هل أنت ضد ازدراء الأديان ومقدساتها ومعتقدات أصحابها عموما؟ أم أنك ضد ازدراء دينك ومقدساتك ومعتقداتك فقط؟ هل أنت ضد العنصرية القائمة على الهوية الدينية ترفض أى تمييز على أساس دينى أو أى تعميم للنقائص على أتباع الأديان، أم أنك فقط ضد التمييز ضدك وضد دينك وضد لصق النقائص بعقيدتك؟
هل تطالب بقواعد قانونية لمواجهة ازدراء الأديان كل الأديان، ومعاقبة كل من يمس عقائد الآخرين ويرميها بالفساد بشكل علنى، أم أن مفهومك عن هذه القواعد والقوانين والتشريعات يقتصر فقط على حماية دينك ومقدساتك؟
هذه أسئلة جوهرية حاول أن تجيب عليها فى معرض غضبك على الإساءات ضد الإسلام ورسوله، لا تفكر فى إجابات سابقة التجهيز فى معلبات المجاملات، ولا فى شعارات محفوظة وتتردد فى كل مناسبة أو أزمة، لا أريدك أن تجيبنى تحديدا فقط أريدك أن تجيب نفسك، أن تنقل لها حقيقة مشاعرك فى هذا الملف، وحقيقة موقفك وقناعاتك، وأرجوك كن صادقا ولا تخدع نفسك.
لن تستطيع أن تقنع العالم أنك غاضب لمقدساتك وعقيدتك، إلا إذا قدمت له النموذج أنك تحافظ على مقدسات وعقائد الآخرين، كما تطلب من الآخرين ذات الفعل، لن تجد دعوات إصدار تشريعات دولية لمواجهة ازدراء الأديان صداها، إلا إذا قدمت النموذج وبدأت بنفسك، لا أحد فى العالم سيمنع رئيس الجمهورية أن يصدر تشريعا لمكافحة ازدراء الأديان يطبق فى مصر على كل مواطن مصرى مسلم أو مسيحى بعدالة عمياء لا تقبل التمييز.
معنى أن يصدر هذا التشريع ويجرى تفعيله أنك ستمنع أى قس موتور أن ينال من الإسلام فى فضائية مسيحية، كما ستمنع بالتوازى فضائيات إسلامية من الخوض فى تفاصيل عقائد الآخرين وإهانتهم، ستمنع آلاف المنابر التى تلعن اليهود والنصارى كل يوم جمعة، ستمنع التعميم، وستكافح من يخرج فى وسيلة إعلام أو على منبر وميكروفون يسمعه الكافة ليقول إن «اليهود لا عهد لهم»، وهو أمر أنت تعرف أنه غير حقيقى على إطلاقه، فلا توجد نقيصة يمكن أن تعمم على أصحاب ديانة بأكملهم، حتى القرآن حين تحدث عن نقض العهود كان حديثه له مناسبة ولا يحمل تعميما: «وكلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم»، ولا يليق أن تأخذ الكل بجريرة فريق منهم، فلا اليهود ناقضو عهود لأنهم يهود، لأنك تعرف مسلمين كثر ينقضون عهودهم، ولا المسيحيين منحلين أخلاقيا لأنهم مسيحيين، لأنك تعلم تماما كل الحقائق التى قد تجرحك، ولا المسلمون إرهابيون لأنهم مسلمون، لأنك تدرك أن الإرهاب يكاد يكون عاملا مشتركا.
كلنا مؤمنون وكفار فى الوقت نفسه، كل مسلم هو كافر بالأسس العقيدية لدى الآخرين، والعكس، لكن ليس معنى ذلك أن ينشغل كل منا بما يعتقد أنه نقائص فى عقائد الآخرين على حساب انشغاله بإيمانه.
لن تستطيع أن تمنع مقارنات الأديان، ولا أن يشرح شيخ لتلاميذه الموقف الدينى من العقيدة المسيحية، ولا أن يشرع قس لأتباعه رؤيته النقدية للإسلام، لكن لتلك الأشياء محافلها الخاصة، أما أن تتحول إلى خطاب إعلامى عام يناقش جهارا نهارا، ويجرح الآخرين فهذا الذى يستحق الوقوف أمامه لأن النار بدأت من هنا.
تعالوا نبدأ بأنفسنا، ونقدم للعالم نموذجا لما نريده أن يكون عليه، أما أن نطالب بتشريع دولى لتجريم ازدراء الأديان فقط، فسنكون أول من يحاكمه ويجرمه هذا التشريع.. أو هكذا أعتقد..!