ربما تراه ثائرا مجاهدا شهيدا أو إرهابيا متطرفا عتيدا.. وربما تري كتابه معالم في الطريق(1964) الحاضنة الفكرية لجماعات العنف والتكفير الظلامية بين تيار الإسلام السياسي منذ عقد السبعينيات أو تعتقد أن الكتاب أسئ تأويله وأنه ومؤلفه بالأصل نتاج وضحايا اضطهاد وتعذيب دولة يوليو لمعارضيها في السجون والمعتقلات غير الآدمية و حصاد منطقي لغياب الديمقراطية.. فالنظر الي رجل يجمع بين الفكر والتنظيم كسيد قطب من زاوية عالم السياسة وتاريخ جماعة الإخوان المسلمين لا يحتمل باستثناءات نادرة إلا الأبيض أو الأسود لكن ثمة مساحة أخري بألوان الطيف في مسيرة حياة وإبداع سيد قطب ككاتب وشاعر وقاص وناقد أدبي تفتح ثورة25 يناير الباب لإعادة اكتشافها, وعلي نحو لم يكن من الممكن تصوره من قبل. وسريعا ما وصل هذا التوجه الي صناعة النشر في مصر. فبعد الثورة بأشهر معدودة صدر عن أكبر مؤسسة نشر رسمية هي الهيئة العامة للكتاب روايته أشواك التي كانت قد صدرت في طبعة يتيمة عام1947, أي منذ نحو65 عاما. وهاهو مركز الأهرام للنشر والترجمة التابع لكبري المؤسسات الصحفية القومية يصدر قبل أيام الجزء الأول من تراث سيد قطب غير الأيديولوجي والمجهول مقارنة بإسهاماته الشهيرة في أدبيات الإسلام السياسي. وهو تراث يتميز عن كتاباته التي كرسها لصياغة مدرسته العقائدية, منذ عام1949 وانضمامه رسميا لجماعة الإخوان عام.1951 كتاب سيد قطب: الأعمال الشعرية الكاملة إذن هو باكورة ثمانية أجزاء جمعها وحققها الزميل الأستاذ علي عبد الرحمن.وقد عكف الباحث علي هذا الجهد الموفور16 عاما, أخذ خلالها في التنقيب مستعينا بمناهج وأدوات علم المكتبات عن أعمال الرجل في شتي الصحف والدوريات والمطبوعات علي مساحة زمنية تمتد من عام1924 الي عام1956. وهي مهمة عسيرة لسببين: الأول ماتعرض له تراث قطب من مطاردة أمنية وحظر و إنكار الي حد تمزيق قصائده في كتب المحفوظات بوزارة التعليم حين جرت محاكمته بقضاة عسكريين والحكم عليه بالإعدام في منتصف الستينيات. والثاني هو انصراف اهتمام ناشر القطاع الخاص بعد السماح في السبعينيات بنشر تراث قطب في مصر الي أعماله الأيديولوجية الدينية السياسية الأكثر إثارة وصخبا وفرصا في الرواج لدي القراء كعمله الموسوعي في ظلال القرآن, وبالطبع معالم في الطريق,وذلك باستثناءات نادرة كطبع عمليه الأدبيين طفل في القرية والمدينة المسحورة. يضم كتاب الأعمال الشعرية الكاملة الصادر من الأهرام نحو170 قصيدة منها35 مجهولة للباحثين والنقاد, وذلك قبل أن تنضب قريحة الشاعر بحلول عقد الخمسينيات أو تكاد. و يحتوي ديوانه الشاطئ المجهول الذي يعاد نشره للمرة الأولي منذ طباعته عام.1935 وتسمح مطالعة مجمل الأعمال الشعرية ل سيد قطب علي هذا النحو باكتشاف أوجه رومانسية وإنسانية و وطنية للرجل,وإن كانت القصائد لا تخلو من قتامة وتشاؤم. ويلفت النظر استخدام الشاعر لمفردات من قبيل: الغرام والهوي و الجمال والسحر والأقدار و الأحلام والرفاق و الغربة والشك و الدهر والفناء والأطياف و الروح الهائم الذي لا يستقر, وغير ذلك من مفردات قاموس المدرسة الرومانسية التي راجت في مصر في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي. كما تبرز في قصائده الوطنية ثنائية الشرق و الغرب ومركزية وادي النيل. وفي كل ذلك ما يناقض المفردات التي خطها في معالم في الطريق, وبخاصة مصطلحي الجاهلية و الحاكمية. ولعل من مفاجآت الأشعار القطبية قصيدتين في ذكري زعيم الوطنية والليبرالية في مصر سعد زغول وصف في إحداهما قبره بأنه كعبة ومنار. وتزداد المفارقة عندما نلاحظ أن الشاعر لم يكتب قصيدة في رثاء أو ذكري مؤسس جماعة الإخوان الإمام حسن البنا, الذي أغتيل عام1949!. النفس الضائعة تخيرنا هذه المقطوعة الصغيرة لجمالها, وأيضا وهو الأهم- لدلالتها علي وجود روح أخري كانت تكمن طوال الوقت داخل نفس سيد قطب أإني أنا ؟ أم ذاك رمز لغابر لأنكرت من نفسي أخص شعائري! لأنكرت إحساسي وأنكرت منزعي وأنكرت آمالي, وشتي خواطري وأنكرت شعري: وهو نفسي بريئة .ممحضة من كل خلط مخامر وتفصلني عما مضي من مشاعري عهود وآباد طوال الدياجر! وأحسبها ذكري, ولكن بعدها يخيل لي: أن لم تمر بخاطري!