120 ألفًا سجلوا.. مكتب التنسيق يدعو طلاب الثانوية العامة للتسجيل في اختبارات القدرات قبل انتهاء الموعد    مصر تنتصر ل«نون النسوة».. نائبات مصر تحت قبة البرلمان وحضور رقابي وتشريعي.. تمثيل نسائي واسع في مواقع قيادية    أسماء أوائل الثانوية الأزهرية في الأقسام العلمي والأدبي والمكفوفين بالمنيا    العودة إلى الجذور.. البابا تواضروس يفتتح ملتقى لوجوس الخامس للشباب    الكهرباء: الشبكة الموحدة حققت رقمًا قياسيًا في ارتفاع الأحمال وزيادة الاستهلاك أمس السبت    وزير الري يتابع أعمال إزالة الحشائش وورد النيل    أسعار مواد البناء اليوم الأحد 27 يوليو 2025    صعود جماعي لمؤشرات البورصة في بداية تعاملات اليوم الأحد    دخول 120 شاحنة مساعدات من معبر رفح إلى قطاع غزة    وزير خارجية إسبانيا: المجاعة في غزة عار مخز.. و40 ألف رضيع مهددون بالموت    استشهاد 10 فلسطينيين وإصابة آخرين جراء قصف خيام واستهداف منتظري المساعدات بغزة    كمبوديا وتايلاند تعربان عن استعدادهما لإجراء محادثات لوقف إطلاق النار    وسام أبو علي: الأهلي محظوظ جدا بالخطيب    اليوم.. قرعة الدوري «الاستثنائي» بمشاركة 21 فريقا بنظام المجموعتين    إصابة شخصين في حادث انقلاب سيارة بأطفيح    انتظام لجان امتحانات النقل للدور الثاني بالغربية    ضبط سائق توكتوك تحرش بسيدة بالقاهرة    موعد جنازة زياد الرحباني    وزير الثقافة: نقل الكاتب الكبير صنع الله إبراهيم إلى معهد ناصر    في ذكرى رحيله.. رشدي أباظة "الدنجوان" الذي أسر قلوب الجماهير وتربع على عرش السينما    3 أوجه تشابه بين صفقتي بوبيندزا وأوكو مع الزمالك    "غيبوبة لليوم الرابع".. مناشدة عاجلة بعد تطورات الحالة الصحية لحارس دجلة    برامج دراسية متميزة للتأهيل على وظائف المستقبل بجامعة مصر للمعلوماتية    مقتل 6 أشخاص جراء تدافع في معبد هندوسي شمالي الهند    أسعار الأسماك والمأكولات البحرية في سوق العبور اليوم    محافظ أسيوط يتفقد أعمال إنشاء أول مصنع متكامل لمنتجات الرمان بالبداري - صور    شوبير: الزمالك يعلن عن 3 صفقات خلال ساعات.. وحسام عبد المجيد يغلق صفحة الرحيل    بورسعيد تودع "السمعة".. أشهر مشجع للنادى المصرى فى كأس مصر 1998    ريم أحمد: شخصية «هدى» ما زالت تلاحقني.. وصورة الطفلة تعطل انطلاقتي الفنية| خاص    إصابة 6 أشخاص إثر انقلاب ميكروباص بالطريق الأوسطى    إخماد حريق داخل شقة سكنية فى بولاق الدكرور دون إصابات    وزير التموين يفتتح فرعا جديدا لسوق اليوم الواحد بالجمالية    بعد عتاب تامر حسني لعمرو دياب.. تعرف على الأغنية رقم 1 في تريند «يوتيوب»    زكى القاضى: مصر تقوم بدور غير تقليدى لدعم غزة وتتصدى لمحاولات التهجير والتشويش    "الصحة": حملة 100 يوم صحة قدّمت 15.6 مليون خدمة طبية مجانية خلال 11 يوما    «الإفتاء» توضح الدعاء الذي يُقال عند الحر الشديد    إصابة 11 شخصا في حادثة طعن بولاية ميشيجان الأمريكية    بدعم من شيطان العرب .."