخاص بصندوق النقد الدولى، الشروط مرتبطة ببرنامج الاصلاح المالى والاقتصادى، والحكومة لا تزال تعمل فى إعداد هذا البرنامج، وبالتالى كيف نعلن عن برنامج لم يكتمل؟ ما يجرى الآن مجرد دراسات واقتراحات لهيكلة هذا البرنامج وإعداد عدد من الإصلاحات لمواجهة المشاكل التى لحقت بالاقتصاد المصرى فى الأعوام السابقة، وبمجرد الانتهاء من إعداد هذا البرنامج سيتم إعلان تفاصيله كل بكل شفافية أمام الجميع».
كانت انتقادات سياسية ضد قدوم الحكومة على الاقتراض من صندوق النقد الدولى اتهمت الحكومة بالوقوع تحت وصاية صندوق النقد الدولى وفتح الباب أمامه للتحكم فى السياسات الاقتصادية، وأكدت أن الحكومة قد يكون أمامها طرق أخرى لسد العجز فى الموازنة دون اللجوء إلى الاقتراض الدولى.
يرد قنديل قائلا: «لن نوافق على أى خطوات أو إجراءات تفرض علينا وصاية.. وأشدد على أن برنامج الإصلاح المالى والاقتصادى هو برنامج وطنى مصرى وكان سيتم فى حالة وجود قرض صندوق النقد أو عدم وجوده»، مؤكدا أنه برنامج لصالح مصر ولا علاقة له بالحديث عن أى شروط مجحفة فى حق مصر فى حالة الحصول على القرض، لأنه فى النهاية موجه ومعد لصالح الاقتصاد المصرى.
كانت الحكومة قد أعلنت عن بعض الاصلاحات الهيكلية المستهدفة ضمن برنامج الاصلاح الاقتصادى المصرية والتى تتضمن زيادة الايرادات من خلال مراجعة النظام الضريبى لتغطية نسبة أكبر من المواطنين دون فرض مزيد من الضرائب، بل تغطية نسبة أخرى ممن لا يدفعون الضرائب، حيث العاملون فى الاقتصاد غير الرسمى ودمجهم فى الاقتصاد الرسمى للدولة، وتوفير حوافز لهذه الفئة، خاصة أن وجودهم فى الاقتصاد غير الرسمى لا يتيح لهم التمويل الكافى أو الحصول على التأمين الصحى أو الشمان الاجتماعى.
الأوضاع السياسية
«الناحية السياسية فى مصر أصبحت تتجه من استقرار إلى استقرار.. فالموعد المبدئى للاستفتاء على الدستور سيكون فى نهاية أكتوبر والانتخابات البرلمانية ستتم بعده» كما يقول قنديل، ويضيف إن الأجواء السياسية باتت أهدأ من ذى قبل وإن لم تنته الفترة الانتقالية بعد، إلا أن البرنامج الزمنى قائم وتنفيذه لا جدال عليه. حديث قنديل المتفائل بالاستقرار السياسى للدولة عقب ثورة يناير واستمرار الفترة الانتقالية لعامين فى يد حكم المجلس العسكرى قبل تولى مرسى الرئاسة كأول رئيس مدنى منتخب لا يجد صدى لدى عدد من التيارات السياسية التى ترى أن الكثير من المشاكل والعقبات السياسية لا تزال قائمة، ترجمة للخلافات التى تحدث فى الجمعية التأسيسية لوضع الدستور وتهديد بعض الاتجاهات الليبرالية بالانسحاب منها فى حالة تمسك الاسلاميين ببعض البنود.
يقول قنديل: «لم تكن من مسئوليتنا تحديد موعد الاستفتاء، لكن الجمعية التأسيسية هى من أعطت مهلة شهر للتشاور على النسخة النهائية، وبدء الاستفتاء عليه، وأتابع مناقشاتهم على التليفزيون مثل كل المصريين».
