الآن، وبعد أن حلت «أزمة» الهجرة نفسها، جاء الوقت المناسب للكونجرس والرئيس لإقرار حزمة من الإصلاحات الواقعية الملموسة. نعم، هذا صحيح، وهو كذلك الوقت المناسب كى ينمو للخنازير أجنحة وتفر. ربما كان أهم أخبار الأسبوع هو تقرير صدر عن مركز «بيو هيسبانيك سنتر» يظهر تباطؤ حركة الهجرة من المكسيك إلى الولاياتالمتحدة إلى حد التوقف بل وانعكاس الوضع. فأعداد الأشخاص الذين يتركون هذا البلد ليعيشوا فى المكسيك أكبر من أعداد من يتركوا المكسيك ليعيشوا هنا.
انتهت «الأزمة» التى لم تكن أزمة بأى حال، ما عدا فى المدن الحدودية المكتظة، مثل فينيكس. ولم يعد هناك على الإطلاق مبرر للاستعراضات المسرحية بشأن تهديد الجحافل الغازية المزعومة لطريقة معيشتنا وعزمهم العمل الشاق ورفع شأن أسرهم.
لماذا هذا التحول؟ يشير التقرير إلى «أكثر من عامل، من بينها أسواق العطلة الأسبوعية الأمريكية للتوظيف وبناء المساكن، وتعزيز الإجراءات على الحدود وعمليات الترحيل، وتزايد مخاطر التسلل غير القانونى عبر الحدود، والتدهور بعيد المدى فى معدلات المواليد فى المكسيك والأوضاع الاقتصادية الأفضل هناك».
وهذا، بالنسبة لى، له معناه الكبير. وسواء كان مع المهاجرين أوراق أم لا، فهم عقلاء. وكقاعدة، هم لم يأتوا إلى هنا كى يرتكبوا جرائم؛ فبإمكانهم عمل هذا فى بلادهم لو أرادوا. هم لا يأتون ليتكاسلوا ويستمتعوا بما تقدمه الحكومة من مساعدات. إنهم يأتون بحثا عن العمل.
لكن الاقتصاد الأمريكى تدهور، وهو ما يعنى تراجع فرص العمل المتاحة. أما الاقتصاد المكسيكى فلم يصب بأذى، بل وتتحسن أوضاعه. وقامت إدارة أوباما بتعزيز الحدود بينما تقوم بعدد غير مسبوق من الترحيلات. وفجأة، تغيرت معادلة المكافأة المخاطرة بالنسبة للمكسيكيين الذين يحملون أوراقا قانونية أو أولئك الذين أغواهم المجىء بدون وثائق.
●●●
وحسب تقرير مركز بيو، هناك حوالى 11 مليون مهاجر غير شرعى فى الولاياتالمتحدة؛ ستة من كل عشرة منهم من المكسيك. وقد تراجعت بالفعل أعداد المهاجرين غير الشرعيين. فهل هذا هو الوقت المناسب لأخذ نفس عميق وبدء الحديث عن طرق معقولة لصياغة سياسة هجرة أكثر عقلانية؟
نعم هذا ممكن، لكن لا تحبس أنفاسك. فمن الواضح أننا سنسمع صراخا كثيرا دون محاولة جادة لإيجاد حل. وفى يوم الأربعاء، استمعت المحكمة العليا إلى مرافعات حول دستورية قانون أريزونا ل«تعقب المكسيكيين»، الذى يقضى باعتراض رجال الشرطة لأى شخص يشك فى أنه مهاجر غير شرعى، والقبض عليه إذا اقتضت الضرورة. ويمنع القانون التصنيف العرقى، لكن الحقيقة أنه يضمن التصنيف بفاعلية. وترى الإدارة أن قانون الولاية يسلب الحكومة الفدرالية حقها فى وضع سياسة الهجرة. وتتوقع المحكمة حسم القضية هذا الصيف، ولن يكون لحيثيات الحكم تأثير عملى. حيث إن الهجرة غير الشرعية تتراجع بالفعل بل إن تأثيرها سياسى.
وسيرد الديمقراطيون بغضب شديد إذا علقت المحكمة العمل بقانون أريزونا لكنك إذا وقفت خارج الغرفة الخلفية حيث يعمل مخططو استطلاعات الرأى والحملات، فستستمع إلى تبادل التحيات. وكل ما من شأنه جذب الانتباه إلى موقف الحزب الجمهورى المتشدد فى مسألة الهجرة لن يؤدى إلا إلى تعزيز الاتجاه الذى وصفه ميت رومنى مؤخرا ب«الخسارة» حيث يندفع الناخبون اللاتين نحو الديمقراطيين الذين يفتحون لهم ذراعيهم.
وقد سبق أن فاز أوباما بثلثى الأصوات اللاتينية فى عام 2008. وهذا العام، ووفقا لاستطلاعات الرأى، فموقفه أكثر قوة بين أكبر أقلية فى البلاد. وإذا لم يجد الجمهوريون طريقة للفوز بتأييد المزيد من أصحاب الأصول اللاتينية، سيكون من الصعب هزيمة أوباما. وعلى المدى البعيد، إذا شكل أصحاب الأصول اللاتينية، بصورة أو بأخرى، دائرة انتخابية ديمقراطية ثابتة مثل الأمريكيين من أصول أفريقية، فسيلقى الحزب الجمهورى لا محالة مصير الحزب الويج (المحافظين) اليمينى القديم.
لهذا، سيدور «الجدل» بشأن الهجرة هذا العام حول: كيف تحقق المكاسب السياسية وتتفادى الخسارة السياسية. ما الذى سيتحدث عنه مسئولونا المنتخبون؟ أعتقد أنهم سيبدأون بالحل الواضح.
●●●
إننا لا نحتاج إلى إقامة جدار عملاق بطول ريو جراند؛ فأوباما «شدد» بالفعل الإجراءات على الحدود. نحن بحاجة إلى عفو على طريقة ريجان يسمح للغالبية العظمى من المهاجرين غير الشرعيين بالإقامة، إلى جانب إجراء إصلاحات تعطى المكسيكيين وغيرهم أملا حقيقيا فى إمكان المجىء هنا ذات يوم. إن أرادوا.