لم يتوقع أحد أن يقدم الرئيس المصرى الجديد محمد مرسى فى هذا الوقت المبكر على إقالة أغلبية أعضاء القيادة العسكرية، وعلى إلغاء الصلاحيات الخاصة التى منحها الجيش لنفسه. ومن المرجح أن أعضاء القيادة العسكرية الذين أقيلوا لم يشعروا مسبقا بأن مهمتهم كانت على وشك الانتهاء. فقد شملت المفاجأة جميع الدول التى تتأثر بمصر، ومن بينها إسرائيل، ومن الواضح أن نجاح هذه الخطوة يعود بصورة خاصة إلى السرية التى اعتُمدت فى اتخاذها وإلى عنصر المفاجأة. لقد أظهرت المفاجأة التى أحدثتها هذه الخطوة عدم صحة عدد من الافتراضات التى برزت فى الأشهر الأخيرة، وهى كالتالى: أولا، الافتراض أن الجيش المصرى هو الطرف الأقوى والأكثر شعبية فى القيادة المصرية، وهو الذى يقود مصر منذ سقوط حسنى مبارك، ويحد من نفوذ الإخوان المسلمين. من هنا كان الافتراض أنه من الصعب إقالة قيادة الجيش من دون حدوث ردات فعل، إذ قد يكون ممكنا إقالة قائد فاشل، لكن من الصعب إقالة أغلبية عناصر القيادة والمس بصلاحياتها.
ثانيا، الاستناد إلى واقع أن مرسى لا يزال جديدا فى منصبه، ولا يملك الخبرة والمعرفة بصراعات القوى، وليست لديه القوة الكافية للقيام بأمر كهذا، إذ من المنطقى ألاّ يقف الرئيس الجديد فى وجه العسكر إلاّ بعد أن يكون قد ثبّت موقعه واكتسب قوة وخبرة. فحتى رئيس الحكومة التركية أردوغان لم يقم بتقليص دور الجيش فى بلده إلاّ عبر عملية استمرت أعواما، وبعد أن اكتسب قوة وخبرة وشعبية. من هنا فإن الخطوة المبكرة التى قام بها مرسى كانت رهانا صعبا، وكان يمكن أن تؤدى إلى خسارته كل شىء.
ثالثا، افتراض عدم قبول الشعب المصرى بهذه الخطوة، فصحيح أنه برزت أصوات دعت إلى تنحية المجلس العسكرى الأعلى للقوات المسلحة لأنه كان يمثل فى نظر البعض استمرارا لنظام مبارك، لكن كثيرين لم يكونوا ليوافقوا على هذه الخطوة، وسيرون فيها مرحلة جديدة من مراحل تحويل مصر إلى دولة إسلامية يسيطر عليها الإخوان المسلمون.
أخيرا، كان الافتراض السائد أنه ليس لدى الرئيس المصرى الجديد سببا وجيها يبرر قيامه بعملية إبعاد القيادة العسكرية للجيش فى الوقت الحاضر، وأنه لا مجال أمامه سوى الانتظار. فقد كان من الممكن أن تشكل حادثة الاعتداء التى وقعت فى سيناء «وذهب ضحيتها 16 قتيلا من حرس الحدود المصرى» ذريعة لإقالة مسئولى الاستخبارات المصرية، لكن ليس أغلبية القيادة العسكرية، ناهيك عن أن التبرير الذى قدمه مرسى بأن خطوته هذه هى من أجل «مصلحة الشعب المصرى» ليست مقنعة، كذلك الأمر بالنسبة إلى الحديث عن خطوة ديمقراطية، وعن أن الجيش يجب أن يعود إلى ثكناته. فمصر ما زالت بعيدة عن الديمقراطية.
بناء على ذلك، فإن التقدير الأكثر منطقية هو أن صراع القوة بين «الإخوان» ومؤيديهم، وبين القيادة العسكرية للجيش سوف يستمر. لكن فى هذه الفترة، لا مصلحة للطرفين فى نشوب مثل هذا الصراع المباشر، وسيحاولان فى الوقت الراهن التوصل إلى اتفاقات فيما بينهما، ومن المنطقى أن يحتاج الرئيس مرسى إلى دعم الجيش للاضطلاع بالمهمات الصعبة التى يواجهها نظامه، لذا فهو سيبحث عن سبل للتعاون معه.
ويبدو أن الرئيس مرسى عندما أقدم على خطوته هذه افترض أن التأييد الشعبى الذى يحظى به الإخوان المسلمون، والنظرة إلى القيادة العسكرية على أنها استمرار لحكم مبارك سيساعدانه على النجاح فى خطوته، وأن القيادة العسكرية الجديدة التى عيّنها بعد انتخابه ستكون تابعة له وستدعم خطواته، كما افترض أن عنصر المفاجأة سيكون فى مصلحته. حتى الآن يبدو أن خطوة مرسى قد نجحت ولم تثر أى معارضة، لكن من المبكر القول إن القيادة العسكرية ستقبل، فى المدى البعيد، المس بمكانتها، وأنها لن تحاول إعادة الأمور إلى الوراء. وفى جميع الأحول فإن ما جرى يثبت لنا أن الربيع العربى لم ينتهِِ بعد، وأن مفاجآت أخرى تنتظرنا مستقبلا.
باحث فى معهد دراسات الأمن القومى يسرائيل هيوم نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية