فى أقل من شهر واحد يعرض أكبر بنكين فى فرنسا بيع وحدتيهما فى السوق المصرفية المصرية، تحت الضغوط الاقتصادية المتزايدة على المراكز الرئيسية للبنوك الأوروبية. فقد أجبرت تداعيات الأزمة المالية العالمية عددا من البنوك الأوروبية الكبرى على اتخاذ خطوات نحو سحب وحداتها المصرفية العاملة فى مصر، لتغطية خسائرها المالية الفادحة فى الخارج، خاصة فى أسواق اليونان وإسبانيا وفرنسا. مصادر مصرفية اعترفت بمفأجاة قرار البنكين الفرنسيين خاصة «سوسيتيه جنرال» لم تستبعد خروج بنوك أخرى من دول منطقة اليورو التى تعمل فى مصر، فى ظل الصعوبات التى تواجه تلك البنوك فى كثير من الأسواق، معتبرة أن الخروج يخفض من الحصة السوقية للبنوك الأوروبية لصالح البنوك العربية، خاصة تلك التى ليس لها وجود فى السوق المصرفية المصرية، الذى منع، منذ أكثر من عشرين عاما، الحصول على رخص جديدة لمزاولة النشاط المصرفى.
محمد مدبولى، عضو مجلس ادارة «سوسيتيه جنرال مصر»، قال ل«الشروق» إن المجموعة الفرنسية المالكة للبنك فى مصر: «لم تخطرنا بأسباب البيع قبل الإعلان عن عرض قطر الوطنى لشراء حصة كبيرة فى البنك»، موضحا أن القرار جاء من باريس، وربما يكون تحت وطأة الظرف الاقتصادى فى أوروبا، والبحث عن عوائد اسثمارية مساندة للمركز الرئيسى، مشيرا إلى أن البنك فى مصر فى أحسن حالاته، مما يجعل فرصة بيعه تحقق عوائد مرتفعة جدا.
وقال مدبولى، الذى تولى رئاسة البنك فى مصر لعدة سنوات، أن اجتماع للإدارة سوف يعقد خلال أيام للوقوف على حقيقية الأمر، مشيرا إلى أن معدلات النمو المرتفعة لمعظم أنشطة البنك، وحصوله على حصة سوقية مرتفعة تجعله فرصة جيدة لمن يرغب فى دخول السوق المصرية.
كان بنك سوسيتيه جنرال الفرنسى قد فاجأ السوق المصرية الخميس قبل الماضى، بالإعلان عن تلقيه عرض من بنك قطر الوطنى للاستحواذ على حصته فى البنك الأهلى سوسيتيه جنرال مصر، والبالغة 77.17% من أسهم رأسماله المدفوع، البالغ قيمتها 4.4 مليار جنيه.
وقال مصدر من داخل البنك فى مصر ل«الشروق» إن تخارج المجموعة الفرنسية من السوق يأتى ضمن خطة البنك الأوروبى للتخلص من بعض الأصول خارج فرنسا، بسبب الأزمة المالية التى تعانيها أسواق منطقة اليورو، حيث يعمل البنك الفرنسى على بيع بعض وحداته الخارجية، وقد قطع شوطا كبيرا فى بيع وحدته فى اليونان.
وأضاف المصدر أن «سوسيتيه جنرال» الفرنسى دخل فى مفاوضات وصلت إلى مرحلة متقدمة مع بنك «بيريوس» اليونانى بشأن بيع وحدته اليونانية «جينيكى»، موضحا أن خطوات مماثلة سوف تتم فى بيع وحدته فى مصر.
وقال المصدر: «إن تحقيق أرباح من قبل سوسيتيه مصر لا يمنع بيعه، فمشاكل المجموعة الرئيسية أدت إلى التقشف والتخلص من بعض الوحدات»، مشيرا إلى أن البنك تخلص من بعض موظفيه على مستوى العالم ولم يقترب من مصر بسبب تحقيق البنك فى مصر أرباح، حيث أظهر نتائج أعمال البنك خلال النصف الأول من العام الحالى تحقيق صافى ربح بلغ 785.57 مليون جنيه (129.6 مليون دولار)، بزيادة نسبتها 7.1% عن نفس الفترة من العام السابق، والتى بلغ فيها صافى الربح 733.20.
«التقارب السياسى والبحث عن فرص استثمارية لتوظيف العوائد المالية المرتفعة لدولة قطر، دوافع قوية من قبل القطريين لدخول السوق المصرية، فى ظل التقارب الحالى بين النظام الحكم فى الدولتين»، قال مصدر مطلع بالجهاز المصرفى.
واستبعد المصدر أن يوافق المركزى على طلب «قطر الوطنى» فى فحص باريبا مصر والأهلى سوسيتيه فى وقت واحد، مرجحا الاستحواذ على الثانى بسبب ضخامة حصته السوقية وقوة المالك القطرى، ورغبته فى الوجود فى السوق المصرية، حيث تعد قطر الدولة الخليجية الوحيدة التى لا تمتلك بنكا فى هذه السوق.
فى الوقت ذاته أكدت مصادر مصرفية فى السوق المصرية أن المركزى وافق على إجراء فحص نافى للجهالة لبنك بى إن بى باريبا مصر، لصالح بنكين عربيين، أحدهما قطرى والآخر مغربى، تمهيدا لتقديم عروض مالية من قبل الراغبين فى الاستحواذ «بى إن بى باريبا» ، فى صفقة من المحتمل أن تبلغ قيمتها أكثر من 400 مليون دولار.
