لديه نظرة نقدية «ثقيلة» للسياسة الأمريكية، وللديمقراطية الغربية. يرى وهو الأمريكى، أن أمريكا قوية فقط فى الأسلحة والحرب، لكنها متخلفة فى الحضارة، رافضا تصدير أن الإسلام ليس به ديمقراطية، وكأن الديمقراطية الغربية «طعام جاهز» سريع يقدم فى أى زمان ومكان. وهذا غير صحيح، من وجهة نظر بيكر، بل يجده تشددا وتعصبا للفكر الغربى، دون الالتفات إلى عوامل الثقافة العربية وتراثها. فلا يوجد مبدأ ديمقراطى غير موجود فى الإسلام.
أصدر كتابا «إسلام بلا خوف: مصر والإسلاميون الجدد»، وهو الكتاب الذى استقبله البعض بحفاوة شديدة، لدرجة أن الباحث المتميز الراحل حسام تمام قال إن ريموند بيكر أستاذ العلوم السياسية فى كلية ترينيتى بأمريكا: «يحمل مودة لا تخطئها العين للإسلاميين الجدد وتعاطفا مع الإسلام ورغبة فى تغيير الصورة النمطية الشائعة فى الغرب، لكنه أبدا لا يغادر مقعد الباحث».
كتابه، الذى ترجمته الدكتورة منار الشوربجى، يعتبر من الكتب الجادة التى تناولت أبرز المدارس الفكرية المعاصرة فى مصر، والتى تبنت تيار الوسطية، والذى يمتد تأثيره إلى خارج مصر.
يملك حسا فكاهيا عالى الجودة، لمسته أثناء الحوار، وشعرت به فى بداية كل باب من كتابه، حيث كان يضع فيه طرفة قصيرة ساخرة عن حالة كل من الثقافة والمجتمع والسياسة فى مصر. منها طرفة للكاتب أحمد بهجت عن تدنى الحالة الثقافية فى مصر إلى الاقتصار على الثقافة الشعبية.
سألته: عنونت كتابك «إسلام بلا خوف»، وبالتالى أنت تعترف أن هناك إسلاما يدعو للخوف، فأجاب ريموند بيكر: «المفكر الإسلامى أحمد كمال أبوالمجد هو الذى أوحى إلى بتعبير «إسلام بلاخوف»، وهو كان يقول إن هناك إسلاميين متشددين، الذين يخافون على الإسلام زيادة عن اللزوم، ويفعلون أمورا ضد تعاليم الإسلام. وأنا أمريكى، ولست مسلما، وأكتب لكل الناس، وليس للمصريين، فوجدت أن هذه العبارة «إسلام بلا خوف» جميلة، خاصة فى ظل الخوف الرهيب من الإسلام والمسلمين الذى صدره البعض بعد أحداث 11 سبتمبر، كما فعلوا من قبل مع الشيوعية وتصويرها على أنها الشيطان الأكبر.
وبعد القضاء على الشيوعية كان لابد من وجود عدو آخر، يحمل كل أنواع الخوف والترهيب للغرب، فكان «الإسلام» و«المسلمين». ومقابل تصدير هذا الخوف، قلت ب«إسلام بلا خوف»، وكنت أقصد «الإسلام الوسطى».
لكن هنا أيضا، فى الشرق، خوف من المسلمين المتشددين، فرد: «بالطبع الخوف من الإسلام موجود هنا فى الشرق، كما فى الغرب أيضا. حالة من «إسلاموفوبيا» منتشرة، خاصة فى هذا الوقت الذى يتعاظم معه الوجود الإسلامى فى الحكم. لذلك أجد أهمية تقديم الإسلام الوسطى الذى بلا خوف للغرب وللشرق».
وحول ما جذبه فى هذا التيار أو هذه المدرسة الوسطية؟
قال بيكر: كنت فى سعادة بالغة بعدما قرأت «مانفستو البيان»، كتاب «رؤية إسلامية معاصرة». وبصراحة كنت أبحث عن المفكرين الإسلاميين الذين يشتغلون على الأرض وسط الناس، وليسوا مجرد منظرين للفكر الإسلامى».
