واقعة سرقة وسطو على حقوق الناشر والمؤلف واضحة، لا يجوز معها العمل بالنيات أو ادعاء عدم الفهم أو الوعى. هذه الواقعة تفجر، القضية المقتولة بحثا (والمحيرة أيضا): هل يجوز نشر الأعمال الأدبية لأديب ما بعد رحيله رغم أنف أسرته التى ترفض النشر أم لا؟، فضلا عن «لخبطة» مصطلحات يطلقها الباحثون للخروج من مأزق التعدى على الحقوق، مثل أن الكتاب عبارة عن «تحقيق».. أو «دراسة».. أو «إعداد»، يضاف لذلك عدم «وضوح كامل» أن المنشور بمركز الأهرام هو «أعمال شعرية كاملة».
تتلخص الواقعة فى «سطو» مركز الأهرام للترجمة والنشر التابع لمؤسسة الأهرام حقوق نشر الأعمال الشعرية الكاملة لسيد قطب، دون وجه حق. ليس هذا فقط، بل نشر أعمال شعرية لسيد قطب، مرفوضة من الورثة.
أما تفاصيل الواقعة فهى كالتالى:
فى يناير الماضى، نشر موقع «إخوان أون لاين» خبرا عن «صدور الأعمال الشعرية الكاملة لسيد قطب للصحفى على عبدالرحمن»، فاتصل أحمد بدير مدير دار الشروق، صاحبة الحق، بالكاتب على عبدالرحمن.
وقال بدير لجريدة «الشروق» إنه تحدث معه بل وأعلمه بالقانون حتى لا يدعى أنه لا يعرف مواده، مشددا عليه أن نشره للكتاب مخالفة قانونية واضحة.
وحاول بدير يثنى على عبدالرحمن عن نشر الكتاب موضحا له أن دار الشروق هى الناشر الوحيد لمؤلفات سيد قطب، وأنه إذا أراد نشر أى شىء فلابد من الرجوع إلى دار الشروق، وكذلك إلى أسرة سيد قطب، التى ترفض رفضا تاما نشر هذه الأشعار، ولهذا الموضوع قصة أخرى.
وأوضح بدير فى مكالمته لعبدالرحمن أنه إذا لم يتراجع عن نشر كتابه فسوف يتخذ كل الإجراءات القانونية، وهو ما فعله المستشار حسام لطفى، حيث أرسل إنذارا فى 16 فبراير الماضى إلى الأهرام، ينذر فيه أولا الممثل القانونى لمؤسسة الأهرام، ثانيا على عبدالرحمن عطية بقسم المعلومات بالأهرام، ثالثا مدير مركز النشر والترجمة التابع للأهرام.
وجاء فى ذلك الإنذار: «فوجئت دار الشروق بنشر مركز الأهرام كتابا لأشعار الشيخ سيد قطب «الأعمال الشعرية الكاملة مع تقديم الكاتب الصحفى على عبدالرحمن عطية فى إطار مشروع يتولاه مركز الترجمة والنشر، يستهدف نشر كل مؤلفات الشيخ سيد قطب متجاهلة أن دار الشروق هى الناشر الوحيد حصريا لمؤلفات الشيخ سيد قطب بموجب عقد موقع مع ورثته مؤرخ فى عام 1993»، تضمن ملحقا لتلك المؤلفات.
وطالب الإنذار: «التوقف الفورى عن نشر أو توزيع هذا الكتاب أو أية كتب أخرى من مؤلفات سيد قطب، وإتلاف ما عسى أن يكون قد طبع من هذا الكتاب أو أى كتب أخرى للمؤلف نفسه».
رجعنا للعقد الموقع مع ورثة سيد قطب، الذى يؤكد مدير دار الشروق أحمد بدير أحقية الدار حصريا فى التعامل مع مؤلفات سيد قطب، وكذلك أخيه محمد قطب.
ويقرر العقد المؤرخ ب28 فبراير 1993، بعد الاتفاق على طبع ونشر وتوزيع جميع مؤلفات سيد قطب ومحمد قطب، على أن تقوم دار الشروق بمراقبة ومتابعة وحصر جميع المؤلفات التى طبعت وتطبع بغير إذن من الطرف الثانى (وهو محمد قطب عن نفسه وبصفته وكيلا عن ورثة المرحوم سيد قطب)، فى جميع الدول.
ورغم كل تلك المحاولات من أحمد بدير والإنذارات من المستشار حسام لطفى فوجئت دار الشروق بإعلان بجريدة الأهرام السبت الماضى عن صدور الأعمال الشعرية الكاملة، يقول: «بذل معد هذه الأعمال جهدا كبيرا فى التنقيب عن روائع الأستاذ سيد قطب الشعرية التى ينشرها الأهرام لأول مرة، وتضم خمسة وثلاثين قصيدة مجهولة لم تنشر من قبل، عكف عليها الكاتب قرابة 15 سنة لتحقيقها ودراستها».
