أمضت «الشروق» ثلاثة أيام بعيدا عن الساحل الشرقى للولايات المتحدة، وذهبت فى زيارة خاصة لقلب الغرب الأمريكى فى ولاية أريزونا، لترى عن قرب كيف يتعامل هذا الجزء المهم من أمريكا مع قضايانا، ومع توجهات الرئيس الأمريكى باراك أوباما تجاه الشرق الأوسط. هنا فى أقصى الغرب الأمريكى، ينحصر الاهتمام بالسياسة الخارجية فى التعامل مع قضايا الهجرة والمخدرات القادمة من المكسيك، ونادرا ما تجد اهتماما بقضايا الشرق الأوسط أو الإسلاميين، أو الصراع العربى الإسرائيلى. تاريخيا ارتبط الغرب الأمريكى فى الوجدان العربى والعالمى بأفلام رعاة البقر، والبحث عن الذهب والمجد والغنى. ومازال الغرب الأمريكى يمثل الوجهة المفضلة لمهاجرى دول أمريكا الوسطى وأمريكا الجنوبية، حيث يمكن أن تستبدل اللغة الإسبانية باللغة الإنجليزية فى معظم المحافل العامة والخاصة. ورغم أن مدن الساحل الشرقى الرئيسية – نيويورك، واشنطن، بوسطن، بلتيمور، وميامى، مازالت تمثل مراكز الثقل الرئيسية فى التعاملات الدولية للدولة الأمريكية منذ نشأتها عام 1776، بسبب قربهم من القارتين الأوروبية والأفريقية، إلا أن التطورات التكنولوجية، وصعود القوى الآسيوية مثل الصين والهند، ناهيك عن كوريا واليابان، جعل من مدن وولايات الغرب الأمريكى مراكز جديدة للاهتمام بالسياسة الخارجية التى تنظر تحديدا إلى القارة الآسيوية. وينصب تركيزها على قضية الهجرة غير الشرعية من المكسيك، وقضية تهريب المخدرات وضعف سلطة تنفيذ القانون فى المنطقة الحدودية المكسيكية مع أريزونا!. حدة الأزمة الاقتصادية بحلول عام 2007 كان ترتيب اقتصاد الولاية ال19 بين الولاياتالأمريكية الخمسين، وما كان يعتبر بمثابة الترتيب ال43 بين اقتصاديات دول العالم إذا ما كانت أريزونا دولة مستقلة، مما يجعل الاقتصاد الأريزونى أكبر من مثيله فى إيرلندا أو النمسا، ناهيك عن اقتصاديات معظم الدول العربية. وقد بلغ حجم الناتج القومى الإجمالى لأريزونا 387 مليار دولار عام 2007 طبقا لبيانات مكتب التحليل الاقتصادى الحكومى. وأشار إحصاء عام 2006 إلى أن أريزونا هى أول ولاية أمريكية من حيث النمو السكانى، حيث جذبت ما يقرب من مليون شخص، ويشكل المهاجرون من أصول مكسيكية ولاتينية ما يقرب من 75% من هذا الزيادة، وال25% الباقية من ولايات أمريكية أخرى. كذلك كانت أريزونا أكثر الولاياتالأمريكية نموا فى اقتصادها فى عام 2006، وكانت الولاية تجذب الكثير من المواطنين الأمريكيين من الولايات الأخرى ممن يبحثون عن فرص عمل أو عن فرص جيدة للاستثمار. وبلغ النمو أقصاه فى مجال بناء العقارات السكنية والتجارية، وهو ما جعل الولاية تتأثر بشدة وأكثر من غيرها بسبب الأزمة المالية التى بدأت بسبب انهيار نظام تمويل شراء العقارات. ورغم الأداء الجيد لاقتصاد أريزونا، عصفت الأزمة المالية الدولية باقتصاد الولاية، وكانت من أكثر الولايات تأثرا بالأزمة. ويرى الكثير من الخبراء الماليين أن أريزونا تتعرض لحالة كساد اقتصادى تعرضت لها بقية الولاياتالأمريكية لها منذ أربعة أشهر على الأقل. ويذكر أستاذ الاقتصاد بجامعة أريزونا د. مارشال فيست «أن انهيار اقتصاد الولاية حدث مع بدء ظهور أزمة التمويل العقارى فى نهايات عام 