ترامب يعلن إجراء محادثات مع أفغانستان لاستعادة السيطرة على قاعدة باجرام الجوية    البرتغال تعلن اعتزامها الاعتراف بدولة فلسطين يوم الأحد    ترامب عن هجوم حماس: ما حدث في 7 أكتوبر كان إبادة جماعية    عبد الحفيظ: جلستي مع الخطيب استمرت ساعتين.. ولا يوجد قرار رسمي    رسميا.. تامر مصطفى مديرا فنيا للاتحاد السكندري    بيتيس يفوز على ريال سوسيداد بثلاثية في الدوري الإسباني    ترامب: أنهيت 7 حروب.. وأعمل على حل مشكلة غزة رغم صعوبتها    مجلس حكماء المسلمين يدشن النسخة الكازاخية من "مقوِّمات الإسلام" للإمام الطيب (ًصور)    مدارس دمياط في أبهى صورها.. استعدادات شاملة لاستقبال العام الدراسي الجديد    محافظ الأقصر يسلم شهادات لسيدات الدفعة الثالثة من برنامج "المرأة تقود".. صور    للمرة الثانية خلال 12 ساعة، توغل إسرائيلي في 3 قرى بريف درعا السورية    الدفاع الروسية: مقاتلات "ميج-31" نفذت رحلة مخططة من كاريليا إلى كالينينجراد    انطلاقة قوية ومنظمة وعام دراسي جديد منضبط بمدارس الفيوم 2026    من دمغها إلى صهرها، اعترافات المتهمين الثالث والرابع في قضية "إسورة المتحف المصري"    هبوط كبير ب320 للجنيه دفعة واحدة.. أسعار الذهب اليوم السبت بالصاغة وعيار 21 الآن بالمصنعية    للمرة الثانية على التوالي.. مصطفى عسل يُتوج ببطولة CIB المفتوحة للإسكواش 2025|صور    الدوري المصري - موعد مباراة الأهلي أمام حرس الحدود والقنوات الناقلة    «اللي الجماهير قالبه عليه».. رضا عبدالعال يتغزل في أداء نجم الأهلي    مدرب دجلة: لا نعترف بالنتائج اللحظية.. وسنبذل مجهودا مضاعفا    70 مليون شاب وفتاة يشاركون في برامج التمكين الشبابية خلال الفترة من 2018 حتى 2025    درجات الحرارة تتهاوى، الأرصاد تعلن حالة الطقس اليوم السبت    وسط تعليمات مشددة، انطلاق الدراسة بالمعاهد الأزهرية، اليوم    صراخ وذهول أشبه بالجنون، جنازة شعبية مهيبة لضحايا مذبحة نبروه بالدقهلية (صور)    كان بيسلك الخرطوم.. مصرع شاب غرقا داخل إحدى المجاري المائية في الغربية    عرض المتهم بقتل لاعبة الجودو بالإسكندرية على مستشفى الأمراض النفسية    ليلة كاملة العدد في حب منير مراد ب دار الأوبرا المصرية (صور وتفاصيل)    كارول سماحة: «الحياة ومصر لم تعد عادية بعد وفاة زوجي» (فيديو)    صلاح دندش يكتب : تخاريف    ملوك العود.. من المقاهي إلى قمة الشهرة.. سيد درويش شعلة متوهجة من العطاء.. ووتر خالد لكفاح الأمة    استشارية اجتماعية: الرجل بفطرته الفسيولوجية يميل إلى التعدد    القرنفل مضاد طبيعي للالتهابات ومسكن للآلام    ديتوكس كامل للجسم، 6 طرق للتخلص من السموم    هل تهدد حرارة البخار والسونا خصوبة الرجال؟    محيي الدين: مراجعة رأس المال المدفوع للبنك الدولي تحتاج توافقاً سياسياً قبل الاقتصادي    محمود محيي الدين: الذهب يتفوق على الدولار فى احتياطات البنوك المركزية لأول مرة    محافظة كفر الشيخ: اعتماد أحوزة عمرانية جديدة ومشروعات الهوية البصرية    استراتيجية مصر للذكاء الاصطناعي.. نحو الريادة الرقمية    إصابة بن شرقى وانفعال على ماهر وتعطيل الفار.. كواليس لقاء الأهلى وسيراميكا (فيديو)    ضبط 6240 عبوة مواد غذائية ونصف طن زيوت سيارات مجهولة المصدر    طارق فهمي: المجتمع الإسرائيلي يراقب التطورات المصرية بقلق (فيديو)    مقاتلات روسية تقترب من منصة نفط بولندية    الرئيس السوري: التوصل إلى اتفاق أمني مع إسرائيل لا مفر منه    عمرو أديب يبكي الطفل الفلسطيني النازح وأخته: «ابعتوا هاتوهم مصر»    إعلامي يشعل النار في لسانه على الهواء ليكشف زيف خرافة "البشعة"    حسام حبيب:"معرفش حاجة عن شيرين ومليش علاقة بقضية المخدرات"    وفاة وفقدان 61 شخصًا جراء غرق قارب قبالة السواحل الليبية    موعد صلاة الفجر ليوم السبت.. ومن صالح الدعاء بعد ختم الصلاة    لماذا عاقبت الجنح "مروة بنت مبارك" المزعومة في قضية سب وفاء عامر؟ |حيثيات    رسميا الآن بعد الارتفاع.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم السبت 20 سبتمبر 2025    تراجع كبير في سعر طن الحديد وارتفاع الأسمنت اليوم السبت 20 سبتمبر 2025    مدينة تعلن الاستنفار ضد «الأميبا آكلة الدماغ».. أعراض وأسباب مرض مميت يصيب ضحاياه من المياه العذبة    «أقوى من كورونا».. استشاري مناعة يوجه تحذيرا عاجلا للمواطنين مع بداية العام الدراسي (فيديو)    خصم 50% على دورات اللغات لطلاب الثانوية في الوادي الجديد    رئيس جامعة الأزهر: الدعاء ليس مجرد طلب أو رجاء بل هو جوهر العبادة وروحها    هل رفع الصوت بالقراءة في الصلاة لتنبيه شخص آخر يبطلها؟.. أمين الفتوى يجيب    "أطباء الجيزة" تكرم استشاري تخدير باحتفالية "يوم الطبيب 2025"    الداخلية تضبط عنصرًا جنائيًا بالمنوفية غسل 12 مليون جنيه من نشاط الهجرة غير الشرعية    "نور بين الجمعتين" كيف تستثمر يوم الجمعة بقراءة سورة الكهف والأدعية المباركة؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الانتقال قبل المصالحة
نشر في الشروق الجديد يوم 31 - 08 - 2012