وعن علاقة الحكومة بالأحزاب قال قنديل إن حكومته «لا تتعامل مباشرة مع الأحزاب السياسية ولكن هناك تواصلا بينهم وبين مؤسسة الرئاسة والحكومة تطلع على ذلك وتدرس أى مقترحات بمشروعات أو غيرها».
رغم نغمة التناغم بين حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين والحكومة عقب ساعات من اختيار مرسى لرئيسها وتشكيلها على يد قنديل، أصدر الحزب بيانا على لسان مسئول ملف الاقتصاد به يتنقد أداء الحكومة لعدم تحديد ألية واضحة لحل المشكلات الأساسية حتى الآن ويقول إن «الحزب غير راض تماما عن أداء حكومة قنديل فى هذه النقطة».
يعلق قنديل بأنه لم يطلع على هذا البيان ولم يتلق أى انتقادات على أداء حكومته من حزب الحرية والعدالة.
وخلال شهر من عمل الحكومة استقبل قنديل وعدد من وزرائه والمعنين بشكل خاص بالملف الاقتصادى من وزارة الاستثمار والتجارة والصناعة والتعاون الدولى والمالية عددا من الوفود الدولية والعربية من قطر والكويت وليبيا وفرنسا وتركيا وبعثة صندوق النقد الدولى فى إطار المشاورات لدعم الاقتصاد المصرى والحصول على القروض الميسرة والمنح المباشرة.
وحصلت مصر خلال هذه اللقاءات على وعود دولية، حيث وضعت ألمانيا برنامجا لمبادلة الديون المصرية بنحو 240 مليون يورو وتنفيذ مشروعات بالقرى المصرية ب100 مليون يورو، فضلا عن تخصيص 3 دول عربية لمصر منحا تصل إلى 90 مليار جنيه، ومنحة قدرها 300 مليون يورو من فرنسا.
تحديات وعقبات
يؤكد د. هشام قنديل أن التحديات والعقبات التى تواجه حكومته لا حصر لها فنحن أمام إرث ثقيل من العقبات، منها على سبيل المثال عجز الموازنة العامة، رغم أنه لا داعى للقلق، فالأمور ستسير على ما يرام بالمزيد من العمل والإخلاص.
يقول قنديل الذى كثيرا ما تحدث عن الوضع الاقتصادى وأولويات حكومته فى اصلاح الملف الاقتصادى أن التحديات لا تزال قائمة فى ظل عجز الموازنة بعد توقف وتباطؤ حركة الانتاج فى الدولة المصرية منذ بداية الثورة، لكن الأمل فى الإصلاح قائم وسيكون هناك نجاح باهر إن شاء الله.
«لا يكفى أن رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء لا يريدون الفساد أو يحاربونه.. لكن لا يزال هناك فساد يمارس فى مصر ويجب علينا كمسئولين مكافحته بكل جد».
كانت تقارير رقابية وحقوقية أكدت استمرار الفساد فى الكثير من قطاعات الدولة رغم قيام ثورة يناير ضد فساد النظام السابق بعد أن كانت تقديرات الفساد تصل إلى 70 مليار جنيه سنويا حسب مركز النيل للدراسات إلا بعض الممارسات المتعلقة بالفساد كالمنح والرشاوى فى المحليات والجهات الحكومة التى تتعامل بشكل مباشر مع الجمهور لا تزال قائمة بعد الثورة، حسب المراقبين.
يعلق قنديل على ما حدث لمصر وشعبها منذ قيام ثورة يناير حتى الآن بأن «هناك عناية إلهية ترعى هذا الشعب وتقويه.. ونسأل الله أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه لنا.. نحن نجتهد وعلى الله التوفيق».
يضيف قنديل أن الحالة السياسية والأحداث التى مرت علينا ونعيشها الآن غير مسبوقة فى التاريخ المصرى، والأحداث التى مرت على غير متوقعة منذ قدموى للقاهرة عائدا من عملى فى البنك الأفريقى بتونس وتوليتى رئاسة قطاع مياه النيل ثم وزيرا للرى بعد أقل من شهرين ثم رئيسا للوزراء بعد عام وبعد أول انتخابات حقيقية وفى ظل أول رئيس مدنى منتخب.