2007. ويبشر الدكتور فيست ساكنى الولاية بقوله إن الأسوأ قد مر «نحن وصلنا للقاع، ولم يعد من الممكن أن نسقط أكثر من ذلك». وكانت نسبة البطالة فى الولاية 3.6% فقط عام 2006، ولكن مع تدهور الحالة الاقتصادية بلغت النسبة 7.4% فى فبراير 2009. وفقد خلال العام الماضى ما يقرب من 6.7% من القوى العاملة بالولاية وظائفهم دون إيجاد عمل جديد. وما تتعرض له أريزونا الآن يمثل أسوأ وضع اقتصادى تتعرض له الولاية منذ عام 1974 وعرف حينذاك بالكساد. وبلغت نسبة البطالة فى أواخر 1974 (5.7%) فقط. ورغم الأزمة الاقتصادية الخانقة بأريزونا، إلا أن هناك طلبا على وظائف قطاع الرعاية الصحية والتعليم، إضافة إلى الوظائف الحكومية. ويعمل 17.6% أو 437,600 من القوى العاملة فى الولاية فى وظائف حكومية. ويتوقع الكثير من الاقتصاديين أن تتحسن الظروف الاقتصادية بحلول عام 2010، ويرى تقرير حديث صدر عن جامعة أريزونا فى مايو 2008 أن البطالة ستصل لمعدل تاريخى فى نهاية 2009 يبلغ 9.5%، إلا أن هذا سيكون آخر الأنباء غير السارة، مع تحسن الاقتصاد فى بدايات عام 2010 مع خلق ربع مليون وظيفة جديدة». وبلغ عجز ميزانية الولاية 1.7 مليار دولار عام 2008، وهى رقم 4 فى هذا العجز بعد ولايات كاليفورنيا وميتشيجن وفلوريدا، ويبلغ متوسط دخل الفرد فيها 27,233$ وللعائلة 24,693$، وهذا يضعها فى الترتيب ال 27 بين الولاياتالأمريكية من حيث الدخل الفردى. ويعتمد اقتصاد أريزونا على التعدين «الرصاص» وزراعة القطن، وتربية الماشية والسياح،. وهى أكبر منتج للرصاص فى العالم وتنتج ما نسبته 62% من ناتج الولاياتالمتحدة. وبلغت نسبة الفقر بين سكان أريزونا 13,5% عام 2008، وتم تحديد مستوى الفقر فى أمريكا عام 2006 ليكون 20.000 دولار لعائلة مكونة من أربعة أفراد، وتبلغ النسبة 12.6% فى الولاياتالمتحدة، وترتفع المعدلات فى المدن المركزية والمناطق الريفية. أريزونا والسياسة لولاية أريزونا مكانة خاصة فى الحياة السياسية الأمريكية، ويعتبر جون ماكين أهم وأشهر السياسيين المعاصرين من الولاية. ويسيطر الحزب الجمهورى على الولاية بنسبة 60 إلى 40 فى مجلس نواب الولاية المحلى، ومجلس شيوخها. ويمثل أريزونا ثمانية أعضاء فى مجلس النواب، منهم 3 أعضاء جمهوريين، و5 من الديمقراطيين، فى حين يمثل الولاية عضوان جمهوريان فى مجلس الشيوخ هما جون ماكين وجون كايل. ويحكم الولاية الحاكم الجمهورى جان بيروير من عام 2006. ويسيطر عليها الجمهوريون منذ عام 1993 سواء فى منصب حاكم الولاية أو الكونجرس المحلى، وانتخبت كل المرشحين الجمهوريين للرئاسة باستثناء بيل كلينتون عام 1996. الهجرة والمخدرات أثناء وجود «الشروق» فى عدة محافل فى ثلاث مدن أريزونية هى توسون فى أقصى الجنوب، وفينيكس العاصمة- فى الوسط، وفلاجشيب فى أقصى الشمال، سألنا من قابلناهم عن رأيهم فى كيفية حل الصراع العربى الإسرائيلى، وتصورهم لقضية ديمقراطية الشرق الأوسط. ولم يبد أى ممن تحدثت إليهم «الشروق» أدنى اهتمام بهذه الأمور، بل إن بعضهم بدا وكأنه غير عالم بهذه القضايا. ولعل عناوين نشرة الأخبار الرئيسية فى التليفزيون المحلى لأريزونا توضح سبب عدم الاهتمام وعدم المعرفة بين سكان أريزونا بقضايا الشرق