أكد الشاعر رفعت سلام أن سوق النشر المصرية لا تحتمل الأعمال الكبري المهمة، متهما أغلب الناشرين بأنهم يميلون إلي الكتب الصغيرة، قليلة التكلفة، التي تحظي بتوزيع سريع، كي يبحثوا عن كتاب آخر، مقابل إهمال الأعمال الضخمة، والتهرب منها، معللا ذلك بأنهم يخشون تكاليفها الكبيرة، وبطء العائد المادي منها. ويقول سلام الذي انتهي مؤخرا من ترجمة الأعمال الكاملة لشارل بودلير، التي صدرت في مجلد واحد يقع في 920 صفحة من القطع الكبير، تصدر لأول مرة باللغة العربية عن دار "الشروق": بودلير هو مؤسس الحداثة الشعرية الفرنسية والأوروبية، التي استندت إليها كل الحركات التجديدية في الشعر الأوروبي، من بعده، كالحركة الرمزية، وجميع حركات القرن العشرين، ولم يكن لائقا أن تظل أعماله خارج نطاق الترجمة الكاملة. وعن تأخر صدور الترجمة قال: إنها مهمة شاقة أن يقوم مترجم واحد، معتمدا علي جهوده الذاتية، دون دعم من أية مؤسسة ثقافية، بترجمة عمل مماثل، خاصة أن المشاكل التي واجهتني كثيرة في مقدمتها عدم توافر مراجع كافية لدينا في مصر، حيث اضطرني العمل علي الكتاب الذهاب إلي فرنسا عدة مرات لاستكمال المراجع، والاطلاع علي الطبعات الجديدة لأعماله الشعرية والأعمال النقدية المكتوبة عنه، مشكلة ثانية واجهتني، هي أن مشروعا كبيرا بهذا الحجم، لم يجد بسهولة ناشرا ثقيل الوزن والمعرفة ليتبناه، أما المشكلة الثالثة فتمثلت في قلة الأدوات المساعدة للمترجم، وخاصة فيما يتعلق بالقواميس المتاحة عربيا، وتلك مشكلة تواجه كل المترجمين عموما. وأضاف سلام: أن يترجم شاعر لشاعر، فإن الأمر يختلف عن أن يترجم مترجم عادي لشاعر، ففي هذه الحالة يستعيد الشاعر المترجم الخيال الشعري الرفيع الموجود في الأصل، علي نحو أقرب إلي الدقة بلا تشويه، كما أن القدرات اللغوية للشاعر المترجم، وحساسيته الشعرية ستكون في خدمة عمله في ترجمة الشعر الأجنبي، وهو ما قد لا يتوفر في مترجم آخر، ترجمة الشعر أكبر وأوسع من الصحة اللغوية لهذه الكلمة أو تلك، ليست مسألة الكلمة مترجمة صح أو لا المسألة معتمدة علي الخيال والحساسية. تتصدر الترجمة ثلاث مقدمات مختلفة في الأولي يصف فيها سلام بودلير ب"شاعر الشر الجميل" وفيها يعرض لتناقضات حياة بودلير مع ظروفه العامة والخاصة في منتصف القرن التاسع عشر، خلال إنجازه لجذور الحداثة الشعرية الفرنسية والأوروبية، والمرتكزات الأساسية لشعريته المتجاوزة لجميع المدارس الشعرية السابقة عليه والمتزامنة معه، وتأسيسه للحداثة الشعرية في فرنسا وأوروبا، وملامح هذه الحداثة وتجلياتها في نصوصه ورؤيته النقدية، وفي الثانية يسرد سيرة حياة بودلير تأريخيا، بالتسلسل الزمني، متوقفا عند أهم محطات حياته الشخصية والشعرية والثقافية، وأزماته، وأهم أعماله الشعرية ورسائله الكاشفة لعلاقاته ورؤاه الحياتية والفكرية، أما المقدمة الثالثة فهي عبارة عن مقالة لبول فاليري بعنوان "موقف بودلير"، يرصد فيها أهمية بودلير القصوي في الأدب الفرنسي، والتحدي الذي واجهه في تأسيس حداثة شعرية مفارقة لزمنه، وكيف استطاع إنجاز دوره الحاسم خلال سنوات إبداعه الشعري المحدودة، بالمقارنة مع فيكتور هوجو.