فتعاملت مع رموز مدرسة الإسلاميين الجدد من أمثال: محمد الغزالى، ويوسف القرضاوى، وأحمد كمال أبوالمجد، وفهمى هويدى، وطارق البشرى، ومحمد سليم العوا، باعتبارهم ينتمون لمدرسة فكرية واحدة، ومع مراعاة أن لهم خصائصهم وتوجهاتهم. ولذا فقد اهتمت بإسهامهم الجماعى؛ لأنهم يكملون بعضهم البعض، كل يقوم بجهده الخاص المتميز، ولكنه يستفيد من أعمال الآخرين، مع محافظة كل منهم على شخصيته الفكرية المستقلة.
لكن يا دكتور بيكر.. البعض على الجانب الآخر يعتبر بعض هؤلاء الإسلاميين متشددا، وله مواقف ضد غير المسلمين؟
فأجاب بوضوح: لم أقرأ سطرا واحدا فى كتابات هؤلاء ضد غير المسلمين، بل وجدتهم يدافعون عن حقوق غير المسلمين، مثل كتاب القرضاوى «غير المسلمين فى المجتمع المسلم»، وكتاب فهمى هويدى «مواطنون لا ذميون»، وكتاب سليم العوا «الأقباط والإسلام»، وغيرها من الكتب.
وأشار إلى أن «الإسلاميين الجدد» اتخذوا موقفا واضحا مؤداه أن صحيح الإسلام يدعو إلى المشاركة الكاملة لغير المسلمين فى المجتمع الإسلامى.
وشدد بيكر على أن «أعمال الإسلاميين الجدد تجسد أمل الوسطية الإسلامية، وهى تعبر عن القلب الإسلامى السمح الذى يمد يده لكل الوسطيين على اختلاف تياراتهم فى مصر وحول العالم من أجل مستقبل إنسانى أكثر عدلا». وهو يرى أن الإسلاميين الجدد باتجاههم الوسطى يختلفون كثيرا سواء فى تفكيرهم عن ما يعتقده الغرب عن الإسلاميين الذين يرفضون الحوار أو ينتهجون العنف لتحقيق أفكارهم.
بيكر قطع سرد إجاباته عن أسئلتى قائلا: «أنا أستاذ جامعة، أى همى البحث العلمى، ولست رجل سياسة. جئت إلى مصر فى الستينيات، وكنت أود أقول للغرب لا تخافوا من المسلمين، خاصة فى ظل وجود هؤلاء الوسطيون الجدد». لكن يا دكتور لا يمنع أن يكون الباحث منحازا، حتى فى اختيار هؤلاء المفكرين!
فقال إن «البنى آدم» من المفترض ألا يدافع عن الدين، هذا ليس شغله. أنا أتحدث عن «المسلمين»، لا عن الإسلام كدين. أنا أقدم الإسلام الذى أراه على الأرض. وكان غرضى إجراء حوار مع مدرسة فكرية فى القضايا المطروحة. وهم ليسوا حزبا، وليسوا لهم زعيما، بل تجدهم مختلفون مع بعضهم فى بعض القضية مثل اختلافهم حول فائدة البنوك. وأنا أبحث عن الوسطية داخل كل التيارات الإسلامية وغيرها، والعمل على الوحدة بينها.
المهم ما رأيك فى وصول الإسلاميين للحكم، والعلاقة الجيدة بين أمريكا وتيار الإسلام السياسى، التى محت قليلا ما يتم تصديره حول الخوف من الإسلام. هناك علاقات طيبة ودعم أمريكى للإسلاميين؟
أكد بيكر أن أمريكا لا يهمها إلا مصلحتها فقط. ولا تتصور أنها تتدافع عن الديمقراطية أو أى شىء آخر، بل ممكن تتعامل مع الشيطان نفسه (لم أقصد أن الإسلام السياسى شيطان). ولكن على الرئيس مرسى تقديم تصورات عن مشروعه، وتطمين كل الناس. والإسلام السياسى أمام تحدٍ كبير، وإلا فلم ينجح! وعليهم تغيير طريقتهم ومشروعاتهم، حيث تركوا كرسى المعارضة. ولا تتصور أن أمريكا كانت تريد الثورة المصرية، بل كانت تساند مبارك، حتى فلتت الأمور، فبدأت تضغط على النظام. وأمريكا كانت سعيدة من مبارك، وكذلك إسرائيل، التى وجدت فى مبارك «كنزا استراتيجيا».