حميدتي" يشكل حكومة موازية ومجلسا رئاسيا غربي السودان    30 دقيقة تأخر في حركة القطارات على خط «القاهرة - الإسكندرية»| الأحد 27 يوليو    الأرصاد الجوية : اليوم ذروة الموجة شديدة الحرارة والعظمى بالقاهرة 41 درجة وأسوان 46    القاهرة الإخبارية: المساعدات لغزة تحمل كميات كبيرة من المواد الغذائية والطحين    إيتمار بن غفير: لم تتم دعوتي للنقاش بشأن إدخال المساعدات الإنسانية لقطاع غزة    طريقة عمل البسبوسة الاحترافية في البيت بأقل التكاليف    حياة كريمة.. افتتاح جزئى لمستشفى دار السلام المركزى بسوهاج اليوم    الكلية الحربية والبحرية والجوية 2025.. خطوات التقديم وشروط القبول بالتفصيل    القصة الكاملة لحادث انهيار منزل في أسيوط    «الحشيش مش حرام؟».. دار الإفتاء تكشف تضليل المروجين!    ما حكم شراء السيارة بالتقسيط عن طريق البنك؟    بعد فتوى الحشيش.. سعاد صالح: أتعرض لحرب قذرة.. والشجرة المثمرة تُقذف بالحجارة    الثالث علمي بالثانوية الأزهرية: نجحت بدعوات أمي.. وطاعة الله سر التفوق    «حريات الصحفيين» تعلن دعمها للزميل طارق الشناوي.. وتؤكد: تصريحاته عن نقابة الموسيقيين نقدٌ مشروع    «تجاوزك مرفوض.. دي شخصيات محترمة».. نجم الأهلي السابق يفتح النار على مصطفى يونس    خالد الجندي: من يُحلل الحشيش فقد غاب عنه الرشد العقلي والمخ الصحيح    "سنلتقي مجددًًا".. وسام أبوعلي يوجه رسالة مفاجئة لجمهور الأهلي    سعيد شيمي يكشف أسرار صداقته مع محمد خان: "التفاهم بينا كان في منتهى السهولة    تأكيدا لما نشرته الشروق - النيابة العامة: سم مبيد حشري في أجساد أطفال دير مواس ووالدهم    الأمم المتحدة: العام الماضي وفاة 39 ألف طفل في اليمن    وزير الثقافة: نقل الكاتب صنع الله إبراهيم إلى معهد ناصر بالتنسيق الصحة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العدالة الانتقالية وتطهير الدولة
نشر في الشروق الجديد يوم 04 - 05 - 2011

يبدو أن رسالة تطهير النظام قد وصلت للمجلس الأعلى للقوات المسلحة. فمنذ جمعة التطهير فى 8 أبريل 2011 والتى رفعت شعار «الشعب يريد تطهير البلاد» وأكدت سريان الشرعية الثورية، ومشهد استحقاقات العدالة انطلق ككرة ثلج تتسع لتلاحق الرموز الفاسدة. فالرئيس المتنحى مبارك محبوس احتياطيا قيد تحقيقات النيابة العامة فى الأحداث المرتبطة بثورة 25 يناير وتضخم الثروة. كما يخضع أولاده وعدد كبير من رموز نظام حكمه للحبس الاحتياطى والتحقيقات الجنائية.
إذا نجح الادعاء فى إثبات أن القيادة السياسية كانت على علم بأوامر إطلاق الرصاص الحى على المتظاهرين أثناء الثورة فذلك سوف يفتح الباب أمام محاكمة مبارك جنائيا فى أول سابقة من نوعها فى محاكمة الرؤساء فى تاريخ العالم العربى الحديث.
ويرى حقوقيون كثر أن الجرائم المرتبطة بثورة 25 يناير تكيف على أنها «جرائم ضد الإنسانية» وهى واحدة من الجرائم الأربع الكبرى المنصوص عليها فى اتفاقية روما المنشئة للمحكمة الجنائية الدولية. ولا يمكن للمحكمة الجنائية أن تلاحق مصر جنائيا إلا بقرار إحالة من مجلس الأمن أو إذا تبين للمحكمة أن القضاء المصرى لا يرغب أو لا يستطيع إجراء المحاكمات الجنائية بشكل عادل.
ويأتى تصريح وزير الخارجية نبيل العربى مؤخرا بأن مصر بصدد الانضمام إلى كل اتفاقيات الأمم المتحدة المتعلقة بحقوق الإنسان والتصديق على اتفاقية روما المنشئة للمحكمة الجنائية الدولية ليؤكد على أن مصر بعد الثورة أصبحت دولة تحترم سيادة القانون وحقوق الإنسان تجاه شعبها والعالم أجمع.
