التقت شخصية أمريكية رفيعة المستوى جدا قبل عدة أيام شخصية إسرائيلية من مقامها ونقلت إليها رسالة حادة وواضحة فحواها أن شن هجوم عسكرى إسرائيلى على إيران سينطوى على كارثة كبيرة، لكنها فى الوقت نفسه أكدت أن أى قرار فى هذا الشأن يبقى فى يد إسرائيل وحدها كونها سيدة نفسها. فى موازاة ذلك حرص موظف كبير فى الإدارة الأمريكية على أن يسرّب إلى جهة مقربة من الحكومة الإسرائيلية نبأ يفيد بأن البيت الأبيض درس خطة أعدتها وزارة الدفاع الأمريكية لقصف المنشآت النووية الإيرانية، وخرج المسئولون فيه بانطباع فحواه أنها خطة جيدة للغاية وفى إمكانها أن تكبح البرنامج النووى الإيرانى من دون أن تلحق أضرارا فادحة تؤدى إلى انتفاض العالم الإسلامى برمته على أمريكا. وقال هذا الموظف الأمريكى إن الخطة المذكورة جيدة إلى درجة أن الرئيس باراك أوباما ربما يصدر أوامر بتنفيذها قبل موعد انتخابات الرئاسة فى الولاياتالمتحدة فى نوفمبر المقبل، وذلك بعد أن أكد عدد من مستشارى الرئيس أن شن عملية عسكرية على إيران لن يلحق أضرارا كبيرة به فى هذه الانتخابات. ولا شك فى أن هذه المعلومات تنطوى على رسالة واضحة فحواها ما يلى: فى حال فشل الجهود الدبلوماسية المبذولة لحل المشكلة الإيرانية النووية فإن الولاياتالمتحدة ستشن هجوما عسكريا على المنشآت النووية فى إيران، ولذا لا يوجد أى داع لدى إسرائيل يستلزم تسريع شن هجوم كهذا بمفردها. يمكن القول إن هذا الموقف الأمريكى يشكل دليلا على نجاح رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو فى جعل الموضوع النووى الإيرانى يتصدّر جدول أعمال البيت الأبيض. فالإدارة الأمريكية دأبت فى السابق على الكلام على إمكان احتواء البرنامج النووى الإيرانى، بينما أصبحت الآن تتكلم على ضرورة كبح هذا البرنامج من خلال المفاوضات والوسائل الدبلوماسية، وفى حال عدم نجاح ذلك من خلال اللجوء إلى استعمال القوة العسكرية.
على الرغم من ذلك كله، مازال رئيس الحكومة نتنياهو مصرا على تصعيد لهجته بشأن احتمال شن هجوم عسكرى إسرائيلى على المنشآت النووية الإيرانية. وأمس الأول (الأربعاء) قال نتنياهو، فى سياق الخطاب الذى ألقاه فى الكنيست، بأن رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق مناحيم بيجن اتخذ القرار بشأن تدمير المفاعل النووى فى العراق (فى سنة 1981) من دون أن يحظى بتأييد الولاياتالمتحدة. مع ذلك لا بد من ملاحظة أن بيغن اتخذ فى حينه قرار تدمير المفاعل النووى العراقى ثم ألقى خطابا بشأن قراره هذا، بينما نتنياهو مازال حتى الآن يلقى الخطاب تلو الخطاب بشأن مهاجمة المنشآت النووية فى إيران.
ثمة أنباء وتقارير كثيرة تُنشر فى واشنطن تباعا وتجمع على أن رئيس الحكومة مصمم على شن هجوم عسكرى على إيران، ومع ذلك فإننى أعتقد أن نتنياهو زعيم متردد وحذر للغاية، ولن يتجرأ على شن هجوم كهذا من دون أن يحظى بتأييد الإدارة الأمريكية، وأن الهدف الرئيسى من تسخين أجواء الحرب ضد إيران هو جعل احتمال تحولها إلى دولة نووية يتصدر جدول الأعمال الداخلى فى الولاياتالمتحدة وخصوصا فى العام الذى تشهد فيه انتخابات رئاسية.
وحتى لو كان هناك أشخاص يتوهمون أن إسرائيل يمكنها أن تهاجم إيران من ة دون موافقة الولاياتالمتحدة، لا أعتقد أن هناك أشخاصا يتوهمون أن إسرائيل قادرة على أن استيعاب ردة الفعل الإيرانية على هجوم كهذا من دون مساعدة أمريكية. وقد أثبتت المواجهة العسكرية التى اندلعت هذا الأسبوع مع عدة فصائل فلسطينية فى قطاع غزة أن إسرائيل غير قادرة على مواجهة مشكلة تعرضها لإطلاق صواريخ غراد من جانب حركة الجهاد الإسلامى، فما بالك بمواجهة صواريخ إيران وحلفائها فى حال شن هجوم عسكرى إسرائيلى على منشآتها النووية؟