البابا تواضروس الثاني يصل التشيك والسفارة المصرية تقيم حفل استقبال رسمي لقداسته    أسعار الذهب اليوم الخميس 8 مايو 2025 وعيار 21 يتجاوز 4850 جنيهًا    بعد الانفجار.. تعليق حركة الطيران ب3 مطارات في باكستان    وول ستريت جورنال: أحمد الشرع طلب لقاء ترامب خلال زيارته لدول الخليج    قاض أمريكى يحذر من ترحيل المهاجرين إلى ليبيا.. وترمب ينفى علمه بالخطة    أنطونيو جوتيريش: الهجمات الأخيرة على بورتسودان تُمثل تصعيدًا كبيرًا    تفاصيل تعاقد الزمالك مع أيمن الرمادي    الطب الشرعي يفحص طفلة تعدى عليها مزارع بالوراق    بروشتة نبوية.. كيف نتخلص من العصبية؟.. أمين الفتوى يوضح    نشرة أخبار ال«توك شو» من المصري اليوم.. نقيب المحامين: أي زيادة على الرسوم القضائية يجب أن تتم بصدور قانون.. شرطان لتطبيق الدعم النقدي.. وزير التموين يكشف التفاصيل    3 ساعات «فارقة».. تحذير شديد بشأن حالة الطقس ودرجات الحرارة: «احذروا الطرق»    تعرف على ملخص احداث مسلسل «آسر» الحلقة 28    جامعة حلوان الأهلية تفتح باب القبول للعام الجامعي 2025/2026.. المصروفات والتخصصات المتاحة    حادث دهس واشتعال نيران وعنف، احتفالات باريس سان جيرمان تنقلب إلى فوضى (فيديو)    ميدو يكشف موقف الزمالك حال عدم تطبيق عقوبة الأهلي كاملة    إكرامي: عصام الحضري جامد على نفسه.. ومكنش يقدر يقعدني    شوبير يوجه رسالة بشأن قرارات لجنة التظلمات المنتظرة الخاصة بمباراة الأهلي والزمالك    إعلام إسرائيلي: تل أبيب وواشنطن تسعيان لإقناع الأمم المتحدة بالمشاركة في خطة إسرائيل لغزة    السفير جيمس جيفرى المبعوث الأمريكي السابق للشرق الأوسط ل«المصري اليوم»: خطة «ترامب» في غزة ليست واقعية وأدعوه إلى تنفيذ مشروع «كلينتون» .. حوارات مستقبل الشرق الأوسط (الحلقة الثانية والعشرون )    تفاصيل خطة التعليم الجديدة لعام 2025/2026.. مواعيد الدراسة وتطوير المناهج وتوسيع التعليم الفني    تفاصيل إطلاق كوريا الشمالية عدة صواريخ اتجاه بحر الشرق    خبى عليا وعرض نفسه للخطر، المخرج خالد يوسف يكشف عن مشهد لا ينسي ل خالد صالح (فيديو)    بحضور نواب البرلمان.. «الاتحاد» ينظم حلقة نقاشية موسعة حول الإيجار القديم| صور    سبب إلزام النساء بارتداء الحجاب دون الرجال.. أمين الفتوى يوضح    ارتفاع الأسهم الأمريكية في يوم متقلب بعد تحذيرات مجلس الاحتياط من التضخم والبطالة    هدنة روسيا أحادية الجانب تدخل حيز التنفيذ    محمد ياسين يكتب: وعمل إيه فينا الترند!    نشرة حوادث القليوبية| شاب يشرع في قتل شقيقته بسبب السحر.. ونفوق 12 رأس ماشية في حريق    إطلاق موقع «بوصلة» مشروع تخرج طلاب قسم الإعلام الإلكتروني ب «إعلام جنوب الوادي»    رسميًا.. جداول امتحانات الفصل الدراسي الثاني 2025 بالمنيا    الدولار ب50.59 جنيه.. سعر العملات الأجنبية اليوم الخميس 8-5-2025    وزير الاستثمار يلتقي مع السفير السويدى لتعزيز العلاقات الاقتصادية    قبل ضياع مستقبله، تطور يغير مجرى قضية واقعة اعتداء معلم على طفلة داخل مدرسة بالدقهلية    رسميًا.. انطلاق سيارات Lynk & Co لأول مرة في مصر - أسعار وتفاصيل    نقيب المحامين: زيادة رسوم التقاضي مخالفة للدستور ومجلس النواب صاحب القرار    بوسي شلبي ردًا على ورثة محمود عبدالعزيز: المرحوم لم يخالف الشريعة الإسلامية أو القانون    أسفر عن إصابة 17 شخصاً.. التفاصيل الكاملة لحادث الطريق الدائري بالسلام    خبر في الجول - أشرف داري يشارك في جزء من تدريبات الأهلي الجماعية    لا حاجة للتخدير.. باحثة توضح استخدامات الليزر في علاجات الأسنان المختلفة    مدير مستشفى بأسوان يكشف تفاصيل محاولة التعدي على الأطباء والتمريض - صور    واقعة تلميذ حدائق القبة.. 