مفهوم العدالة الانتقالية
هى الإجراءات التى تتخذ فى الفترة الانتقالية من نظام ديكتاتورى / سلطوى إلى نظام ديمقراطى. وتمثل العدالة الجنائية إحدى أهم ركائز تلك المرحلة الانتقالية كما حدث فى تجارب بلدان كثيرة. ولكن مفهوم العدالة وحدودها عادة ما يكون له سقف هو ما يتفق عليه شركاء الوطن خلال المرحلة الانتقالية. ففى تشيلى والأورجواى وجنوب أفريقيا توصلت المؤسسات العسكرية هناك، التى كانت تمسك بمقاليد السلطة، إلى تفاهمات مع رجال العهد الجديد ضمنت العفو وعدم الملاحقة الجنائية للقيادات العسكرية. وقد حدث عكس ذلك تماما فى الأرجنتين واليونان وبوليفيا حيث أجبرت الظروف السياسية والثورات العسكر على الخضوع للملاحقات الجنائية. وهناك من يرى أن التركيز بشكل أساسى على العدالة الجنائية الرادعة كآلية أساسية للانتقال من عهد إلى عهد هو فهم ضيق وقاصر لمفهوم العدالة المطلوبة خلال الفترة الانتقالية. فهناك تجارب تم التركيز فيها على العدالة الاجتماعية أو العدالة بمفهوم المنهج الإصلاحى للجانى والضحية وهناك فهم للعدالة كإعلاء من قيمة الإنسان والكرامة الإنسانية.
وأيا كان مفهوم العدالة الذى سيتفق حوله شركاء الوطن لإدارة المرحلة الانتقالية فهناك آليات مختلفة للعدالة الانتقالية. من هذه الآليات: الإصلاح المؤسسى الأمنى، تعويض الضحايا، إظهار الحقيقة، إحياء الذكرى.
ينتظر أن يتابع المراقبون باهتمام بالغ تجارب مصر وتونس فى الانتقال من الديكتاتورية إلى الديمقراطية لأنهما تجربتان ناجحتان فى إسقاط رأس النظام ونابعتان من ثورتين شعبيتين دون أى تدخل أو ضغوط أجنبية. وهو ما لا يمكن قوله فى تجربة العراق الذى أطاح الغزو الأمريكى برئيس دولته صدام حسين وبمؤسسات الدولة.
وحول علاقة الديمقراطية بالعدالة عقد مؤخرا بتونس مؤتمرا دوليا حول «العدالة فى الفترات الانتقالية: معالجة انتهاكات الماضى وبناء المستقبل». وقد أوضح رئيس المركز الدولى للعدالة الانتقالية ديفيد تالبورت فى كلمته الافتتاحية أن العدالة الانتقالية تتعامل مع الماضى من منظور كاشف لمحاسبة الذين اقترفوا انتهاكات ولكشف الحقيقة ولتحديد الضحايا ووضع الآليات التى تحول دون حدوث انتهاكات مماثلة فى المستقبل. وقد اعتبر السيد عبدالباسط بن حسن رئيس المعهد العربى لحقوق الإنسان أن التحول السياسى نحو الديمقراطية بتونس يكون منقوصا إذا ما لم تمثل العدالة جزءا أساسيا من مكوناته.
مصر تحتاج أيضا، وهى تنتقل بفضل ثورة 25 يناير إلى عهد جديد، إلى تفعيل الآليات المختلفة للعدالة الانتقالية من: تطهير المؤسسات، وإجلاء الحقيقة، وإحياء الذكرى.
صناعة القرار وتطهير المؤسسات
تدل تجارب الشعوب التى عاشت فترات الانتقال من الديكتاتورية إلى الديمقراطية أن هناك حقيقة أخلاقية مركزية تحكم منهج هذا التحول: هى أن الشعوب التى عانت لفترات طويلة من ممارسات حكم عنيفة وغير شرعية تريد قطع باب العودة إلى هذه المظالم وتريد فى نفس الوقت التأسيس لحكم رشيد يقوم على أساس سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان.