طى صفحة نظام مبارك والانتقال الحقيقى لنظام جديد لا يمكن أن ينبنى على «المصالحة» مع الفلول سياسيا واقتصاديا بدعوى الحاجة للاستقرار، إذ الانتقال يحتاج لقطع الصلة بالماضى عن طريق تغييرات هيكلية فى مؤسسات الدولة وقوانينها التى سمحت بنشأة واستمرار أوضاع غير مرغوبة، والظروف الآن مواتية لإحداث هذه التغييرات، وبدونها تنعدم ضمانات عدم الردة للنظام السابق.

•••

المقصود بالانتقال هو استبدال هياكل وقوانين وآليات عمل النظام الذى قامت ضده الثورة بأخرى تتجنب بشكل مؤسسى أخطاء الماضى، وفى مصر ينبغى أن يتناول الانتقال أربعة ملفات رئيسة، هى الانتهاكات الحقوقية، وإفساد الحياة السياسية، والفساد الاقتصادى، والإهمال الجسيم الذى عم مؤسسات الدولة، فهذه الملفات هى التى جعلت علاج النظام بغير الثورة مستحيلا.

والمقصود بالمسار الانتقالى هو مجموعة الإجراءات التى يتخذها من له شرعية (ديمقراطية أو ثورية)، بقصد تفكيك وإعادة تركيب مؤسسات الدولة وقوانينها على نحو مغاير، مستفيدا من الخبرات السابقة لهذه المؤسسات والقوانين وما أفرزته من مشكلات، ومن خبرات الدول التى مرت بمساع مماثلة للانتقال.

والمسار الانتقالى فى مصر يبدو متخبطا، بشكل ينم عن عدم امتلاك مؤسسة الرئاسة لرؤية جامعة تحكم قراراتها فى هذا الإطار، فبعض القرارات كإقالة عدد من القيادات العسكرية يوحى برغبة فى تغيير جذرى وانتقال حقيقى لأوضاع سعت لها الثورة، وبعضها كاصطحاب بعض رجال الأعمال الفاسدين والمقربين من مبارك ونجله للصين، والانشغال ب«المصالحة الوطنية» (وليس للعدالة الانتقالية) يدل على التصالح مع الأوضاع القائمة.

•••


قد تنتهى الإجراءات الانتقالية أحيانا ببعض المصالحات، بيد أنها لا يمكن أن تبدأ بها وإلا كان الانتقال محكوما عليه بالفشل، فنقطة البدء فى أى مسار انتقالى هى إجلاء الحقيقة، إذ معرفتها، وإطلاع العامة عليها كاملة، ضمانة رئيسة لعدم تكرار الأخطاء، لأنه أولا يفتح الباب أمام المعالجة الحقيقية المبنية على المعرفة، وثانيا يوجد رأيا عاما يرفض التجاوزات والانتهاكات بعدما يطلع على بشائعها، وثالثا يوجد وعيا عاما وتحفزا مجتمعيا إزاء ما يفتح أبواب العودة لممارسات مرفوضة.