7 علامات شائعة قد تشير لإصابة طفلك بمرض السكري    عودة أكرم وغياب الساعي.. قائمة الأهلي لمباراة المصري بالدوري    «لعبة الحبّار».. يقترب من النهاية    أحد أبطال منتخب الجودو: الحفاظ على لقب بطولة إفريقيا أصعب من تحقيقه    حدث بالفن| عزاء حماة محمد السبكي وأزمة بين أسرة محمود عبدالعزيز وطليقته    تحرك جديد من المحامين بشأن أزمة الرسوم القضائية - تفاصيل    بيولي ل في الجول: الإقصاء الآسيوي كان مؤلما.. وأتحمل مسؤولية ما حدث أمام الاتحاد    تفاصيل اعتداء معلم على تلميذه في مدرسة نبروه وتعليم الدقهلية يتخذ قرارات عاجلة    "أولياء الأمور" يشكون من جداول امتحانات الترم الثاني: تؤثر على نفسية الطلاب    الأكثر مشاهدة على WATCH IT    "الرعاية الصحية": تقديم الخدمة ل 6 مليون مواطن عن منظومة التأمين الصحي الشامل    أخبار × 24 ساعة.. التموين: شوادر لتوفير الخراف الحية واللحوم بدءا من 20 مايو    صحة الشرقية تحتفل باليوم العالمي لنظافة الأيدي بالمستشفيات    المحامين": النقاش لا يزال مفتوحًا مع الدولة بشأن رسوم التقاضي    أمين الفتوى: مفهوم الحجاب يشمل الرجل وليس مقصورًا على المرأة فقط    رئيس جامعة مطروح يشيد بالمعرض التطبيقي لطالبات كلية التربية للطفولة المبكرة    خالد الجندى: الاحتمال وعدم الجزم من أداب القرآن ونحتاجه فى زمننا    وائل غنيم في رسالة مطولة على فيسبوك: دخلت في عزلة لإصلاح نفسي وتوقفت عن تعاطي المخدرات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العدالة الانتقالية وتطهير الدولة
نشر في الشروق الجديد يوم 04 - 05 - 2011

يبدو أن رسالة تطهير النظام قد وصلت للمجلس الأعلى للقوات المسلحة. فمنذ جمعة التطهير فى 8 أبريل 2011 والتى رفعت شعار «الشعب يريد تطهير البلاد» وأكدت سريان الشرعية الثورية، ومشهد استحقاقات العدالة انطلق ككرة ثلج تتسع لتلاحق الرموز الفاسدة. فالرئيس المتنحى مبارك محبوس احتياطيا قيد تحقيقات النيابة العامة فى الأحداث المرتبطة بثورة 25 يناير وتضخم الثروة. كما يخضع أولاده وعدد كبير من رموز نظام حكمه للحبس الاحتياطى والتحقيقات الجنائية.
إذا نجح الادعاء فى إثبات أن القيادة السياسية كانت على علم بأوامر إطلاق الرصاص الحى على المتظاهرين أثناء الثورة فذلك سوف يفتح الباب أمام محاكمة مبارك جنائيا فى أول سابقة من نوعها فى محاكمة الرؤساء فى تاريخ العالم العربى الحديث.
ويرى حقوقيون كثر أن الجرائم المرتبطة بثورة 25 يناير تكيف على أنها «جرائم ضد الإنسانية» وهى واحدة من الجرائم الأربع الكبرى المنصوص عليها فى اتفاقية روما المنشئة للمحكمة الجنائية الدولية. ولا يمكن للمحكمة الجنائية أن تلاحق مصر جنائيا إلا بقرار إحالة من مجلس الأمن أو إذا تبين للمحكمة أن القضاء المصرى لا يرغب أو لا يستطيع إجراء المحاكمات الجنائية بشكل عادل.
