رئيس "الجبهة الوطنية": الفرص متساوية في الترشح لانتخابات "النواب".. والشفافية تحكم الاختيار    محافظ المنوفية يبحث سبل تنفيذ برامج تدريبية تُعد الطلاب لسوق العمل المحلي    25 صورة جوية حديثة.. مسار مترو الأنفاق يشق شوارع الإسكندرية    ما هي تفاصيل المقترح الأمريكي الجديد للهدنة في غزة؟    اهتمام غير متوقع.. دي خيا مرشح للعودة إلى مانشستر يونايتد    "ما السبب؟".. رد حاسم من لجنة الحكام على طلب الأهلي بإيقاف معروف    طالب يخفي لوحات سيارته للهروب من المخالفات.. وتحرك عاجل من الداخلية    "الصحة" تعقد اجتماعًا لبحث مستجدات "زراعة الأعضاء".. واستعراض "حالة استثنائية"    قرار جديد من محافظ الوادي الجديد بشأن سن القبول بالمدرسة الرسمية الدولية    القوات الإسرائيلية تعتقل 33 عاملاً فلسطينيا جنوب القدس    سموتريتش يتضامن مع عضو بالكنيست بعد منعه من دخول أستراليا    "عين شمس" ضمن أفضل 700 جامعة عالميا وفق تصنيف شنغهاي 2025    بداية التعاملات .. ارتفاع الذهب 20 جنيها فى مصر.. وحركة ملحوظة فى الأونصة وعيار 21    الجهاز الفني للزمالك يستقر على مهاجم الفريق في لقاء مودرن سبورت    بعثة يد الزمالك تطير إلى رومانيا لخوض معسكر الإعداد للموسم الجديد    أرباح "أموك" للزيوت المعدنية ترتفع طفيفا إلى 1.55 مليار جنيه في 6 أشهر    "نفسي ابقى أم".. اعترافات المتهمة بخطف طفل في مستشفى الوايلي    "كان بيطفي النار".. إصابة شاب في حريق شقة سكنية بسوهاج (صور)    بعد رحيل تيمور تيمور.. شريف حافظ: الموضوع اتكرر كتير    "صيف بلدنا" ببورسعيد يواصل لياليه باستعراضات متنوعة لفرقة المنيا للفنون الشعبية|صور    الفنانة مي عز الدين تخطف الأنظار فى أحدث ظهور من إجازتها الصيفية    المفتي يوضح حكم صلاة الجنازة على الغريق المفقود    برلماني: هل تمتلك "الزراعة"خطة واضحة لرفع كفاءة الإنتاج تكنولوجيًّا؟    مقترح برلماني لتعديل مواعيد العمل الرسمية من 5 فجرًا إلى 12 ظهرًا    غلق 152 من المحال لعدم الالتزام بقرار الغلق ترشيدًا للكهرباء    غرق شاب بأحد شواطئ مدينة القصير جنوب البحر الأحمر    المكتب الإعلامي الحكومي بغزة: دخول 266 شاحنة مساعدات منذ الجمعة والاحتلال سهل سرقة معظمها    اليوم.. الأهلي يتسلم الدفعة الأولى من قيمة صفقة وسام أبو علي    بالفيديو.. الغرف التجارية: متابعة دائمة من الأجهزة الرقابية لتطبيق التخفيضات خلال