الأوسط والعلاقات العربية الأمريكية. وكانت عناوين الأخبار كما يلى: 7 قتلى من عائلة واحدة فى مدينة مكسيكية حدودية على خلفية صراع بين كارتيلات تهريب المخدرات. القبض على 12 مهاجرا غير شرعى فى محاولتهم لتسلل الحدود أمس. محال وول مارت العملاقة تستغنى عن 1300 من موظفيها فى شمال أريزونا. القبض على عصابة من المهاجرين غير الشرعيين من المكسيك تستهدف تجمعات المسنين فى ضواحى مدينة توسون جنوب الولاية. وتمثل قضية الهجرة غير الشرعية من المكسيك تحديدا، حيث توجد حدود صحراوية يبلغ طولها 500 كيلومتر، وقضية تهريب المخدرات والعنف المصاحب لها، أولى اهتمامات سكان أريزونا وساستها. وجاءت أخبار الأزمة الاقتصادية السيئة لتعقد أكثر قضية الهجرة من المكسيك لأريزونا، حيث فقد مئات الآلاف وظائفهم، وأصبح هناك نوع من الغضب على وجود مهاجرين غير شرعيين يشاركون ساكنى الولاية الفرص القليلة المتاحة للحصول على عمل. ويعيش فى ولاية أريزونا ما يقرب من 6.5 مليون مواطن طبقا لإحصاء عام 2008، مما يجعلها الولاية الأمريكية رقم 14 من حيث عدد السكان. وتبلغ نسبة البيض 55,5% والأمريكيون الأفارقة3,1%، والآسيويون 1,8% والهنود الحمر 5% و11,6% من أجناس غير مذكورة فى الإحصاء. وتبلغ نسبة سكان أريزونا من الأصول اللاتينية 25,3%. ويوجد فى ولاية أريزونا 4% من الأمريكيين العرب و2% من المسلمين فى الولاياتالمتحدة. ومن أشهر المساجد هناك المركز الإسلامى بالعاصمة فينكس Phoenix ومسجد محمد فى مدينة توسون Tucson. وأعلنت حكومة الرئيس أوباما مؤخرا عن إستراتيجية شاملة مستحدثة لتوسيع أطر شراكتها مع المكسيك لمحاربة تنظيمات تجارة ترويج المخدرات التى تمثل بوسائل العنف التى تمارسها تهديدا للبلدين الجارين وللمنطقة الأوسع. وجاءت مبادرة إدارة أوباما على خلفية زيادة أنشطة منظمات تجارة المخدرات والعصابات الإجرامية فى المنطقة حجما وقوة على مدى العقد الماضى، وساهم فى إذكائها حجم الاستهلاك الكبير شمالا فى الولاياتالمتحدة، وتدفق الأموال والأسلحة جنوبا. وترتبط قضية تجارة وتهريب المخدرات بقضية الهجرة غير الشرعية، ويصعب الفصل بين القضيتين، كون الكثير ممن يلقى القبض عليهم داخل ولاية أريزونا فى قضايا المخدرات هم من المهاجرين غير الشرعيين القادمين من المكسيك. ويسبب الاستهلاك العالى للمخدرات فى أريزونا، وتدفق الأسلحة الخفيفة والنصف آلية على المكسيك من أريزونا جانبا أخر من المشكلة يعقد من صعوبة حلها، ويؤكد على ضرورة تعاون الولاياتالمتحدة مع المكسيك للتعامل مع هذه القضايا الخطيرة. وقد وافق الكونجرس على رصد 700 مليون دولار هذا العام كمعونة تستهدف تقديم التدريب والتكنولوجيا الحديثة إلى فرق مكافحة المخدرات وغيرها من قوات الأمن وتطبيق القوانين، هذا بالإضافة إلى مساعدات فنية للمساعدة فى تعزيز الجهاز القضائى فى المكسيك. وتقوم وزارة الأمن الداخلى بمضاعفة وجودها الأمنى فى منطقة الحدود المشتركة بين أريزونا والمكسيك. وتعهد البيت الأبيض بعمل ما فى وسعه من أجل تقليص الطلب الأمريكى على المخدرات، وهو عنصر أساسى فى إستراتيجية جديدة للحكومة الأمريكية خصصت 5 بلايين دولار لمبادرات استهدفت خفض استهلاك المخدرات فى 2008.