* يقول الدكتور نصر فريد واصل أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر ومفتي مصر الأسبق: لقد خلق الله الإنسان علي اختلاف ملله وأشكاله وأجناسه من أب واحد وأم واحدة كلكم لآدم وآدم من تراب. كما جاء في خطبة الوداع قول رسول الله صلي الله عليه وسلم: ¢يا أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد كلكم لآدم وآدم من تراب إن أكرمكم عند الله أتقاكم ليس لعربي علي أعجمي ولا لأعجمي علي عربي ولا لأحمر علي أبيض ولا لأبيض علي أحمر فضل إلا بالتقوي. ألا هل بلغت اللهم فاشهد¢. ولم يفرق المولي عز وجل في الخلق ولا في الرزق بين مسلم وغير مسلم. ولقد جاءت الرسالات السماوية من لدن آدم إلي خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلي الله عليه وسلم وكلها يكمل بعضها بعضا لقول الرسول صلي الله عليه وسلم: ¢إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بني بيتا فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية فجعل الناس يطوفون به ويقولون هلا وضعت هذه اللبنة¢ قال: ¢فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين¢ رواه البخاري. كما أن الرسالات السماوية كلها تدعو إلي هدف واحد وهو توحيد الله وعبادته وترجو نتيجة واحدة هي الفوز بالجنة في الدار الآخرة وإن اختلفوا في الأسلوب والطريقة الموصلة إلي ذلك. ومن ذلك شرعا أن الإسلام لم يمنعنا من مجالسة أهل الكتاب ومجادلتهم بالتي هي أحسن لقوله تعالي: ¢وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ¢ "العنكبوت: 7" وأن نأكل من طعامهم وشرابهم.. بل أكثر من ذلك أباح لنا الزواج منهم لقوله تعالي: ¢وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلّى لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ¢ "المائدة: 5". والزواج كما هو مقرر شرعا ما هو إلا مودة ورحمة لقوله تعالي: ¢وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً¢ "الروم: 21". ولقد أوصانا الإسلام بالجار خيرا سواء أكان مسلما أم غير مسلم فلقد ورد عن مجاهد أن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما ذبحت له شاة فلما جاء قال أهديتم لجارنا اليهودي. أهديتم لجارنا اليهودي سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: ¢ما زال جبريل يوصيني بالجار حتي ظننت أنه سيورثه¢. ولقد أكدت السنة النبوية الإحسان بالجار وعدم التطاول عليه وإيذائه لقوله صلي الله عليه وسلم: ¢من آذي ذميا فأنا خصمه ومن كنت خصمه خصمته يوم القيامة¢. وفي حديث آخر: ¢من آذي ذميا فقد آذاني ومن آذاني فقد آذي الله¢. فالإسلام لم يفرق بين أتباعه وأصحاب الديانات الأخري فمن ذلك أن مرت جنازة فقام النبي صلي الله عليه وسلم واقفا فقيل: إنها جنازة يهودي فقال صلي الله عليه وسلم: ¢أليس نفسا؟¢. وقبل البني صلي الله عليه وسلم الهدية من غير المسلمين وزار مرضاهم وعاملهم واستعان بهم في سلمه وحربه حيث لم يحس منهم كيدا.. كل ذلك في ضوء تسامح المسلمين مع مخالفتهم في الاعتقاد ولم يكن هذا التسامح نابعا من اجتهادات فورية أو مآرب شخصية أو أمزجة نفسية. وإنما هي تعاليم ملزمة من الله سبحانه وتعالي ينال منفذها الثواب ويلحق مخالفها العقاب.. فمكارم الأخلاق أصل من أصول الدين. والتزام الحق ركن من أركانه. والمسلم في أخذه بهذه المبادئ ليس له الخيرة. في أن يطبقها متي شاء ويتركها متي شاء بل هي ركيزة ثابتة وميزان منصوب يعامل به الكل علي حسب ما عنده لا حسب ما عندهم. كما أنه قد جاء في الأثر أن الجيران ثلاثة: جار له حق واحد وهو الجار غير المسلم له حق الجوار وجار له حقان وهو الجار المسلم له حق الجوار وحق الإسلام وجار له ثلاثة حقوق وهو الجار القريب المسلم له حق الجوار والقرابة وحق الإسلام. وعلي ذلك فيجب أن يسود الود والوئام بين المسلمين وغير المسلمين وإن كانوا مختلفين معنا في الدين لقوله تعالي: ¢لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ¢ "البقرة: 256".. وقوله تعالي: ¢لَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّي يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ¢ "يونس: 9".. وقاله تعالي: ¢لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ¢ "الكافرون: 6". ولقد أوجب الإسلام علي أتباعه إذا عاش بينهم أهل الديانات الأخري أن يكون لهم ما للمسلمين وعليه ما علي المسلمين من حقوق وواجبات. وخير دليل علي ذلك ما روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رأي شيخا ضريرا يسأل علي باب فلما علم أنه يهودي قال له: ¢ما ألجأك إلي ما أري؟ قال: أسأل الجزية والحاجة والسن؟ فأخذ عمر بيديه وذهب إلي منزله. فأعطاه ما يكفيه ساعتها. وأرسل إلي خازن بيت المال يقول له: انظر هذا وضرباءه. فوالله ما أنصفناه إن أكلنا شبيبته ثم نخذله عند الهرم إنما الصدقات للفقراء والمساكين والفقراء هم المسلمون وهذا من المساكين من أهل الكتاب¢.. ووضع عنه الجزية وعن ضربائه..