ويأتى تصريح وزير الخارجية نبيل العربى مؤخرا بأن مصر بصدد الانضمام إلى كل اتفاقيات الأمم المتحدة المتعلقة بحقوق الإنسان والتصديق على اتفاقية روما المنشئة للمحكمة الجنائية الدولية ليؤكد على أن مصر بعد الثورة أصبحت دولة تحترم سيادة القانون وحقوق الإنسان تجاه شعبها والعالم أجمع.
مفهوم العدالة الانتقالية
هى الإجراءات التى تتخذ فى الفترة الانتقالية من نظام ديكتاتورى / سلطوى إلى نظام ديمقراطى. وتمثل العدالة الجنائية إحدى أهم ركائز تلك المرحلة الانتقالية كما حدث فى تجارب بلدان كثيرة. ولكن مفهوم العدالة وحدودها عادة ما يكون له سقف هو ما يتفق عليه شركاء الوطن خلال المرحلة الانتقالية. ففى تشيلى والأورجواى وجنوب أفريقيا توصلت المؤسسات العسكرية هناك، التى كانت تمسك بمقاليد السلطة، إلى تفاهمات مع رجال العهد الجديد ضمنت العفو وعدم الملاحقة الجنائية للقيادات العسكرية. وقد حدث عكس ذلك تماما فى الأرجنتين واليونان وبوليفيا حيث أجبرت الظروف السياسية والثورات العسكر على الخضوع للملاحقات الجنائية. وهناك من يرى أن التركيز بشكل أساسى على العدالة الجنائية الرادعة كآلية أساسية للانتقال من عهد إلى عهد هو فهم ضيق وقاصر لمفهوم العدالة المطلوبة خلال الفترة الانتقالية. فهناك تجارب تم التركيز فيها على العدالة الاجتماعية أو العدالة بمفهوم المنهج الإصلاحى للجانى والضحية وهناك فهم للعدالة كإعلاء من قيمة الإنسان والكرامة الإنسانية.
وأيا كان مفهوم العدالة الذى سيتفق حوله شركاء الوطن لإدارة المرحلة الانتقالية فهناك آليات مختلفة للعدالة الانتقالية. من هذه الآليات: الإصلاح المؤسسى الأمنى، تعويض الضحايا، إظهار الحقيقة، إحياء الذكرى.
ينتظر أن يتابع المراقبون باهتمام بالغ تجارب مصر وتونس فى الانتقال من الديكتاتورية إلى الديمقراطية لأنهما تجربتان ناجحتان فى إسقاط رأس النظام ونابعتان من ثورتين شعبيتين دون أى تدخل أو ضغوط أجنبية. وهو ما لا يمكن قوله فى تجربة العراق الذى أطاح الغزو الأمريكى برئيس دولته صدام حسين وبمؤسسات الدولة.
وحول علاقة الديمقراطية بالعدالة عقد مؤخرا بتونس مؤتمرا دوليا حول «العدالة فى الفترات الانتقالية: معالجة انتهاكات الماضى وبناء المستقبل». وقد أوضح رئيس المركز الدولى للعدالة الانتقالية ديفيد تالبورت فى كلمته الافتتاحية أن العدالة الانتقالية تتعامل مع الماضى من منظور كاشف لمحاسبة الذين اقترفوا انتهاكات ولكشف الحقيقة ولتحديد الضحايا ووضع الآليات التى تحول دون حدوث انتهاكات مماثلة فى المستقبل. وقد اعتبر السيد عبدالباسط بن حسن رئيس المعهد العربى لحقوق الإنسان أن التحول السياسى نحو الديمقراطية بتونس يكون منقوصا إذا ما لم تمثل العدالة جزءا أساسيا من مكوناته.
مصر تحتاج أيضا، وهى تنتقل بفضل ثورة 25 يناير إلى عهد جديد، إلى تفعيل الآليات المختلفة للعدالة الانتقالية من: تطهير المؤسسات، وإجلاء الحقيقة، وإحياء الذكرى.
صناعة القرار وتطهير المؤسسات
تدل تجارب الشعوب التى عاشت فترات الانتقال من الديكتاتورية إلى الديمقراطية أن هناك حقيقة أخلاقية مركزية تحكم منهج هذا التحول: هى أن الشعوب التى عانت لفترات طويلة من ممارسات حكم عنيفة وغير شرعية تريد قطع باب العودة إلى هذه المظالم وتريد فى نفس الوقت التأسيس لحكم رشيد يقوم على أساس سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان.
