جلباب مصرى.. شعر أبيض غير مرتب يتطاير على جبينه وسيجارة مشتعلة لا تنطفأ أبدا.. مع طيبة ظاهرة تسكن عينيه كأنها شمعة مصرية أصيلة تبحث دوما عن طين الأرض الساكن فى أعماق أولاد البلد المصريين.. عاش العم إسماعيل عبدالحافظ، كما اعتاد محبوه وتلاميذه أن ينادوه. صوتا للحارة المصرية بكل طوائفها خلدته هذه الحارة وحملته فى قلوبها وعقولها وشكل مع رفيق ودربه أسامة أنور عكاشة وثنائى درامى قل أن يتكرر أو أن يكون له مثيل. كانت بداية الرحلة مع التألق عندما قدم مع عكاشة مسلسله الأول «أسوار الحب» عام 1977 ليلتقى الصديقين. ويبدأ الثنائى الذهبى رحلة التألق والنجاح بعدها بستة أعوام، وتحديدا عام 1983 عندما قدما مسلسلهما الناجح «الشهد والدموع» بجزأيه. ويليه «ليالى الحلمية» المسلسل الأشهر فى تاريخ الدراما المصرية والعربية منذ عام 1987 وحتى عام 1989 بأجزائه الثلاثة الأولى. ليأخذ الثنائى هدنة من الليالى ومن بعضهما البعض ليقدم عبدالحافظ مسلسل «الوسية»، والذى حقق بدوره نجاحا ساحقا ليصبح عبدالحافظ ويحيى العلمى ومحمد فاضل الثلاثى المصرى، الأبرز فى هذا الوقت فى عالم الدراما العربية. ويعود بعدها الثنائى ل«الحلمية» والجزئين 4و5 لتنتهى مسيرة المسلسل الأسطورة عام 1995. تخللتها عام 1994 محاولة لتقديم عمل يفند ظاهرة الإرهاب الذى تفشى وقتها فكانت «العائلة» التى كتبها وحيد حامد ولعب بطولتها محمود مرسى وليلى علوى.
ويفاجئ إسماعيل الجميع ويكون عمله الذى تلى هذه الخماسية الناجحة قادما من أعماق الصعيد ومن محافظة أسيوط بمسلسله «خالتى صفية والدير» المأخوذ عن رواية تحمل الاسم ذاته للكاتب بهاء طاهر.
ويعود عبدالحافظ لعكاشة ويقدما معا مسلسل «أهالينا» الذى صاغ نجومية منى زكى، وقدمها للشاشتين الكبيرة والصغيرة، بعد عدة تجارب لفتت لمنى الأنظار فى «ليالى الحلمية» و«خالتى صفية والدير». ويقدم إسماعيل وفى عام 1998 ملحمة غنائية شعبية مستمدة من واقع التاريخ المصرى فى «جمهورية زفتى» والتى لعب بطولتها ممدوح عبدالعليم. ويعود إسماعيل للعمل مع عكاشة ونجاح تليفزيونى آخر فى «امرأة من زمن الحب». وفى عام 2000 يعود لممدوح عبدالعليم، ويقدم أول عمل مصرى يتناول ظاهرة العولمة وسيطرة أمريكا على العالم فى «سامحونى ماكانش قصدى».
ويواصل عبدالحافظ رهانه على منى زكى وتمسكه بالعمدة سليمان غانم صلاح السعدنى بطلا لأعماله ويعود لعالم الريف المصرى من خلال عمل مأخوذ عن رواية «وجع البعاد» ليوسف القعيد يحمل الاسم نفسه. ويستمر ومع رفيق رحلته الفنية وللعام الثانى على التوالى مع صلاح السعدنى فى «البر الغربى» والذى تنقل فيه بين أجواء قنا والإسكندرية. ولأنه مخرج القضايا الكبرى والباحث دوما فى اعماق جيل الستينيات يعاود إسماعيل الغوص فى أعماق جيله وأحلامه وآماله فى «الأصدقاء» الذى يتعاون فيه أيضا مع السعدنى. وفاروق الفيشاوى ومحمد وفيق. ويعود عام 2009 للتعاون مع رفيق المشوار أسامة أنور عكاشف فى آخر أعماله مسلسل «المصراوية» بجزئيه وهو العمل الذى أكد به عبدالحافظ وعكاشة أن المجد فى الدراما دوما للمخرج والكاتب وبعدهم يأتى النجوم، حيث غير معظم نجوم الجزء الأول وحقق به فى جزئه الثانى نجاحا مضاعفا. ويغيب الموت أسامة أنور عكاشة عام 2010، وقبل أن يختما معا حكاية المصراوية ويكتئب عبدالحافظ ويحاول وبعد 30 عمل يسلم عم إسماعيل روحه لبارئها فى العاصمة الفرنسية باريس بعد أن رفض قلبه وعقله أن يتحمل فكرة أن مصر التى عشقها ترفع يدها عن علاجه وتضطره لبيع مدخراته القليلة كى يستطيع العلاج. رحل عبدالحافظ عن 70 عاما بالتهاب رئوى وترك وراءه 30 عملا وولد يعمل بالتمثيل هو محمد عبدالحافظ وبنتا وحبا جارفا فى قلوب محبيه.
إسماعيل عبدالحافظ رائد الواقعية التليفزيونية الذى غاب