وفى مصر فالمشاركة فى صنع القرار وتطهير المؤسسات التى كرست نهج الانتهاكات والتضليل (وبخاصة الأمن والإعلام ) هو ضرورة لا ترف. فتغيير اسم جهاز أمن الدولة دون ممارساته وتغيير بعض قياداته دون عقيدته الحاكمة غير مقنع بالنسبة للكثيرين. ولعل وزير الداخلية يستمع إلى مناشدات (الائتلاف العام لضباط الشرطة) الذين طالبوا فى بيانهم المنشور (الدستور 24/4) بتطهير الوزارة من رموز القيادات الحالية. ومن أهم الأسباب التى ذكروها فى بيانهم: ولاء هذه الرموز وارتباطها الوثيق بالنظام السابق، سوء الإدارة الأمنية للجهاز ككل قبل أحداث الثورة، سوء الإدارة واتخاذ القرارات اللازمة للتغلب على الانفلات الأمنى بعد الثورة.
إجلاء الحقيقة
شهد العالم منذ السبعينيات حتى اليوم تشكيل 40 هيئة وطنية للحقيقة والمصالحة فى الدول التى سقطت فيها نظم حكم ديكتاتورية. تختلف تجربة الأرجنتين كليا عن تجربة جنوب أفريقيا فى النهج الذى اتبع لتحقيق العدالة وكشف الحقيقة. فقد أوصت مفوضية الحقيقة فى الأرجنتين فى عام 1984، بعد تسعة أشهر من التقصى، بالمحاكمات الجنائية وتعويض الضحايا وبالفعل تمت إدانة 5 من كبار جنرالات الجيش. إلا أن الشد والجذب بين الحكومات المدنية والمؤسسة العسكرية التى هددت بانقلابات عسكرية فى حال استمرار الملاحقة الجنائية أدى إلى إصدار عدة قوانين للعفو أوقفت فعليا أى ملاحقات جنائية جديدة تجاه المتورطين فى فترة «الحرب القذرة». ولكن بعد مرور عشرين عاما على إصدار تلك القوانين قضت المحكمة الدستورية العليا فى عام 2003 بعدم دستوريتها وهو ما أدى إلى توجيه 1400 اتهام جديد وإصدار مائة حكم بالإدانة حتى عام 2010 على المتورطين فى فترة «الحرب القذرة».
وعلى عكس هذه التجربة ضيقت جنوب أفريقيا فى بداية التسعينيات من نطاق الملاحقات الجنائية للمتورطين فى الانتهاكات التى وقعت إبان حكم الفصل العنصرى. فقد دفعت المواءمات والتوازنات السياسية إلى التركيز أكثر على ضرورة إجلاء الحقيقة، والتأهيل النفسى وتعويض الضحايا، وإحياء الذكرى. ووسعت الحكومة فى الفترة الانتقالية من برامج تحقيق العدالة الاجتماعية.
وقد وجهت انتقادات كثيرة لتجربة الحقيقة والمصالحة فى جنوب أفريقيا بسبب ما وصف بتقليص نطاق الملاحقات الجنائية وبطء إجراءات التقاضى وعدم التعويض الشامل لمئات الآلاف من الضحايا. وقد دافع قادر أسمال أحد المسئولين السابقين بمفوضية الحقيقة والمصالحة عن الفلسفة الحاكمة بقوله إن هدف سجن رئيس الجمهورية السابق P.W. Botha كان أقل أهمية فى نظره من محاربة أركان نظامه فى مسعاهم لاستمرار سياسات الفصل العنصرى الاقتصادية والاجتماعية التى أذلت وأفقرت الشعب.
وفى حالة مصر التى تشهد تعقيدات وحالة سيولة خلال هذه الفترة الانتقالية، ربما يكون الأوقع والأكثر فائدة إنشاء مفوضية للحقيقة والمصالحة بعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية. فعمل مثل هذه الهيئات الوطنية لابد أن يكون حوله توافق وطنى عام. وتنشأ المفوضية بتشريع برلمانى يحدد الهدف من ورائها ونطاق صلاحياتها والميزانية الخاصة بها وطريقة اختيار أعضائها.
تؤكد خبرات الشعوب التى مرت بتجارب سابقة فى الانتقال من الديكتاتورية إلى الديمقراطية على أهمية إجلاء الحقيقة بكل شفافية لكى تلتئم آلام الشعب ويرتدع كل من تسول له نفسه على ممارسة الاستبداد وتتذكر الأجيال القادمة المظالم والضحايا وكيف سقطوا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.