الأوكازيون    الجمعة.. ويجز يحيي حفلًا بمهرجان العلمين    إيرادات أفلام موسم الصيف.. "درويش" يتصدر شباك التذاكر و"روكي الغلابة" يواصل المنافسة    الديهي يكشف تفاصيل اختراقه ل"جروب الإخوان السري" فيديو    "ذا ناشيونال": مصر وقطر يعدان مسودة اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة    في يومها الثالث.. انتظام امتحانات الدور الثانى للثانوية العامة بالغربية    إصابة 14 شخصا إثر حادث سير في أسوان    نشأت الديهي يكشف مخططات «إخوان الخارج» لاستهداف مصر    وزيرة التضامن الاجتماعي: دعم مصر لقطاع غزة لم يكن وليد أحداث السابع من أكتوبر    أسعار اللحوم اليوم الاثنين 18 أغسطس 2025 في أسواق الأقصر    «التعليم» ترسل خطابًا بشأن مناظرة السن في المرحلة الابتدائية لقبول تحويل الطلاب من الأزهر    وفاة شاب صدمته سيارة مسرعة بطريق القاهرة – الفيوم    "الأغذية العالمى": نصف مليون فلسطينى فى غزة على شفا المجاعة    «متحدث الصحة» ينفي سرقة الأعضاء: «مجرد أساطير بلا أساس علمي»    «الصحة» تكشف عن 10 نصائح ذهبية للوقاية من الإجهاد الحراري    مدرب نانت: مصطفى محمد يستحق اللعب بجدارة    انطلاق امتحانات الدور الثاني للشهادة الثانوية الأزهرية بشمال سيناء (صور)    إسرائيل تقر خطة احتلال مدينة غزة وتعرضها على وزير الدفاع غدا    محافظة بورسعيد.. مواقيت الصلوات الخمس اليوم الإثنين 18 أغسطس 2025    التعليم تحسم الجدل : الالتحاق بالبكالوريا اختياريا ولا يجوز التحويل منها أو إليها    دار الإفتاء توضح حكم شراء حلوى المولد النبوي والتهادي بها    ارتفاع سعر اليورو اليوم الإثنين 18 أغسطس 2025 أمام الجنيه بالبنوك المصرية    كم سجل عيار 21 الآن؟ أسعار الذهب اليوم في بداية تعاملات الاثنين 18 أغسطس 2025    "2 إخوات أحدهما لاعب كرة".. 15 صورة وأبرز المعلومات عن عائلة إمام عاشور نجم الأهلي    دعه ينفذ دعه يمر فالمنصب لحظة سوف تمر    أسفار الحج 13.. من أضاء المسجد النبوى "مصرى"    سامح حسين يعلن وفاة نجل شقيقه عن عمر 4 سنوات    رضا عبد العال: خوان ألفينا "هينَسي" الزملكاوية زيزو    ماكرون: لا أستبعد أن تعترف أوكرانيا بفقدان أراضيها ضمن معاهدة سلام    مواجهة مع شخص متعالي.. حظ برج القوس اليوم 18 أغسطس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لا مفر من انتفاضة ثالثة
نشر في الشروق الجديد يوم 27 - 06 - 2012