وفى مصر فالمشاركة فى صنع القرار وتطهير المؤسسات التى كرست نهج الانتهاكات والتضليل (وبخاصة الأمن والإعلام ) هو ضرورة لا ترف. فتغيير اسم جهاز أمن الدولة دون ممارساته وتغيير بعض قياداته دون عقيدته الحاكمة غير مقنع بالنسبة للكثيرين. ولعل وزير الداخلية يستمع إلى مناشدات (الائتلاف العام لضباط الشرطة) الذين طالبوا فى بيانهم المنشور (الدستور 24/4) بتطهير الوزارة من رموز القيادات الحالية. ومن أهم الأسباب التى ذكروها فى بيانهم: ولاء هذه الرموز وارتباطها الوثيق بالنظام السابق، سوء الإدارة الأمنية للجهاز ككل قبل أحداث الثورة، سوء الإدارة واتخاذ القرارات اللازمة للتغلب على الانفلات الأمنى بعد الثورة.
إجلاء الحقيقة
شهد العالم منذ السبعينيات حتى اليوم تشكيل 40 هيئة وطنية للحقيقة والمصالحة فى الدول التى سقطت فيها نظم حكم ديكتاتورية. تختلف تجربة الأرجنتين كليا عن تجربة جنوب أفريقيا فى النهج الذى اتبع لتحقيق العدالة وكشف الحقيقة. فقد أوصت مفوضية الحقيقة فى الأرجنتين فى عام 1984، بعد تسعة أشهر من التقصى، بالمحاكمات الجنائية وتعويض الضحايا وبالفعل تمت إدانة 5 من كبار جنرالات الجيش. إلا أن الشد والجذب بين الحكومات المدنية والمؤسسة العسكرية التى هددت بانقلابات عسكرية فى حال استمرار الملاحقة الجنائية أدى إلى إصدار عدة قوانين للعفو أوقفت فعليا أى ملاحقات جنائية جديدة تجاه المتورطين فى فترة «الحرب القذرة». ولكن بعد مرور عشرين عاما على إصدار تلك القوانين قضت المحكمة الدستورية العليا فى عام 2003 بعدم دستوريتها وهو ما أدى إلى توجيه 1400 اتهام جديد وإصدار مائة حكم بالإدانة حتى عام 2010 على المتورطين فى فترة «الحرب القذرة».
وعلى عكس هذه التجربة ضيقت جنوب أفريقيا فى بداية التسعينيات من نطاق الملاحقات الجنائية للمتورطين فى الانتهاكات التى وقعت إبان حكم الفصل العنصرى. فقد دفعت المواءمات والتوازنات السياسية إلى التركيز أكثر على ضرورة إجلاء الحقيقة، والتأهيل النفسى وتعويض الضحايا، وإحياء الذكرى. ووسعت الحكومة فى الفترة الانتقالية من برامج تحقيق العدالة الاجتماعية.
وقد وجهت انتقادات كثيرة لتجربة الحقيقة والمصالحة فى جنوب أفريقيا بسبب ما وصف بتقليص نطاق الملاحقات الجنائية وبطء إجراءات التقاضى وعدم التعويض الشامل لمئات الآلاف من الضحايا. وقد دافع قادر أسمال أحد المسئولين السابقين بمفوضية الحقيقة والمصالحة عن الفلسفة الحاكمة بقوله إن هدف سجن رئيس الجمهورية السابق P.W. Botha كان أقل أهمية فى نظره من محاربة أركان نظامه فى مسعاهم لاستمرار سياسات الفصل العنصرى الاقتصادية والاجتماعية التى أذلت وأفقرت الشعب.
وفى حالة مصر التى تشهد تعقيدات وحالة سيولة خلال هذه الفترة الانتقالية، ربما يكون الأوقع والأكثر فائدة إنشاء مفوضية للحقيقة والمصالحة بعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية. فعمل مثل هذه الهيئات الوطنية لابد أن يكون حوله توافق وطنى عام. وتنشأ المفوضية بتشريع برلمانى يحدد الهدف من ورائها ونطاق صلاحياتها والميزانية الخاصة بها وطريقة اختيار أعضائها.
تؤكد خبرات الشعوب التى مرت بتجارب سابقة فى الانتقال من الديكتاتورية إلى الديمقراطية على أهمية إجلاء الحقيقة بكل شفافية لكى تلتئم آلام الشعب ويرتدع كل من تسول له نفسه على ممارسة الاستبداد وتتذكر الأجيال القادمة المظالم والضحايا وكيف سقطوا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.