وإجلاء الحقيقة مهمة تحيط بها تحديات، أولها استمرار نفوذ بعض مؤسسات النظام السابق وأفرادها وأصحاب المصالح المرتبطة بها من خارجها، وهؤلاء لا يرغبون فى كشف الحقائق إما لأن كشفها يدينهم، أو لأنهم يستفيدون من استمرار الفساد وبالتالى لا يرغبون فى كشف أسبابه، وثانيها فتور التأييد الشعبى لمساعى التغيير لأسباب تتعلق بأسلوب إدارة المرحلة الانتقالية (وما كان فيها من غياب متعمد للأمن والخدمات الرئيسة على نحو أشعر عموم المواطنين بارتفاع كلفة التغيير وجعلهم يتشككون فى جدواه) وأخرى تتعلق بأداء القوى السياسية المختلفة (التى قدمت صراعاتها البينية وعجزها عن العمل المشترك القضية للمواطن باعتبارها قضية مكاسب حزبية ضيقة لا قضية وطن)، وثالثها غياب المنهجية الواضحة لإجلائها عند الأطراف الموجودة فى السلطة، والتى لا تزال تتعامل مع العدالة الانتقالية ب«القطاعى» فتعين لجنة للتحقيق فى كل واقعة، وتنتدب قاضيا للتحقيق فى كل حادث.

•••

يحتاج إجلاء الحقيقة أولا لإرادة سياسية، لا يستطيعها من أراد ستر بعضها لتورطه فيه، ولا من يريد استبقاء بعض أدوات السلطة (التى طالما استخدمت ضده) فى يده ليستخدمها وقت الحاجة ضد خصومه (ربما فقط لأنه لا يعرف أدوات سواها)، ولا التيارات شديدة المحافظة التى تغلب الريبة عند النظر لأى تغيير، فإذا توافرت هذه الإرادة فأول ما ينبغى أن تنصرف إليه هو تشكيل لجنة كشف الحقائق والمحاسبة على جرائم النظام، وإيجاد شروط نجاحها.

وأول شروط نجاح اللجنة أن تكون فى تشكيلها وفى عملها مستقلة تمام الاستقلال عن السلطة التنفيذية، وبعيدة عن الصراعات الحزبية التى تحول قضايا الانتقال أسلحة يستخدمها كل طرف ضد خصمه، فينتهى الأمر بفشل الانتقال، وفتح أبواب الردة للنظام القديم بشخوصه وآلياته (كما حدث فى المجر)، وهذا التهديد جدى فى مصر لأن الاستقطاب قائم على أسس الهوية لا الموقف من الثورة والتغيير، وهو ما يستوجب مزيد المراعاة عند اختيار أعضاء اللجنة ليكونوا ممثلين لكل أطراف المشهد السياسى، ومتسامين عن الانتصارات الحزبية مشغولين حقيقة بقضية الانتقال.

وشروط نجاح اللجنة بعد تشكيلها كما تنبئ تجارب الانتقال تتلخص فى ثلاث نقاط، أولها منح اللجنة الصلاحيات الكافية للعمل، وتمكينها من التحقيق مع كل الأطراف التى تريد، والحصول على ما تحتاج من وثائق، بحيث يكون ثمة رادع يمنع من عدم التعاون معها، وفى هذه الحالة تكون بعض المصالحات مفيدة لمن كانوا فى الرتب الأدنى، إذ ينظر إليهم كضحايا أكثر من جناة، فتتم مصالحة بعضهم فى غير الجنايات الكبرى مقابل الحقيقة، ولا يمكن القبول بأن يحدث ذلك مع القيادات الكبيرة فى الدولة والفاسدين خارجها الذين استفادوا من الفساد وينبغى أن يتحملوا مسؤوليته السياسية.

ثانى الشروط الحفاظ على الشرعية السياسية للجنة، وذلك بحفاظها على مستوى عال من الكفاءة، وبقائها بعيدا عن الصراعات الحزبية، وشفافيتها مع الجماهير، وتواصلها المستمر مع المواطنين، وإشراكها الضحايا وذويهم فى أنشطتها، وإنجاز العمل فى أقصر وقت ممكن لئلا يفتر الحماس الشعبى فتقوى المقاومة وتمنع من إنجاز العمل، أما آخر الشروط فعرض التقرير النهائى للجنة على العامة بوسائل مختلفة، والاستفادة من نتائجه فى إعادة هيكلة مؤسسات الدولة، ومعاقبة المسئولين عن الانتهاكات، فبدون ذلك لا يكون ثمة تغيير حقيقى ويبقى الجهد بلا عائد.

•••

يبدو الظرف مواتيا للانتقال الحقيقى، فالأطراف الموجودة فى السلطة تتمتع بشرعية ديمقراطية تمكنها من البدء فيه، والمؤسسة العسكرية التى كانت تزاحم الرئيس الحكم تراجع نفوذها السياسى مؤقتا على الأقل بإقالات 12 أغسطس، ومؤسسة الرئاسة لا تزال للآن على الأقل أحرص من الحزب الذى ينتمى إليه الرئيس على التشارك مع جميع التيارات، وهذه الفرصة قد تفوت بتغليب مساعى المصالحة على مساعى الانتقال، أو بعدم التعامل مع ملف الانتقال بما يحتاجه من أولوية وكفاءة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.