الغريب فى الأمر، أو بالأحرى المريب أن المركز يدعى أن الكتاب تحقيق ودراسة رغم أن إعلانه المنشور بالأهرام السبت الماضى يعلن عن «الأعمال الشعرية الكاملة»، ثم يقول إنها إعداد ودراسة وتحقيق.. فكيف؟ فإذا كانت دراسة وإعداد فهذا يجوز، وربما تكون دراسة جيدة وتستحق القراءة لكن لابد من احترام رغبة الورثة فى عدم نشر أى شىء يخص الأعمال الشعرية لسيد قطب، وهذا أمر يخصهم، ويدخلنا فى سؤال كبير هل هذه الأشعار ملك الورثة أم ملك الكل؟ وهل يجوز نشرها رغم اعتراض الورثة أم لا؟ ولعل هذه القضية أهم بكثير من حقوق الناشر؛ لأنها تدخل ضمن حقوق المؤلف المبدع وورثته. أما إذا كانت تحقيقا كاملا للأشعار فهذا لا يجوز؛ لأن هناك ناشرا لأعمال سيد قطب، حيث اتصل المسئول بدار الشروق وحاول التفاهم مع الكاتب على عبدالرحمن وتوضيح الأمر، حتى لا يتحجج بأنه لا يعلم القانون أو بحقوق النشر أو برغبة ورثة سيد قطب، ورغم ذلك صمم على نشر الأعمال الكاملة هو والمركز رغم إنذارهما على يد محضر.
أسرة سيد قطب ترفض إعادة النشر
أكد الكاتب محمد قطب المقيم بالسعودية؛ أنه لم يرحب بنشر الأعمال الكاملة لأخيه سيد قطب، كما يقول الكاتب على عبدالرحمن، بل رفض ذلك رفضا قاطعا. وأوضح أن الباحث بالفعل أتى إليه طالبا رأيه فى أعمال سيد قطب الشعرية؛ لكنه تعامل معه باعتباره باحثا يكتب رسالة علمية، يحتاج إلى مساعدة، وهذا لا يترتب عليه موافقته على نشر الأعمال الشعرية الكاملة.
من ناحية أخرى، وهذا هو المهم، والمفترض مناقشته بوضوح، أن محمد قطب، وفقا لأحمد بدير، أكد أن الأسرة ترفض إعادة نشر ديوان «الشاطئ المجهول»، المنشور عام 1935 (البعض يقول 1933) خاصة أن سيد قطب أوصى بنفسه قبل رحيله بعدم إعادة نشر هذا الديوان بالذات.
وفى حواره مع الزميل الأستاذ سيد محمود فى بوابة الأهرام بتاريخ 17 يوليو الماضى، قال الباحث على عبدالرحمن: «إنه يرفض الفكرة التى تقول إن سيد قطب بعد انضمامه لجماعة الإخوان المسلمين أنكر ماضيه الأدبى والشعرى. ويؤكد أن سيد قطب عاش لحظة تاريخية معينة فى حياته، لكنها لم تعن أنه أغفل ماضيه، بدليل أنه لم يطلب إحراق أشعاره أو مؤلفاته الأدبية فى حياته ومن ناحية أخرى فإن أشد المتعصبين لسيد قطب وتراثه وأقصد شقيقه محمد قطب، لم يرفض فكرة الكتاب حين عرضتها عليه ورحب بها فى رسائل متبادلة بيننا على مدار عام كامل. وحين التقيت به فى السعودية العام الماضى أثنى على المشروع كله كما أن زوج شقيقته السيدة حميدة قطب جاء من باريس خصيصا وراجع الكتاب كلمة كلمة قبل إجازته للنشر «كما أن هذه الأعمال الشعرية راجعها ثلاثة من كبار أساتذة الأدب والتفسير على رأسهم د. طاهر مكى ود. جابر قميحة وزميل سيد قطب ورفيقه فى السجن الشيخ عبدالستار فتح الله، ولم يعترض أحد منهم وأيدوا نشر الأشعار». وهذا الكلام تنكره أسرة سيد قطب بشكل قاطع، خاصة أن محمد قطب أكد أنه لم يوافق على نشر الأعمال الشعرية لسيد قطب، بل ساعد الباحث لكون دراسته علمية، وليست للنشر، كما أنه فى حالة الموافقة على النشر يكون الحق لدار الشروق فقط.
عبدالمجيد: اسألوا مدير النشر بالمركز
سألنا الدكتور وحيد عبدالمجيد مدير مركز الأهرام للترجمة والنشر عن سبب الإصرار على نشر أعمال شعرية ترفضها ورثة سيد قطب، فضلا عن إرسال إنذار قضائى للمركز بعدم أحقية المركز فى نشر وتوزيع أى شىء يخص مؤلفات سيد قطب وكذلك محمد قطب، فقال للشروق إنه لا يعلم أى شىء عن هذا الموضوع. فقلنا له: ألست مدير المركز؟ فرد: «أنا مشرف عليه بشكل مؤقت. ويمكن سؤال مدير النشر بالمركز فيما يثار».
أشرف أنور مدير النشر بالمركز قال إن الكتاب هو «بحث وتحقيق»، فلا يعد هذا انتهاكا لحقوق الناشر، وهو الأمر الذى وجد رفضا عند «أحمد بدير» الذى أكد أن التحقيق أو الدراسة لا يجوز معها أن يصدر الكتاب تحت عنوان «الأعمال الشعرية الكاملة»، وهذا فيما يخص حق الناشر. ولكن تظل القضية الأبرز أن العائلة ترفض إعادة نشر الأعمال الشعرية الكاملة لقطب.