فى وقت سابق من هذا الشهر، وفى لقاء خاص مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وبعض مستشاريه الأمنيين، حذرت مجموعة من خبراء الشرق الأوسط وضباط المخابرات السابقين من قرب اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة. وقالوا إن الموقف يمكن أن ينفجر بتخريب مسجد على يد مستوطنين إسرائيليين، مثل ذلك الذى أحرق الثلاثاء قبل الماضى؛ أو بناء مستوطنة سكنية جديدة. وأيا ما كان الفتيل، فإن السبب الضمنى للاحتقان الذى تشهده الضفة الغربية يتمثل فى الإجماع على أن رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، وصل إلى طريق مسدود.

●●●

وتقوم استراتيجية عباس السياسية على مبدأ يرى أن التعاون الأمنى بين السلطة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية يجعل إسرائيل تشعر بأنها أكثر أمنا ويلغى مبررها للاستمرار فى احتلال الضفة الغربية، ويمهد الطريق من ثم لقيام دولة فلسطينية. ومن المثير للسخرية أن كثيرا من الإسرائيليين يتمتعون، بفضل نجاح جهوده، بترف نسيان وجود الاحتلال نسيانا تاما.

وبفضل السلام الممول من الأمريكيين والأوروبيين تمكنت حكومة السيد عباس من الاستمرار فى الضفة الغربية، ووصل الإسرائيليون كذلك إلى الاعتقاد بأن بإمكانهم أن يستأثروا بكعكتهم. وقال أغلبية المشاركين فى استطلاع أجرى فى وقت سابق من هذا العام إن دولتهم يمكن أن تظل يهودية وديمقراطية دون التخلى عن أى جزء من الضفة الغربية. وسمحت أعوام من السلام والهدوء فى تل أبيب بخروج مئات الآلاف من الإسرائيليين إلى الشوارع الصيف الماضى للاحتجاج على ارتفاع أسعار الجبن، والإيجارات ودور الحضانة دون كلمة واحدة عن الفلسطينيين فى الضفة الغربية.

ولم تعد المسألة من بين اهتمامات إسرائيل الأمنية الأساسية. ولن يكون أمام السيد نتنياهو إلا الانتحار سياسيا أو التحلى استثنائيا بنظرة مستقبلية للابتعاد عن الوضع القائم الذى يرضى أغلبية كبيرة على ما يبدو.

●●●

فى المقابل، يرى الفلسطينيون قيادتهم اليوم وهى تخبط رأسها فى الحائط، على أمل أن يؤدى المزيد من حسن السلوك إلى قيام دولة مستقلة. ونتيجة لذلك، انتهى الجدل الذى ثار طويلا حول كيفية تحقيق التحرر الوطنى بالتهدئة مع إسرائيل أو مواجهتها. فلم يعد الفلسطينيون من كل الأطياف يتحدثون عن جعل الاحتلال الإسرائيلى أكثر كلفة أم لا، بل الحديث الآن عن كيف يتحقق ذلك. وخلال تسعينيات القرن الماضى، كان السيد عباس من المهندسين الأساسيين لعملية أوسلو للسلام التى وضعت التصور لاحتمال أن يؤدى انسحاب إسرائيلى على مراحل من الضفة الغربية إلى اتفاق للسلام الدائم (وإن كان من غير الضرورى قيام دولة فلسطينية). واليوم، ربما كان هو الوحيد الباقى على هذا الاعتقاد. وهو مضطر لتملق مطالب أولئك المطالبين بالمواجهة بتكرار تعهده بمواجهة إسرائيل بتفكيك السلطة الإسرائيلية أو رفض التفاوض إلا إذا جمدت إسرائيل بناء المستوطنات لا لشىء إلا ليتراجع عنها.

ومع اتساع الفجوة بين تصريحات الرئيس وأفعاله، اتسعت كذلك الفجوة بين سياساته ومشاعر الجماهير، وأدت إلى لجوء الحكومة إلى مزيد من القمع: تعذيب المعارضين السياسيين، إغلاق المواقع الإلكترونية والقبض على الصحفيين والمدونين الذين ينتقدون عباس. حتى المستشارين المقربين من السيد عباس يعترفون سرا بأنه معرض لأن يتحول إلى أنطوان لحد، قائد القوة المفوضة من إسرائيل أثناء احتلالها لجنوب لبنان، آخر. وقد اعترف المسئول الأول عن سياسات عباس، رئيس الوزراء غير المنتخب، سلام فياض، بما صار عليه الموقف بقوله: «أعتقد أننا سنخسر القضية، إن لم نكن قد خسرناها بالفعل». وصرح عباس نفسه بأن عملية السلام «أصابها العطب» وأن كل ما فعلته حكومته هو «تحسين وضع إسرائيل»، وأن هذه الأخيرة، التى حظيت بسنوات من التعاون غير المسبوق مع القوات الفلسطينية فى الضفة الغربية، ليس هناك ما يضطرها إلى الموافقة على أى تغيير.

