* من الغريب أن يتهم البعض الإسلام بالتعصب. ومن العجيب أن يتهم المسلمون بإساءة معاملة غير المسلمين بين ديارهم وفوق أراضيهم. والأعجب من هذا أن تنسب الأحداث المؤسفة والخلافات. والنزاعات. والصدامات الشخصية التي تحدث بين الأفراد إلي الأديان بهدف الإساءة إليها وتحميلها التبعات.. ألخ. * وبقليل من التريث والتأني ودراسة الأوضاع يتأكد لكل ذي لب بأن كل النزاعات التي تقع بين طائفتين دينيتين سببها الصراعات الشخصية والمصالح الدنيوية وأكبر دليل علي ذلك عدم الالتزام الديني لطرفي النزاع. * لهذا آثرت في هذا المقال أن أوضح فلسفة الإسلام التي تحكم المسلم في معاملة غير المسلم وهناك حقيقة لابد أن يؤمن بها كل عاقل وهي أن كل ذي دين يعتز بدينه يعتقد أنه الحق يستوي في ذلك أصحاب الشرائع السماوية والمذاهب المادية والوضعية وتلك هي طبيعة الانسان الذي وصفه الله بقوله:"وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً" "الكهف آية 54" * وحيال هذا الاختلاف واعتزاز كل فرد بدينه لا يكون الحكم إلا لله وحده القائل: "فمن يكفر بالطاغون ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقي" "البقرة 256" * وشريعة الإسلام هي الرسالة الخاتمة ولها فلسفة خاصة زودت بها المسلم كي يتعامل مع أخيه الإنسان بغض النظر عن عقيدته وجنسه ولونه ووطنه. وهذه المفاهيم التي رسختها شريعة الإسلام في أبنائها جعلتهم يتعايشون مع طوائف البشر ومع كل الأيدلوجيات بعقلانية وتسامح واعتدال انطلاقا من القاعدة الشرعية التي تحكم الجماعة المسلمة: "لهم ما لنا وعليهم ما علينا". ومن بين هذه الفلسفات: 1- الاعتقاد بأن الله هو الخالق للإنسان: إن الإنسان الذي قصدته الشريعة هو جنس الإنسان بغض النظر عن عقيدته ولونه وجنسه ووطنه "إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشراً من طين" ص- آية 71 * وسواه بيده ونفخ فيه من روحه قال تعالي: "فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين" الحجر آية .29 * وجعله خليفة في أرضه "وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة" البقرة آية 30 2- الاعتقاد بكرامة الإنسان * لقد كفل الاسلام الكرامة الإنسانية لكل بني آدم ولم يفرق بين إنسان وإنسان قال تعالي: "ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم علي كثير ممن خلقنا تفضيلاً" "الاسراء آية 70". * وهذه الكرامة التي قررها الإسلام توجب لكل إنسان حق الاحترام والرعاية. ومن الأمثلة العملية علي احترام الإسلام للنفس البشرية ما رواه البخاري عن جابر بن عبدالله "أن جنازة مرت علي النبي صلي الله عليه وسلم فقام لها واقفا فقيل له: إنها جنازة يهودي فقال: صلي الله عليه وسلم: أليست نفسا" 3- الحث علي ضرورة التعامل مع الآخر: * إن الاعتقاد السائد لدي المسلم والذي تعلمه من شريعته السمحاء أن المسلم لا يمكن أن يعيش وحده أو يحيا بمفرده مهما كانت إمكاناته وقوته فعجله الحياة لم ولن تسير إلا بالتعاون بين الجماعات والدول لأن التعاون هو سنة الحياة قال تعالي: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير" "الحجرات آية 13" 4- الاعتقاد بأن اختلاف الناس في الدين واقع بمشيئة الله وحده: * لقد علم الإسلام أبناءه بأن اختلاف الناس في العقائد مرده إلي الله ومن يعتقد خلاف ذلك فقد تأبي علي الله ورد عليه مشيئته. * قال تعالي: "ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين" "هود 118- 119". * ويقول فضيلة الدكتور سيد طنطاوي شيخ الأزهر في تفسير هذه الآية ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك" تأكيداً لما اقتضته سنته من اختلاف الناس. * قال الألوسي: وللاختلاف خلق الناس علي معني: لثمرة الاختلاف من كون فريق في الجنة وفريق في السعير. * وعن حقيقة الاختلاف يقول الرسول صلي الله عليه وسلم: "إن اليهود افترقت علي إحدي وسبعين فرقة. وإن النصاري افترقوا علي اثنين وسبعين فرقة. وتفترق أمتي علي ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة قالوا ومن هم يا رسول الله؟ قال ما أنا عليه وأصحابي. * بهذا يتأكد بأن الاختلاف بيني وبين البشر في طبائعهم وعقائدهم هو واقع بمشيئة الله ولا يجوز لأحد أن ينكر هذا الاختلاف حتي ولو كان علي الحق فهذه هي مشيئته في الدنيا وهو في الآخرة المحاسب وحده. * ولهذا يجب علي المسلم أن لا يجبر أحداً علي الدخول في الإسلام كيف وقد قال الله لرسوله الكريم "ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً أفانت تكره الناس حتي يكونوا مؤمنين" "يونس آية 99"