مع كل حرف جديد يخطه رفعت سلام. لك ان تتوقع معركة جديدة,فقد صار الوسط الثقافي ينتظر كتاباته ودراساته وترجماته كي تشعل جدالا لا يهدأ إلا بصدور كتاب جديد. ولم يختلف الحال مع( الاعمال الشعرية الكاملة لبودلير) التي ترجمها لتصدر اخيرا عن احدي دور النشر الكبري. لتشعل انتقادات جديدة تطرح سؤال خصوصية ترجمة الشعر(ووصلت الانتقادات الي حد الاتهام بالاعتماد علي ترجمات سابقة دون بذل جهد حقيقي وهو مالا يري رفعت سلام ضرورة في الرد عليه, ويكتفي بالتوضيح لقراء الاهرام المسائي ان العمل علي الاعمال الكاملة لبودلير قد استغرق منه ست سنوات من التفرغ شبه التام, تخللتها رحلات الي فرنسا للحصول علي احدث طبعات اعمال الشاعر الفرنسي الرائد ومانشر عنها من دراسات نقدية. * ولكن لماذا بودلير رغم ان له ترجمات عديدة سابقة الي العربية؟ ** هناك سببان رئيسيان امام اهتمامي بهذا المشروع الضخم, أولهما يتصل بأهمية شارل بودلير نفسه كمؤسس للحداثة الشعرية الفرنسية والاوروبية ككل. حيث انطلقت من أعماله مدارس شعرية عدة. هذه الخصوصية المتعلقة باهمية بودلير وأثره جعلت من تقديم اعماله الكاملة للقارئ العربي ضرورة للتعرف علي الاسس التي قامت عليها الحداثة الشعرية التي أوصلتنا للمرحلة التي نعايشها الآن. اما السبب الثاني فيتعلق بكون الترجمات العربية السابقة علي اسهامي متفاوتة من حيث الكيف والكم. * ما المقصود بالكيف والكم؟ ** المقصود ان هذه الترجمات لم تستطع ان تلم بكتابات بودلير كاملة بل خضعت الترجمات لمزاج المترجم سواء من حيث اختياره للقصائد المترجمة عددا, أو الكيفية التي اخضع بها هذه القصائد للترجمة, مما جعل حضور بودلير في المشهد الشعري العربي المطبوع, حضورا اقرب للعشوائية,لايضع تجربة بودلير في سياقها الصحيح. وكان هذا دافعي الاول للتصدي لهذا العمل, فلو أني وجدت أن هناك ترجمة معينة قد استوعبت شاعرا ما, فلماذا اكرر التجربة عوضا عن الانصراف لاسهام يحقق ما اصبو اليه من اثراء؟! كما انه لايوجد قانون أو عرف مكتوب يحرم او يجرم اعادة ترجمة الاعمال المترجمة, فقصيدة الارض الخراب لاليوت مثلا لها عشر ترجمات بالعربية, باقلام اساطين الترجمة امثال لويس عوض ومها شفيق فريد وعبد الواحد لؤلؤة وغيرهم. ولم يسألهم احد لماذا تعيدون الترجمة؟سأعطيك مثالا: هاجمني البعض عندما اعلنت اعتزامي ترجمة الاعمال الكاملة للشاعر اليوناني كفافيس قائلين إن د. نعيم عطية قد انهي ترجمته من قبل ولكن هؤلاء يتغافلون عن ان كفافيس له خمس مجموعات شعرية لم يترجم نعيم عطية منها الا واحد.ا كما أن في ترجمته رغم تقديري لها فانها اتبعت منهجا لايتسق مع حياة كفافيس وافكاره. وهو مادفعني للتصدي لترجمة اعماله الكاملة اي كتبه الشعرية الخمسة. * يتسع نطاق الانتقادات الموجهة لترجمتك متهمة اياك بالتنازل عن الامانة في ترجمة النص لصالح الحافظ علي شعريته فما ردك؟ ** الترجمة تمثيل لخيال المؤلف ووعيه وحساسيته الشعرية واللغوية ويستحيل ان يتطابق هذا لدي فردين. وترجمة الشعر لايكفي لها مايدعونه من أمانة بل لابد ان يشعر القاريء بشكل صريح بشعرية النص, وكثير من المترجمين ليست لديه القدرة علي الجمع بين الدقة والشاعرية. * ايشي هذا بأن لديك نظريتك الخاصة للترجمة التي ترفض فيها ضرورة الأمانة؟ ** أولا أنا أرفض مصطلح الامانة دونا عن الفكرة فالأمانة مفهوم أخلاقي تخضع له العلاقات بين الأفراد..لاجهدا علميا وابداعيا كالترجمة. فأنا اميل لاستخدام مصطلح دقة الترجمة لا امانتها. وما لدي بخصوص ترجمة الشعر هو وجهة نظر لانظرية, فأنا اميل الي الحفاظ علي الشاعرية دون الاخلال بالدقة, ودون ان يجور اي العنصرين علي الآخر. * ولكن يوجد مقال قديم للمترجم بشير السباعي اعاد نشره علي مدونته مبدأ الأمل يوضح فيه كيف تخليت عن الدقة في ترجمتك لمياكوفسكي. ** لو قرأت هذا المقال لوجدت المترجم بشير السباعي قد قارن بين ترجمتي والاصل الروسي لاشعار مياكوفسكي, بينما ترجمت انا عن الانجليزية لا الروسية, وقاعدتي انه بيني وبين اي نقد لترجمتي الاصل الذي اترجم عنه ولو كان لغة وسيطة سواء كانت الانجليزية اوالفرنسية. وما عدا ذلك من انتقادات عشوائية تشيع في وسطنا الثقافي فلا وقت لدي للرد عليها ولن آخذها مأخذ الجد. * اغلب ترجماتك كانت عن لغات وسيطة سواء في ترجماتك للشعراء اليونان او الروس, فما منهجك في النقل عنها؟ ** في هذه الحالات اراجع اكثر من ترجمة واذا وجدت ترجمات معتمدة كما في حالة الشعراء الروس فاني افضل التعامل معها فورا لانها تتسم بالدقة الشديدة. هذه الدقة كانت داعما لي حتي ان د. فوزي فهمي العارف بالروسية وادبها قد امتدح ترجمتي لبوشكين متصورا اني نقلتها عن الاصل الروسي بينما ترجمتها عن ترجمة انجليزية معتمدة قام بها مترجمون روس هذا هو منهجي مادمت مضطرا للتعامل مع لغات وسيطة, فانا اقارن بين اكثر من ترجمة كي اصل الي اقصي درجة ممكنة من الدقة, أما أرق الترجمة عن لغة وسيطة فلا يشغلني كثيرا فلو توقفت عند هذه الاشكالية لما قمت بترجمة بوشكين ولير منتوف أو ماياكوفسكي الروسي أو ريستوس وكفافيس اليونانيين. ولظلت المكتبة العربية خالية لزمن اطول من اعمال ليرمنتوف التي كنت اول من قدمها لقارئ العربية. * بالعودة الي الاعمال الشعرية الكاملة لبودلير, ما السبب في قيامك بنشرها عبر دار الشروق, لا احدي مؤسسات الدولة؟ ** النشر في مؤسسات الدولة لايخضع لجودة العمل قدرما يخضع للعلاقات الشخصية لصاحبه, فمثلا طلب مني ان ارسل ترجمتي لبوشكين كي تصدر عن مكتبة الاسرة, فلما وقعت البيان الذي يطالب بعزل الوزير فاروق حسني وبطانته التي افسدت العمل الثقافي في مصر والذي دعا الوزير لنفي صفة الثقافة عن الموقعين, توقف مشروع النشر رغم الانتهاء من اعداد الكتاب انا لن اقبل بشروط الفساد الراهنة كي انشر هذا الكتاب او ذاك, فانا مستغن عنها ولن اتوقف عن الابداع او الترجمة حتي لو لم تنشر لي مؤسسات الدولة وانا متمسك بخياري ولو منعني عن بعض حقي. * ولكن النشر عبر المؤسسات الخاصة يمنع اعمالك من الوصول الي كثير من القراء مع ارتفاع اسعار الكتب ** هذا حقيقي للاسف ولكن لايوجد لدي حل واضح لهذه الاشكالية, فاقتصاديات النشر تتجاوز كثيرا اقتصاديات الكتاب, وكما ذكرت سابقا انا لن اخضع لشروط الفساد الحاكمة لعمليات النشر في مؤسسات الدولة كي اخرج كتابي الي القارئ. * ولماذا لم يعد يذكر اسم رفعت سلام الا مقترنا بالنقد الموجه اليه او الموجه منه لآخرين؟ ** لايوجد مبدع حقيقي وشخص منتج يتعمد شغل نفسه بالخصومات عوضا عن الابداع ولكن المناخ الذي نحياه ليس صحيا تماما, بل وينحو نحو السوء. فما نتحدث عنه بوصفه انحطاطا او انهيارا في القيم ليس نظرية بل واقع نعيشه حيث انتقلت النميمة التي كان محلها حتي السبعينيات مكالمات الهاتف وجلسات المقاهي ليكون محلها صفحات الكتب ومساحات الصحف, والمدعون هم من يورطون المبدعين فيها رغم انفهم وانا واحد من هؤلاء الذين يجري توريطهم اوالزج باسمائهم عنوة في هذه المهاترات. تاريخي الابداعي يشهد بما قدمت اما سجل المهاترات التي تفرغ له الآخرون فسيسقط وتسقط اسماؤهم مع الزمن. * ولكن من بين الانتقادات الي قمت بتوجيهها مايشهد بمواقف سياسية او ابداعية كقولك في تصريح صحفي ان محمود درويش وحجازي قد ماتا ابداعيا مع تبنيهما لقضايا سياسية. ** هذا تحريف واضح تعرض له تصريحي فانا لست ضد التزام الشعراء بقضايا ايا كان نوع هذه القضايا بل ضد قيامهم بتأليه الاشخاص وحصر القضايا فيهم كما اله حجازي عبدالناصر فمات ابداعيا بعد مرثية العمر الجميل, واله درويش ياسر عرفات المتهم باغتيال معارضيه ومنتقديه كالمبدع الراحل ناجي العلي. انا هنا لا اطلق اتهامات, او اسعي لترديد تصريحات عدائية بل سئلت عن رأيي في شاعرين فاجبت بصدق وفقا لحكمي الفني لا السياسي عليهما فانا لست منظرا ولا محللا سياسيا انا شاعر لايعتد سوي بفنية القصيدة لا موقفها. وخير دليل علي هذا انني ترجمت اليوت المحافظ كما ترجمت ريستوس الثوري. * هل عرضتك مواقفك هذه للاقصاء بين الاجيال المختلفة للشعراء؟ ** القول باقصائي قول ينطوي علي مبالغة,فأنا صاحب قرار واختيار وتوجهات اتخذتها عن وعي ولا شأن لي بمواقف الآخرين ولا اتوقع منهم الاتفاق معي في توجهاتي أو حتي مساندتي فيها. ولا انتظر من اجهزة الدولة شيئا ولا من غيري من الشعراء والنقاد فانا لن اتخلي عن موضوعيتي لصالح اي مكاسب ايا كانت ولن اوقع علي ورقة تسلبني حريتي في اعلان موقفي في رفض او قبول اي جائزة كما يلزم المجلس الاعلي للثقافة المتقدمين لجوائز الدولة فمواقفي هي هويتي التي لن اتنازل عنها.