ويرغب بنك «بى إن بى باريبا» فى بيع وحدته بالسوق المصرية لتعزيز قاعدته الرأسمالية والخروج من أنشطة غير رئيسية، وفقا لما صرحت به مصادر بنكية، وسط مشاكل تعانيها البنوك الأوروبية التى اتجهت الى تقليص أنشطتها فى بعض الدول.
وقال مصدر قريب من البنك فى مصر أن بى إن بى باريبا لديه حصة صغيرة نسبيا فى السوق المصرية لا تتجاوز 1% ولكنه يمتلك قدرات جيدة على النمو وسط انتشار للفروع يصل إلى 70 فرعا، فضلا على سلامة محفظة قروضه من الديون المتعثرة سيئة السمعة.
وتقدر القيمة الدفترية لنشاط التجزئة لبنك بى إن بى باريبا فى مصر ب350 مليون دولار. ويحاول البنك الام فى فرنسا التخلص من بعض الأصول وتسريح موظفين إثر مشكلة ديون منطقة اليورو، وهى نفس محاولة البنك اليونانى «بيريوس» الذى حاول على مدى الثلاث سنوات الماضية بيع وحدته فى مصر. لكنه أعلن قبل شهر صرف النظر عن أى عروض للشراء فى المستقبل القريب، والتركيز على توفير الدعم الكامل لعمليات البنك فى مصر، بسبب تدنى العروض التى وصلته من البنوك التى قامت بعملية الفحص الفنى، وهما «وفا» المغربى و«ايش التركى».
وفى حالة خروج البنكين «بارببا وسوسيتيه» سوف يقتصر وجود البنوك الفرنسية على «كريدى أجريكول مصر» الذى أكد رئيسه فرنسوا إدوارد دريون ل«الشروق» قبل أسابيع عدم نية مصرفه التخارج من السوق.
الخبير المصرفى أحمد آدم ربط تخارج البنوك الأوروبية خاصة الفرنسية منها بعدة أسباب، أولها ضعف المراكز الرئيسية للبنوك الأم فى فرنسا وسط أزمة طاحنة، وتخفيض ائتمانى للبنوك الفرنسية، وللاقتصاد الفرنسى بأكبر مستوى فى تاريخه، مما يجعل البيع يحقق عوائد استثمارية كبرى تسدد جزءا من العجز فى المراكز الرئيسية فى وطنها الأم، الأمر الثانى وهى الاتجاه لتعديل قانون البنوك ورفع الحد الأدنى لرءوس أموالها، وهو ما سيجعل بعض البنوك تُعرض للبيع نظرا لعدم قدرة مالكيها على رفع رأس المال.
وأضاف آدم فى حديثه مع «الشروق» تحركات إعادة الهيكلة التى بدأت فى معظم القطاعات ومؤسسات الدولة، منذ تولى الرئيس محمد مرسى، وتعيين الحكومة الجديدة كعوامل مؤثرة على خريطة البنوك، موضحا أنه من الممكن أن تطال عمليات إعادة الهيكلة بعض البنوك التى تمتلكها الدولة ويتم من خلال بيع حصص منها للبيع، وعلى رأس هذه البنوك «المصرف المتحد».
وأشار آدم إلى أن المشكلات التى يمر بها البنك الفرنسى دفعته إلى انتهاج أسلوب بيع وحداته فى الخارج من أجل توفير سيولة مناسبة لتقوية مركزه المالى وتدعيم قدرته على مواجهة الأزمة، مضيفا إلى أن أرباح البنك الفرنسى شهدت أكبر تراجع بلغ 42%، وذلك خلال الربع الثانى من العام الجارى، متأثرا بخفض قيمة أصول فى وحدته الأمريكية للصناديق «تى سى دبليو» و«روسبنك الروسى» التابع له،
كان مسئولو البنك الفرنسى بدأوا قبل أشهر خطة للتخلص من بعض الوحدات الخارجية للبنك، وانصب التفكير فى البداية على بيع «بيع تى.سى.دبليو» فى الولاياتالمتحدة، إضافة إلى إعادة هيكلة «روسبنك» وهى وحدته فى روسيا.
وتوقع آدم أن تتم عمليات بيع بعض البنوك المصرية إلى بنوك عربية بالدرجة الأولى خلال الفترة المقبلة وسط أنباء عن دخول بنوك إقليمية جديدة للسوق المصرى.
وأشار آدم إلى عدد من الإيجابيات لدخول بنوك جديدة فى السوق منها تغطية العجز فى المخصصات، حيث أن أغلب البنوك المصرية تعانى من عجز كبير فى المخصصات وببيع هذه البنوك تعهد من من استحوذ عليها من البنوك غير المصرية بتغطية العجز فى المخصصات طبقا لبرامج زمنية تم تحديدها والاتفاق عليها مع البنك المركزى المصرى.
تستحوذ البنوك العربية والأجنبية على نحو 30% من الحصة السوقية داخل السوق المصرية، وهناك توقعات بزيادة هذه النسبة خلال الفترة المقبلة خاصة مع توجه المؤسسات العربية نحو المنطقة لاستثمار فوائضها المالية بها مع وجود نية منذ سنوات لدى الحكومة ببيع بعض البنوك ومنها العربى الأفريقى الدولى الذى تمتلكه الحكومة ممثلة فى البنك المركزى مناصفة مع الكويت، وكذلك «المصرف المتحد» المملوك لها بالكامل.