رهان على الشعب
«ليس التغيير الاقتصادى والسياسى فقط هو ما تحتاجه مصر لكن الانسان المصرى بحاجة إلى التنمية.. لأن النهضة لن تكون اقتصادية ولكنها نهضة الانسان.. وهناك دول لا تمتلك موارد طبيعية ولكنها تمتلك موارد بشرية لذلك يجب أن نعمل على بناء الإنسان لأنه الأكثر تأثرا فى الثلاثين عاما الماضية والجميع يعانى من السلوكيات التى لحقت بنا الآن».
وسط الأجواء الصاخبة والأصوات الناقدة كان قنديل فى مكتبه بمجلس الوزراء على مدى عمله كرئيس للحكومة خلال شهر محاطا بسيل من التظاهرات التى تملأ أصواتها أرجاء مبنى مجلس الوزراء ودخان الغازات المسيلة للدموع الذى تسلل من شبابيك مجلس الوزراء قادما من محيط السفارة الأمريكية وقت أحداث الهجوم عليها.
يقول قنديل: «كنت أبحث مستقبل البحث العلمى فى مصر.. وأنا أسمع صخب الأحداث عند السفارة الأمريكية وأشم رائحة دخان الغاز المسيل للدموع فى مكتبى بمجلس الوزراء»
يراهن قنديل على دعم الشعب المصرى لحكومته، مؤكدا أن الأحداث الأخيرة أثبتت إحساس الشعب بنوع من الاستقرار والأمان تجاه الحكومة، قائلا: «كنت أعمل فى حكومتى عصام شرف والجنزورى وكنا نحاط بسيل من المظاهرات والاحتجاجات الشعبية اليومية لكن هذا العام ونتيجة احساس الشعب بالمسئولية نتعشم أن يكون الشعب واثقا من حكومته، خاصة بعد أن أصبح عدد من يستجيب للإضرابات ليس كثيرا مثل ما حدث من نسبة المضربين فى قطاع التعليم والنقل العام لنسب أقل من 5% عكس ما حدث فى العام الماضى.
السياسة الخارجية
وحول توجه الحكومة الخارجى، يقول قنديل: إننا نعمل مع كل الدول لكن هناك توجها خاصا أعربت عنه مصر بعد ثورة يناير بالاهتمام بالدائرة الإفريقية لمصر وزيارتنا للسودان هى ترجمة لهذا التوجه فى إصلاح العلاقات السياسية والاقتصادية مع دول أفريقيا، وهناك العديد من الاقتراحات والمشروعات التى تتم على ارض الواقع ستدعمها الحكومة بكل الطرق لإقامة علاقات قوية مع الجانب السودانيين ولن تكون الحكومة وحدها المؤسس لهذه العلاقة لأنها غالبا ما ستفشل إذا تغيرت العلاقات السياسية كما حدث من قبل، لكن القطاع الخاص له الدور الأقوى فى تأسيس العلاقات الاقتصادية مع السودان، وبتأسيس البنك الأهلى فى الخرطوم ستكون التعاملات التجارية للمستثمرين المصريين فى السودان أسهل ونفتح ذراعينا لاستقبال أى مشاكل ونعد بحلها، خاصة أن القيادة السياسية السودانية تعلن استعدادها للتعاون البناء لمصلحة شعبى مصر والسودان.
وأضاف أن زيارته للسودان توضع المغزى السياسى لتوجهات مصر الخارجية بأن مصر والسودان بلد واحد ذو مصالح مشتركة وشعب الدولتين هو من يدفعنا كحكومات إلى التعاون، مؤكدا أن جميع التحديات التى نواجهها الآن هى فرص للاستثمار لتحقيق التنمية الأفقية والرأسية.