الأصل فى المؤمن أن يكون «كافرا» بعقائد الآخرين، الكفر بالشىء يعنى عدم الاعتقاد به، فالطبيعى جدا أن أكون مسلما «كافرا» بعقائد الآخرين كفرا مطلقا، وإلا لو اعتقدت للحظة أن عقيدة أخرى هى الأصح، لأصبح إيمانى محل شك، والعكس صحيح، فأى قناعة لدى مسيحى بصحة الإسلام، تستوجب أن تسأله، ولماذا لا تعتنقه وقد وصلت لهذه القناعة؟! تلك إذا بديهيات، والحق أننى وأنت والجميع «مؤمنون» بما نعتقد و«كفار» بما يعتقد الآخرون، لكنه ليس بالضرورة كفر العداوة والبغضاء، الذى يدفعك لاستعداء الآخر أو ازدرائه.. هذه مسائل لها علاقة بطبيعة الإيمان، وحقيقة فهم إن التنوع الدينى والإثنى والعرقى هو فى الأصل مشيئة إلهية: «ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة».
لا مجال إذن لتقول بأنك تحاول التقريب بين الأديان، أو تدشين حوارات بينها هدفها الوصول إلى اتفاقات فى أمور تمس عقائد كل طرف، فمشيئة خالق هذا الكون أرادت هذا التنوع الدينى، ورفعت من قدر حرية الاعتقاد فى كل الشرائع، ولم تطلب من أحد أن يخوض فى دين الآخر ليحاكمه أو يفنده، وإن جرت تساؤلات - وأنت تحاول فهم عقيدتك - تخص عقائد الآخرين، فمكانها مسجدك أو كنيستك.
لكن أصل الأزمة أنك صرت تعيش فى مجتمع يندفع بفعل التشاحن السياسى والاحتقان الطائفى، إلى «تسييس» كل شىء، فينقل التفاصيل «العقيدية»، التى من المفترض أن يكون مكانها بين المختصين، إلى العامة فى وسائل الإعلام جميعها.
تلك الحالة المفرطة من التسييس هى التى تدفع رجال الدين «مشايخ وقساوسة» إلى تبنى مشروعات ذات طابع سياسى، والدخول فى سجالات «سياسية» متدثرة بغطاء الدين، حتى صار رجال الدين يخرجون إلى مريديهم كزعماء سياسيين، لا تجد فيما يقولونه وعظا إلا ما ندر، لكن الأغلب الأعم من أحاديثهم ينطوى على سياسة مفرطة، إعلانات تأييد لمرشحين سياسيين، ومساجلات مع الآخرين، وحديث فى الانتماءات الحزبية، والمواقف السياسية، وتخوين وتكفير للمعارضين.
عندما تصل إلى جوهر هذا التفكير وتتدبر هذه الحكمة من التنوع، ستضع يدك على الحل الذى تبحث عنه لوقف ازدراء الأديان والإساءة إليها، وستجد نفسك تلقائيا تلفظ من يمارس هذا التشنج الدينى باسمك أو عليك، لكن كل ذلك لن يتم إلا فى سياق أخلاقى حقيقى وعادل، يرى الصورة الكاملة ولا يتخندق طائفيا ليدافع عن دينه من الإساءة فيما هو يغض الطرف عن جرائم فى حق أديان الآخرين.
الخروج من حالة التشنج تلك فى أيدينا كلنا كما قلت، أولها أن نطرح النموذج فى احترام الأديان والمقدسات.. كل الأديان والمقدسات، وأن نوقف التمييز، وقتها سنستطيع أن نقف للعالم كله لندين أى إساءة وندافع عن أى معتقد ونحن لا تلطخ رءوسنا «بطحة» الازدراء ذاتها التى نهاجم الآخرين بسببها.
لا تنه عن فعل وتأت بمثله.. ولا تنشغل عن إيمانك بالبحث فى نقائص الآخرين، التنوع مشيئة ربك، فلماذا أراك كل يوم معترضا على هذه المشيئة؟ تعارفوا وتعايشوا يرحمكم الله.