لكن ليس لدى قوات الأمن الفلسطينية ما يدفعها للاعتقاد، هذه الأيام، بأن جهودها يمكن أن تخدم الأهداف الوطنية، ولا يمكن لإسرائيل أن تفترض أن السلطة الفلسطينية يمكنها تحقيق الأمن الدائم. والشهر الماضى، ومع عودة إطلاق النار إلى شوارع جنين، ودخول 1600 سجين فلسطينى فى إضراب عن الطعام للأسبوع الرابع، قال السيد عباس «لا يمكننى السيطرة على الموقف. إننى أخشى، لا سمح الله، أن ينهار نظام الأمن». ونجد صدى لهذا الشعور فى ملاحظات يوفال ديسكين، رئيس الأمن الإسرائيلى المتقاعد، عندما قال: «عندما تتركز أبخرة الغاز فى الجو بهذه الكثافة، فالسؤال الوحيد الذى يطرح نفسه هو متى ستأتى الشرارة التى تشعله».

●●●

إن السبب الجذرى لهذه الحالة من عدم الاستقرار هو أن الفلسطينيين فقدوا أى أمل فى أن تمنحهم إسرائيل دولة. وكل محاولة من جانب الفلسطينيين لاستخدام القليل الذى يملكونه من إمكانيات إما تفشل أو يثبت عدم جدواها. فمقاطعة العمل فى المستوطنات وكذلك منتجاتها لم تحظ بدعم جماهيرى، ولن توقف تنامى المستوطنات.

فى ظل هذا التعثر وفقدان الأمل يكون الخيار الثانى المطروح هو المواجهة المسلحة. وعلى الرغم من اللا مبالاة السائدة بين الفلسطينيين، واعتماد مئات الآلاف ماليا على استمرار وجود السلطة الفلسطينية، فإن هناك عددا كبيرا يمكن أن يرحب بالتصعيد، خاصة الكثير من مؤيدى حماس، الذين يرون أن العنف كان الوسيلة الأكثر فاعلية لإجبار إسرائيل والمجتمع الدولى على التحرك.

فهم يعتقدون أن الصواريخ وقذائف المولوتوف والاحتجاجات الجماهيرية هى التى دفعت إسرائيل للتوقيع على اتفاقيات أوسلو فى عام 1993، وأن الضربات المميتة التى تلقتها القوات الإسرائيلية فى لبنان هى التى اضطرت إسرائيل للانسحاب فى عام 2000، وأن الدماء التى سالت أثناء الانتفاضة الثانية هى التى جعلت جورج بوش يعلن تأييده للدولة الفلسطينية وحثت المجتمع الدولى على تقديم مبادرة السلام العربية، ومبادرة جنيف، وخارطة الطريق لتحقيق السلام فى الشرق الأوسط. كما أنهم على قناعة بأن السلاح هو الذى اضطر آرييل شارون، رئيس الوزراء حينها، إلى إجلاء المستوطنين والقوات من غزة فى 2005.

وبالنسبة للزعماء الفلسطينيين الأكثر تشددا، الذين لم يؤمنوا أبدا بعملية السلام، كان الدرس واضحا، كما أخبرنى موسى أبو مرزوق، نائب رئيس المكتب السياسى لمنظمة حماس: «لن يتحرر شبر واحد من الأرض طالما شعر الإسرائيليون بأن السيطرة عليها لن تكلفهم الكثير». ويرى ماتى شتاينبرج، كبير مستشارى قيادات الأمن الإسرائيليين السابق، فى السيد عباس أكثر القيادات الفلسطينية التى عرفها التزاما ورفضا للعنف ويحذر من التسليم بما يقول. وقال ماتى إن «الوسط فى إسرائيل يدور فى حلقة مفرغة، ويرى من غير الممكن تحقيق السلام فى ظل العنف، وعندما يختفى العنف لن يكون هناك سبب لإقرار السلام».

●●●

وسيذكر التاريخ للسيد عباس أنه تولى الحكم فى أكثر مراحل هذه الحلقة طهارة، لكنه مهد الطريق لمرحلة أكثر قبحا. فى غضون ذلك، لا تقف حماس مكتوفة اليدين. وقد أخبرنى باسم نعيم، وزير صحة حماس، عندما قابلته فى غزة نوفمبر الماضى أنه «كان أمام إسرائيل فرصة ذهبية لتوقيع معاهدة مع عباس. لكن الفرصة فاتت بالفعل. ولن تتاح لها مرة أخرى».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.